القائمة الرئيسية

الصفحات

العاشق في منفاه الأخير / عبد الوهاب الملوح

 العاشق في منفاه الأخير

عبد الوهاب الملوح


العاشق في منفاه الأخير - عبد الوهاب الملوح - بيت النص


1

غَيمةٌ تَتأَرْجحُ من يَدِه،
وسماءٌ تُعِدُّ لها من خُطاه
مدى زُرْقة باتّساعِ صَدى الصَّرْخةِ الأولى ،
والمَتاهاتِ
في رَحِمِ البدءِ
في عُنْفَوإن الوُحامِ
وغموضِ التشكُّل،
في تَعَب الأمِّ من حَمْلها الْحافلِ الْقاسي،
في بداياتِ غُرْبنهِ القادمه.
كيفَ يسْترْجعُ الآن حفلةَ صرخته الأولى ؟
وقعَ الجسرُ من فمِه ؛
وقعَ الحلم في شَرَك الوهمِ!
كان بإمكانه أن يُدْرك بعضَ صِفاته ؛
أو يُشيِّد جِسرا لأحلامه،
ذلك الجسر منفاه وصرخته الآتيه
سوف يُسلِم نفسه للتداعي
ويمضي كصباح وحيد خارج روزنامة الوقت
يمضي غيمة أغنية تتارجح من عمره .

2

قريبا من الليل؛
تجلس معتدلا بين غرقى مياه تتدفق بالاحتلام
وجرحى حروب التوهم؟
تفتح نافذة لا تطل على شارع مستقيم.
سماء تسرح غيماتها دببه في خيالات عميان جاؤوا على عجل يحسبون الضباب طحين السماء.
أنا لست أعرف من صفة السعداء
سوى ضحكتي الطائشه
تسحب العالم المتقاعس من خصره
لتراقصه
ولتركل مؤخرة الموت من جهة غير معنية بوصايا زرادشت
أو بغلة المتنبي.
أباغت دِيَكة الفجر
بالشمس تطلع زرقاء
أو جوقة لحساسين حمر،
تُدلِّل أخيلةَ العاشقين
فتنقذهم من كراسي المحطات
والأصص العالقه
كشفاه بلا قبلات
تُشقِّقها الشهوات البدينه.
ككل صباح،
أعود من الليل،
ارتجل الضوء بالمشي مندفعا للجلوس
قريبا من الحلم في نظرتها
بين ممرين في سيدي بو حديد.
يمد لنا البحرُ
أرى قامتي حانة يتحصَّن فيها البكاء من الكذب العاطفي..
أراني على شفة حرف يديها.

3

لا أحد يعود من الحزن سالما
كنت احتاج الى وقت على ايقاع تنهيدة بين الشهيق والزفبر؛
بين الوجع والانتشاء؛
بين الهشاشة والصلابة؛
تلك الأسفار في نظرتها كانت اللانتهاء
لم احدث أحدا عن ذلك ،
فمازلت قفزة في الشهقة الأولى
ازتجل عمرا
واختصره صباحا بلا سماء
لن أحدث أحدا اني لن اعود.

4

‏مازال في اليد ضوء حلم
يوقظ الأنهار في قلب الحصى؛
أو يرتق الأمل المريض بخيط من حرير الضحكات
يطلع من مخيّلة الصباحات يُلوِّح بالتحايا
ثم يأتي غامرا
لابأس؛ فالعمر القليل هو الكثير بطيشه .
مازال في الدم حلم ضوء
يأخذ الأنفاس من قلبٍ يحب المشي بين الريح

5

مازال في العمر متسع
لأحدق في نيجاتيف صورة مهملة في جيب عاطفة مازالت تمشي بهمَّةٍ
نحو قبلة مؤجلة ؛
لبس بمستطاع الوقت أن يتسع لأكثر من دائرة
قلتِ لي أن الوقت مغلق و هذه الأرض تفاحة سقطت من فم آلهة خدعها أتباعها
قلتِ لي أن الحبَّ وهمٌ وعلينا العودة إلى أعالي الأنهار
قلتِ لي لقد ظفرنا بعمرنا في قبلة مؤجلة
مازال في القبلة متسع
حدقت جيدا في براري صمتك داخلي
رأيتني نيجاتيف لكِ.

6

آنها فكرتك الأولى التي أمسكتُُ بها

من صدى صمتكِ
من طيش لفتتكِ
من تبعثُر خطاكِ
كنتِ شبه مستعجلة
وكنت أسبقكِ إليكِ بلهفة حديقة تتعالى أشحارها عناقا تعاند رحمة سماء تتخيل نفسها جنةً
لم تكن السماءُ رحيمةً
و انفتحت ذراعاك سجودا في صلاةٍ سرية !
وقتها علمتني أن الحب سجود خاشع
إنها فكرتك الأولى التي لم تخططي لها
غيمة بلا مطر في حدقتك
كيف تجيدين ترتيب شؤون الطقس بمجرد السؤال عن احوالي
إنها فكرتك أنتِ
أن تكوني منفاي الأخير
أن أسألك عني دون أن أراك ؟

7

لم تكن حكاية بصدد إنجاز مَهمَّة عاطفية؛
والْوردة أبعد من أن تكون محطة في مضمارِ لهفة قصية
فما كان الأمر يحتاج إلى أغنية
وقمرٍ بفستان تطرزه نجوم ترقص على إيقاع غزل قديم
لم نكن بداية لتكون لها نهاية
لا شيء يُشبع هذا الشغف البري
فلا الأرض تتسع لهذه الشهقة
ولا الريح العاصفة باستطاعتها أن تطوي بين اجنحتها سردية
تنهض في السديم جغرافيا ثملة
انتِ فقط تضاريسها العالية .

8

ليس للوقت أجوبة على أسئلة الثمالة

تطرد الأشجار ظلالها ،
تترك للكلوروفيل مهمة إنقاذ عاطفة على وشك عناق بلا ذراعين ،
من يدل الحلم حين تكون الرقصة عمياء
والطريق بلا فم
من يدل المطر حين تطرد السماء غيمة موسيقى
من يدل العاشق على منفى
بمثابة عناق
يأخذ هيأة شهقة
أو تحليق بلا أجنحة
من يدل العاشق إلى قمر طائش في منفاه الأخير .

9

هذا هو حزني الشخصي،

مجالي الحيوي الوحيد الذي يمكنني أن أجعل منه حياة كاملة
لا أحد من شأنه ان بتدخل فيه ،
هو حياة كاملة
بقدر دمعة عالقة
بقدر شهقة عند المنتصف
بقدر ميتة غير مكتملة
بقدر ثمالة ينقصها طيش ما
بقدر حقيقة غير حرة
هذا هو المتبقي مني
ومن لفتتها تلك
الفالته من مواعيد تركتها الطرقات لبكاء قديم
ترسب صلاة في حجر الحنين
لقد أخذت مني كل شيء
فاتركي لي على الاقل هذا الحزن
فرحا قليلا .

10

لم يُخْبرني أحد بموتي،

الشارع الذي كنت أعبره يوميا كان جنازتي،
لم أكن في حاجة لتابوت،
كان يكفي ان تمد الأشجار ظلالها قليلا،
وتمسح الطريق دموع المحطة
وتتوقف شاحنة تزويد الحانات بالبيرة عند منتصف الحكاية.
يتهيّّأ للجميع أن المدينة مقبرة وهي كذلك غير أنه ينقصها كفن على مقاسها،
في كل يوم يجددون قياس الطول والعرض
ولا أحد منهم يخبرني أنني قبر يمشي
وفي كل يوم كنت أشيع المثوى الأخير إلى سكتات قلوب العشاق ،
ثم أعود وحيدا بلا موت
اعود إلى عزلة أخرى
لا يخبرني فيها أحد أنني حي.


تعليقات