القائمة الرئيسية

الصفحات


مختارات من شعر مريم جنجلو





التفكير بِصوت منخفض

 

ها قد أخفقَت كلّ الجهود في إيقاظكِ
مرتاحة لِدفءِ الغبار في كتاب شعرٍ رخيص
تتمدّدينَ كلَّ ليلةٍ على سريرٍ ضيّق
لا يتّسع سوى لقلبٍ مُنتفخٍ كَسمكة حُبلى
وَرِئتَين محشوّتين بأعقاب السجائر التي التهمتها طيلة حياتِك.

تنامينَ دون أن تنتظري أحدًا
مثل شرنقةٍ تلتحفينَ ستائر الدانتيل السّميكة
وَتَرمينَ وجهكِ لِضوء الغرفة الأصفر
يلوّنُه مثل مرضٍ مُعدٍ، مثل يرقان.

على جدار زهريٍّ لم يرَ أيًّا من ألوانِهِ السابقة
تُعلِّقينَ فساتين نومٍ حريرية لم تلبسيها يومًا لأحد
داخلَ كلٍّ منها تَدُسّين ورقة
كلما فتح غريبٌ الباب لِيتلصّص على بياضِ جثتكِ
يَسقُط فستان أرضًا وَتعلو كلمة
يقرؤها، تتقلّبين، فَيهرُب مرعوبًا خشيةَ أن يوقظَكِ.

لَكِ كتفانِ محصولُهما وافرٌ من النّمش
وَيدان طريّتان بِعشرِ أصابعَ ممتلئة
تمدّينَها كالرائحة قبل المذاق في قهوتِهِ
أمامُكِ السهل واسع كَجرح ولادة
نزِقٌ كَنهر يقطعُ بلادًا لِيرويَ قريةً نائية
ولا تطمئنّين سوى للسُّكنى في لبِّ شجرة

لكِ عينا قُبّرةٍ مُرقّطة
دامعتان..
تطيرُ ببَطنٍ مُقطّب،
وَمن كلّ قصص الحب في الشتاء
لَم يحبل سوى بالأرقِ وَبالهطول 

 

أمي

 

منذ فترة، وَأُمّي على موعدٍ شبه أسبوعيّ مع المَوت، يأتيها في الليل، يقرُص رِئتَيها المتكيِّسَتَيْن بالماء، لا هوَ يتدفّق منهُما وَلا الأوكسجين يتسلّل وإن خُلسةً.

منذ فترة، كتبتُ عبارةً رثاء واحدة في دفتَري وَلم أُكمِلها، إنّني وَالموت مثلَ لاعبَي كرة طائرة، نَقِف فوق رأسِها وَنتلاقفُ كرةً غير مرئية، مالحة، مُسنّنة اسمُها الألم. لا هُوَ يَجرؤ على أخذِها، وَلا أنا أقوى على إتمامِ العبارة وَإنهاء هذه اللعبة القذرة التي يلعبُ فيها الموت مَعي شخصيًا بشراسة وَدهاء مثل حكَمٍ وَخصم.

منذ فترة، تعلّمتُ أن ألاعبَ المََوت بِروحٍ رياضية، كلّما رأيتُ دموع أمي من وراء الكمّام وتتبّعت شرايين يدِها الهزيلة، أنظرُ بعَينَين صافيَتَين إلى فِراشِها المُشعّث وَأخاطب شيئًا لا أعرُفه: أنا لا أخافُك، خُذها إن كان هذا يُشعِرُك بالنّصر، لكن كُن نزيهًا، لا تعذّبها.

حتى اليَوم، لم يأخذها الموت، لَم ينجح في إخافةِ شخصٍ لَيس لديه في العالم ما يخسرُه سوى نفسِه. لستُ خائفة، أمّي التي داخلي أقوى وَأجمل. وهذه الأغنية هي أكثر ما أسمعه لأجلِها ولِأجلي. أعلم أنّ الأشرار لا يغنّون، وَالألم شرّير.

ما على الفراش لَيسَ سوى هَيكَل مُنهَك، لا أدري متى يحينُ موعدُ سقوطِه وَأنا أكرهُ الهياكل.



تمامًا كما تحب

 

بباقة وردٍ كبيرة تخبئها وراءَ ظهرِك
فاجئ نفسَك
احضُنها بقوّةٍ من الخلف
لا تعطِها الفرصةَ لتعاتبَك على التأخير
إذهب وحدك مع أغنية ولا تعُد إلّا اثنين
خلفهما قطيعٌ من الضّحكات
فلتتعلّم أيها اللّامرئي..
كيف تكونُ نسيمًا يكوي قميصَ فرحٍ
يرتديه وأنت تمرُّ مع الوقت
غيرُك..
إسمح للباب مرةً واحدة أن يستند عليك
فقد أتعبه أخذ مقاس كتفيك كلما عانقتَ أحدَهم
اقلب السؤال الآن على سطح المرآة واقرأه بالعكس
ماذا لو بباقة وردٍ كبيرةٍ ومنَ الأمام
تمامًا كما تحبُّ
عانقَك أحدُهم.



داخل البحر

 

داخلَ البحرِ أقفُ وَحدي
مثلً منارةٍ بعينٍ مُطفَأة
تسهرُ فوقَ رأسِ رجلٍ مريض
الشتاء رجلٌ مَريض
دائمُ البكاء كثيرُ البلل
عُكازُهُ الثخينُ الأعوج ضلعُ شجرةٍ
بيجامتُهُ الرثةُ الرَّطبة
قماشُها ورقُ الخريف
لا أحفادَ للرجلِ ليجمعَهُم حولَهُ
ويُراقبوا بدهشةٍ فمَهُ المُعتمَ كَمغارةٍ
حينَ ينفتحُ ليُخبِرهُم
أنّ الوِسادةَ كانت رسالة
والشجرةَ كانت امرأةً تنتظر
ذابلةً مثلَ مِشنقة
وأنّ أوراق الخريف طيورٌ بلا مَناقير
أرادتْ أن تُغني.



 (إلى صديقة)


الأمُّ التي تنامُ باكرًا

حزنُها قلمُ كُحلٍ مَكسور
تركُلُ
ـ غَضبى ـ
النّهارَ من النّافذة
وتَنسى ظلَّه عندَ الباب
تَدخلُ الإبنةُ لتلعَبَ بالقلم
من جرحٍ مالحٍ بينَ عينَيها
يَسيلُ في الغرفةِ لَيل.



انعتاق

 

مثلَ هواء خفيف أمضي ولا أنظرُ خلفي
من فوقِ عمود إنارة مُطفأ أُحصي مع بائع العلكة غلّتَهُ،
وَأساعد ماسحَ الأحذية في تلميع صُوَرِ المارّة.

قلبي لؤلؤة في جَوفِ سمكةٍ نافقة، داخلَ زَورقِ صيدٍ رَطِب
وَمثل كسرة خبز مُبتلّة أنامُ على نفسي،
أخرُجُ من الأفواهِ على ظهرِ أغنية
وَأدخُلُ بين الأرجُلِ مثل جروٍ هجينٍ في نُزهة،
أعرفُ لونَ الأرصفة عند المطر
وَأحفظُ حوارَ غريبَيْن لبعضِهما
قبلَ أن تُعلِنَهما المصادفةُ زوجًا وَزوجة.

ديدانُ الأدراج المُعتمة أحصنتي،
وَالشفاه طُرقاتُي الوَعِرة.

إنني مندفعةٌ دومًا مثلَ لَكمة،
مستعجلةٌ لِأَموتَ قبلَ الجميع،
فالشمسُ تنتظرُني بفستانٍ أسود
باعَت ضفائرَها في الحربِ
لِتشتريَه وَتُحرِّرَني..

 

غريبٌ بعينَيْنِ تَبسِمان

 

لا تفتحْ نافذةَ غرفتِكَ اللّيْلةَ

حُزني إلهٌ أزرقٌ

يربِضُ في الخارجِ

يُقيم حفلةً لتوديعِ ألوهيّتِهِ

سوفَ يشربُ وحيدًا

نخبَ عينَيْنِ تَبسِمان

يختنقُ بمِلحِهما فتُمطِر

أنتفخُ وأطفو كزورقٍ مِن ورق

يحمرُّ جَفنا الإله فأفركهما

لحمٌ فاسدٌ يتساقطُ

لا أجدُ غيرَهُ لأُطعِمَ قلبي

يفتحُ الإلهُ الأزرقُ قنّينةَ نبيذٍ ثالثةٍ بفمِهِ

فتقعُ أسنانيَ في يدي ونضحكُ عاليًا

نرفعُ الكأسَ ونُضمِرُ سويّا أمنيةً

آهٍ لَو كانَ الإلهُ الأزرقٌ جدولًا صغيرًا

يَروي أديمَ زهرةٍ بريّةٍ

آهٍ لَوْ كُنتُ الزّهرةَ البريّةَ

لأنبُتَ أينما أُريدُ

على كتفِكَ، ياقةِ قميصِكَ، داخلَ خزانةِ أحذيَتِكَ العَفِنةِ

فقط لأوصيَك ألّا تتركَ غرفَتَكَ الّليلةَ

فَالكونُ كلُّهُ في الخارجِ

يُطاردٌ غريبًا بعينيْنِ تَبسِمان.


امرأة

 

في كل بيت من عالمنا العربي
تستفيق امرأة في منتصف الخيبة
تضبط أحمر شفاهها عند الساعة الخامسة والعشرين
وتخطط لزرع تهمة لاصقة على ظهر فنجان قهوة بارد
يشربه على مهل رجل كتفاه من سكر
صديقتي القصيرة
طولي 173 سنتيمترا
أعيريني يدك الصغيرة أدسها في ذقنه
فيظن أنني أرقّ من أن يرفضني
أريد للشمع في أذني أن يتحول إلى ذهب.



قد يعجبك ايضا

تعليقات