بين الشفاه والورق
نداء يونس
الدبابةُ الخَرِبةُ في الطريق.
الجيادُ القتيلةُ في ذاكرةِ السجين.
أصابعُ النيونِ المُحترقةُ، ... ولا مكانَ لها في الحاوية.
الأسنانُ بعدَ انتهاءِ طلبةِ الطب من التدرّبِ عليها.
البقعةُ السوداءُ في قاعِ سجادةٍ لم تُجفّف جيدًا
شَعْرُ القططِ في زوايا الكَنَبِ البعيدة.
الأتربةُ على أرضيّةِ المقاهي.
البارمانُ والكأسُ في يده
قبلَ اعتبارِها الأخيرة.
المعلوماتُ في ورقٍ مُلقى
لخللٍ في الطباعة.
الدمُ في ملابسِ القتيل.
الجيناتُ الانتقائيةُ في مختبراتِ الهندسة،
الخوارزمياتُ التي لا تعترفُ بالبراكين
إلا ككودٍ برمجي.
الحوائطُ المُفخّخةُ بالقنابل.
البيوتُ التي تخرقُ خاصرتَها العظام.
السحقُ المتواصلُ الذي صارَ هُويّة.
التكلّسُ الذي يزحفُ دونَ أن يُثيرَ القلق.
الخيامُ وأعراضُ الزائدةِ الدوديّة.
الطيورُ التي تطلبُ هدنةً كي تُغني.
الرئة التي تتذكر رائحة الحرب أكثر من رائحة الورد.
القصائد التي تموت قبل البنادق.
القلب الذي مثل ماكنة تصوير معطوبة
يكرر مشاهد الفقد
الحروبُ القديمةُ التي تخرجُ من الخارطةِ
ومن الكتبِ الدينيّة...
إلى المدن،
والجنود، والموتى.
الأغطيةُ الباردة.
الرغبةُ التي لم تَعُد تشتعلُ
بالكلام، ولا باللمس،
ولا بالاحتكاكِ معَ الذاكرة.
المعاصي التي لم تَعُد أكثرَ من استمناءٍ
في حضرةِ الدم
والحب الذي مثل بخار القهوة
لا يدفئ لكنه يشوش الأحذية التي ظلت وحيدة بعد القصف.
الباب الذي لم يعد يطرقه أحد لكنه يئن
الألم الذي تترجمه الأصابع المرتجفة الى لغة خرساء.
الأجسادُ التي تحوّلت إلى غرافيتي
على جدارِ المدرسة،
أو لطخاتٍ من الجلدِ على جدارِ السوق.
مستقبلُ العلاقةِ معَ العالم، حيث الحب رأسٌ مقطوعة
تحتَ إبطِك،
وقلمَ الروجِ...
قنبلة على شفتي السيدة.
يدَك لا تعرفُ الفرقَ بينَ الجلد
وشيزوفرينيا الأعضاء،
أو قراءةَ الرعشة.
وتُقلّبُ جسدي
كمن يبحثُ عن اسمِه في قوائمِ المعونات،
وتبحثُ في جلدي عن إجابةٍ لسؤال:
أيهما أسوأ؟
الحبُّ أم الحرب؟
جلدي المصابُ بالهلع،
بالهلوسةِ نتيجةَ الخوف،
بالتسمّمِ من المعلّباتِ والموروث،
بالحرمانِ من رؤيةِ الشمس،
وبالبحثِ عن عدالةٍ
في توزيعِ حصصِ المياهِ للاستحمام.
والموت،
جلدي الذي لم يعرفْ كيف يُخبّئُ
لا القشعريرة ولا الشعر،
ولا البثورَ أو الخدوش،
ولا أعراض تحوّله إلى خفّاش،
أو اختلاطَ العطرِ في ذاكرته برائحةِ التراب،
أو قماشَته التي تبهت،
أو محاولاتِه محوَ الذاكرة،
أو تحوّله إلى تابوت
منذ أن فقدَ قدرتَه على التماهي معك.
أُفكّرُ بهذا،
حينَ أتذكّرُ النصوص
التي ماتت بينَ الشفاهِ والورق.
قد يعجبك ايضا
تعليقات
إرسال تعليق