القائمة الرئيسية

الصفحات

في سبأ لا تشرق عيون الأيائل / مختارات من شعر بثينة زغلامي

في سبأ لا تشرق عيون الأيائل

مختارات من شعر بثينة زغلامي


مختارات من شعر بثينة زغلامي - بيت النص

1
حنين

أنا امرأة صغيرة
بالكاد أصل المرآة المعلقة
آخر الجدار
لأقول للبنت التي كنتها
صباح الخير

2
قمر يماني*

في سبأ لا تشرق عيون الأيائل
ولا تشير بأعناقها الى جهة الغرب
وبلقيس تبدو غير غافية على مقل الزهريات الدامية
ليل صنعاء يجرحني تقول
ورائحة الصندل تهيؤني لقادم الألم والغبار
أترقّبه ولا براق يسرح بنا لآخر الحرب
الدبابات تسحل العشب وما بقي من شمس الظهيرة
والقناص بعين غراب خبير
يرمي حصيلة الليلة الفائتة
ونشرات الأخبار تمضغ نزق الصور المسطّحة
وفي الطرف اللامع للحزن تعلّق مذيعة:
قذيفة بثمانية أشطار
سبعة منها للذين ناموا غير مطمئنين لوجيب يمن ليس سعيدا
والاخرى لأم وضعت وليدا قبل أن ينفجر السرداب بفائض ثاني أوكسيد الكربون.
و"بثينة " ليست معنية بالبشمق اليماني
لا يبهرها الضوء المتراشق في الهواء
بعيدا ..بعيدا
أمضى من دمعة "جميل "في السبات العميق
حيث لا جنود ولا مدرعات
والوجد طفل يجري ويرش ماء الزهر على الابواب اذ تحلم
لا يراه أحد
ينادي بائع التفاسير التليدة :
يا شيخي شهيد /شريد / يهيم بين متون الرواة المتعبين
تباعا يسوقون قوافل القول وكما في بيت شعر أضناه ترادف الأضداد,
هلا ّ تكفون عن السرد الذي يعود فتيا ونحن نردمه منذ ألف عام !.
بثينة كان شعرها أحمر أثيلا
تمانع حين تسأل
ولا تهذي مع ذئاب الاستشراق
تتملى كدر قمر كتوم
بعين وحيدة تطل من زقاق أدمته ثكالى عدن
ويتخفى جميل ببردة عليّ اذ يخط على أزيز الرشاشات .
فهذا تاريخ عليل
بلاد الله كربلاء دامية
وصواريخ عابرة للمسرات
وما أدخرته الليالي من سلوان
ليمن يجالد الصديد والحديد.

3

رأيت رجلا ناحلا
يترجم ما أسقطته المدن البعيدة
ويقول أنّ أسماء الروايات
أكثر شهوانية من نساء الجبال
وأنّ الملابس المصنوعة من الحرير
تئن في الليل
فيجمع ما تناثر من عسل الخزامى
على شفاهها
وكل صباح
تلتقطه نادلة
وجهها كثير الأصباغ
لتصنع من نصوصه
قصائد متبلة
ورقائق حلوة المذاق .
- بيروت /2011

4
سوداد


الحزن جميل
كحل العيون
يتلقى الذكرى وحيدا
وينثر حولها الشوق رذاذا
تلك التي لجناحيها
جلبة خيول بلقاء
في مزارع الحروف
وحين تكابر
تنفضك في مرمدة
كأعقاب زمن مسحوق
ولكنّها تكون حادّة جدا
في زاوية مقلتيك
هناك بالذات
توشك ان تضيئ !

5

قد يكون الزمن
حوّل خشب الطاولة إلى لون الكدمات
ورائحة الكلور التي تنفذ من الاسفنجة
رغم أنها تجعل الفراشات تهرب
يمكنني أن أرى الفصول الأربعة نظيفة
في إناء الورد
وأرى الشعراء ينفلتون من بين الأصابع
تعترف آلدا ميريني مثلا " أنّها عانت من ظلال الفكر "
ويخمّن بافيزي "الفنّ حجة على أنّ
حياة واحدة لا تكفي "
حياة الكهول صعبة
كأنّهم أقوياء
ومع ذلك يسبحون في الدمع
مثل حدائق أندلسية
دائما الخضرة القاسية
تحتها عمق آسن
ليس مطلوبا منك أن تراه
مادامت تتلألأ.

7
حارسة المقام
.
دلو البئر في صحن الدار
أملس بلون الكهرمان
مثل خطاطيف
نسينا أن نمسح رؤوسها
بالزيت والسكّر
لتجيء في الصيف القادم
أنا ألهو بتقطيع قصيدة رباعية
للامارتين
أخطئ كالعادة
فتكركر مسبحة جديّ الفضية
لأعيد الترتيل
أضع أغنية أندلسية
بمقامات وله فصليّ
وقبلات دائرة كفصوص حكم
على زجاج نوافذ الغرف المعشّق
الشعراء وبول كلي وجدّي
تكفيهم حفنة خيال وسن
ليضيؤوا صحن الدار
تحت سماء التيركواز

8
حين رأيت الحرب أول مرة في البوسنة
كنت كسحابة وحيدة في شتاء أجرد
وكانت العيون مقلوعة بمخلب
القبور ما تفعله الأحلام بالاحشاء
والأصابع الندية التي كان يمكن أن تكون بذوراً
للمصافحة وصداقات لذيذة
بعدها بسنوات
قلت أريد جسراً متيناً
أسمعه في الأغاني
وأنام وأحزاني هالات سوداء
لا تخذلها الكريمات المرطّبة للأسى
كان هناك كلب كي يعيش
عليه أن يمضغ فتات طفل على الجسر
صارت كوابيس الرعب تخرج من عينيّ
تقاسمني قهوة المساء وتذاكر السفر
وكلمات الهاربين:
«لا تنسني»
«سآتي اليك من أعالي الجبال».
وحين مررت بمدينة لها أكثر من قلب
انتزعت رحمي مثل بشر غدهم بلا أسقف
وجدت امرأة اسمها «بيبا»
كان التراب أسود ولها قفازات
ولا تنتظر قطاراً في البال
تذكّرت طريق الحرير والسلاح والقطن والطمي
والآلهة التي تشقّ الدلتا
فرسمت لي «الفولغا»
وغبار الكلاشينكوف والايديولوجيا
بعد فوات الأوان
صرت أعشق استنشاق الحنين في زحمة المطارات
وكلّ حين أكنس العالم الذي لم يكن رحيما
مثل دم متيبّس
وكربّة منزل صالحة
أرشّ الملح على الخارطة
وأقول: عليه أن يكون نظيفاً هذا السجاد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* تذييل على بيت بهاء الدين زهير
(ما كل مخضوب البنان بثينة .وما كل مصقول الحديد يمانيا)

تعليقات