أدونيس كان أستاذه في الجامعة ويشبهه عديدون بـ جان دمو
حوار الشاعر اليمني عبد الوكيل السروري : الحرب تعني الكثير للمتعاطين مع الجمال أيًّا كانوا وللشعراء بالتأكيد
عبد الوهاب الشيخ :
عبد الوكيل الأغبر السروري شاعر من جيل التسعينات اليمني صدر له ديوانان شعريان هما " مسحوق التعب اليومي 1996 " و " الكلام تحرك في الماء 2003 " ومجموعة مشتركة في بداياته سنة 90 مع عبد الوهاب الشيباني ونبيلة الزبير وهدى أبلان . درس له أدونيس في الجامعة وترك أثره على تجربته ويقارنه البعض بجان دمو الشاعر العراقي الشهير .
حول تجربته الشعرية والوضع الثقافي في اليمن أجرينا معه هذا الحوار .
ـــ هلا حدثتنا عن بداياتك الشعرية خاصة وقد أصدرت
مجموعة شعرية مشتركة وأنت لاتزال بعد تدرس بالجامعة ؟
ـــ كأية بداية نتجت عن تراكم قراءات وبحكم تخصصي في اللغة وآدابها قرأت كثيرا، والحقيقة الثانية انني كنت مولع بالقراءة منذ صغري فقد قرأت نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ومحمد عبدالحليم عبدالله ويوسف السباعي ، جبران خليل جبران ، ومحمد عبدالولي وعبدالعزيز المقالح والبردوني ومحمد المساح .
كل
هؤلآء قرأتهم وأنا لم أكمل الإعدادية فجاءت كتاباتي الأولى متأثرة بلغاتهم جميعًا
وبالتالي لم أكن سوى ناقل لغة وكنت سعيدًا بتلك المقوله النقدية التي تقول :
"
اللغة كما الصحرآء فليس عيبًا أن يقع حافر على حافر " .
هي البدايات تأتي دومًا متأثرة ولم أستطع الخروج من عباءات أولئك الطيبين إلا بشق الأنفس .
انفتحت أكثر وأنا طالب في الجامعة على أدونيس ووديع سعادة والماغوط وأسرة مجلة شعر ، وعلى اعتبار أن الشيخ أدونيس (علي أحمد سعيد) كان أستاذًا لي في الجامعة فقد زاد تاثري به ، عشقته وقرات معظم كتاباته من " هذا هو اسمي " إلى كتاب " الكتاب " ، أما " الثابت والمتحول " فقد كنت أقرأه بنهم وصرت أتتبع خطواته في الكتابات النقدية ولغته الشعرية .
هؤلآء المجانين شربت من جرارهم اللعينة كل النبيذ !!!
وكذلك انفتحت أيضا على العالم من خلال الترجمات قرأت وتأثرت وخرجت من حقل المؤثرات بشق الانفس !!
ـــ أصدرت سنة 90 مجموعة مشتركة مع عدد من أبناء جيلك :عبد الوهاب الشيباني ونبيلة الزبير وهدى أبلان . هل كانت تلك المجموعة إرهاصة بموجة جديدة أو تحول في مسار الشعر اليمني ؟ بمعنى هل كانت المجموعة تمثل رؤية مشتركة بين شعرائها للشعر والكتابة لا مجرد تجميع أعمال ؟ وما المشترك بينكما حال ذاك ؟
لم نكن قد وصلنا الى هذه المرحلة من النضج ، ولكن كانت هناك أشياء مشتركة وأهمها إثبات وجودنا كشعراء شباب يتعاطون مع الكتابات الجديدة حينها . كنا شبه محظورين من النشر في الصفحات الأدبية والملاحق ؛ كوننا شكلنا إرباكًا لهيمنة الشعر التقليدي , ولكن أيضا بدون قصدية منا!!!
ـــ كيف تحولت لكتابة قصيدة النثر في بلد أراها هي خط الدفاع الاخير عن الشعر العمودي ؟
ـــ إلى الآن لم تحدث القطيعة كاملة بين الكتابات الحديثة والقديم بنمطيه :العمودي والتفعيلي . وهذا تقريبا واضح في مجمل النصوص التي تنشر للكثير من الشعراء عدا ما نبصره في كتابات محمد عبدالوهاب الشيباني ، غير أننا نحاول نتخلص من تغول الماضي وبالوعي وحده يمكننا تجاوز هذه الحالة .
ـــ هل كان تحولك بتأثير القراءات ووجود أدونيس باليمن ؟ ام رغبة في التحرر من قيود العمود والتفعيلة ؟
ــــ حقيقة كنا نبحث عن هوية تخصنا . نحن جيل التسعينيات حاولنا ذلك بالفعل من خلال القراءات ، ووجود أدونيس كان له اثر في التحول ، وهناك شعراء أحدثوا طفرة في كتابة النص الحديث مثل أحمد ناصر وشعراء مجلة نزوى التي بنظري كانت تشكل دفعة قوية لهذا التحول الجمالي !!
أكيد للقراءات الجمالية أثرها على أي تغير معرفي يتصل بالجمال ، والشعرية جزء من الفنون ، ومع ذلك فإننا نحاول أن نقول للعالم : هؤلاء نحن وهذه هي أسماؤنا .
ـــ عبد الوكيل السروري حضوره الإنساني بين كتاب
اليمن يوازي حضوره الشعري بما يثيره من افكار ، وما يطرحه من رؤى مختلفة تنحاز للحداثة
، وما يصنعه من حميمية بين أجيال من شعراء اليمن حتى قارنه البعض بجان دمو الشاعر
العراقي المعروف . ما رأيك ؟
هناك فرق واضح بين العلاقات الإنسانية الطيبة التي تشكلت بيننا باعتبار الجميع يتعاطى مع الجمال وإن اختلفت الرؤى ، والحميمية التي لم تتخلق إلا مع من يسيرون في اتجاه التحديث كون القديم استنفد روحه واكتمل فنيًّا وجماليًا ، وأشكر من يمنحني هذه المقاربة مع العظيم المجنون الذي ظل يكتب ويرمي يكتب ويمزق في الخرابات ، أستاذنا جان دمو رحمه الله ، وانا أعتز بذلك .
ـــ حضور المرأة بما تمثله من معانً متعددة يبدو أساسيا في نصوصك ، خاصة قرويات تعز بأغانيهن ومشاقرهن . ألا توافقني على هذا ؟
ـــ بالتأكيد أوافقك كوني رضعت مجمل ثقافتي من أزقة تعز وروائحها التي لاتزال عابقة في وعيي البعيد ،
غير أنني لست مهتمًا بذلك باعتبار أنها لم تشكل كل الوعي الجمالي في بالي ولكنها كانت محورًا في مكوني المعرفي , والمراة عندي مقدسة إلى درجة بعيدة فمن الصعوبة بمكان أن تتحدث عن الحياة بعيدًا عن المرأة ولا عن الأرض أيضا ،
ففي شرقنا الحبيب عبدت المرأة ما يقارب الـ 7000 سنة في حضارة بلاد ما بين النهرين الربة /إينانا/ آلهة الجمال ، والنصوص التي تتحدث عن الحياة بدون المرأة هي برأيي نصوص جافة وتظل ناقصة !!
ـــ ماهو تأثير الحرب في اليمن على المواطنين عامة وعلى وعلى شعراء اليمن ومثقفيها على وجه الخصوص؟
ـــ الحرب تعني الكثير للمتعاطين مع الجمال أيا كانوا وللشعراء بالتأكيد .
إنها تشكل ثقافة جديدة بوعي جديد وأنت تبصر القذائف تمطر قريتك أو حيك وتحيله الى ركام ، ترى أشلاء الأطفال والنساء عالقة على الأشجار ، بالضرورة سوف تثيرك هذه المشاهد المجنونة وبالتالي سوف تنتج عندك ثقافة الدمار مؤقتًا ، وحتى تبتعد عنها سوف ترى وعيًا يتشكل من بين الأنقاض ، هو وعي يفصل بين ثقافتين : ما قبل الحرب وما بعدها .
على فكرة كتبت عن الحرب في مجموعتي الثانية "الكلام تحرك في المآء " في 2003 وحكيت عن دخولها غرفتي وعن أزيز الرصاصة التي لا تتقن الموسيقى وهي داخل الجمجمة , ربنا يحمي العالم من هذه الاحترابات القذرة أيًّا كانوا !!!
ـــ هناك تجربة مهمة للناقد العراقي حاتم الصقر في
التعاطي مع قصيدة النثر اليمنية . هل ترى أن النقد واكب التحولات الشعرية في اليمن
، وأعطى القصيدة الجديدة حقها من الدرس والتحليل ؟
ـــ حاتم الصكر ناقد من نوع فريد . كم أحب هذا الصكر ! عشنا معًا فترة طويلة في صنعآء .
الرجل مهتم إلى درجة بعيدة بالكتابة الحديثة ، نحن في اليمن نعتبره آدم الجديد في الخلق الجمالي ، وهو صديق نادر ، حين يكتب عن النص ليس في قاموسه تتبع الأغلاط ولا يقرأ كما يفعل الأكاديميون المحشورون بين قفا نبك /ولخولة أطلال , وإنما يكتب في قراءته نصًّا موازيًا للمكتوب .
وقد حاول الأخذ بأيادينا في كتاباته ولكن النقد عمومًا في اليمن غير مواكب للإنتاج الشعري للأسف وهو شكل من اشكال التخلف المعيق للحركة الشعرية ، وبالتالي لم يأخذ النص الحديث حقه في المتابعة , للأسف هذه هي حالنا النقدية في اليمن !!!
ـــ تعاني عافاك الله من أزمة صحية منذ ثلاث سنوات . ما هي أبعادها وهل كان لاتحاد كتاب اليمن أو وزارة التعليم التي تشغل منصب مستشار بها دور في دعمك؟
ـــ الله يحفظك أخي أصبت بست جلطات دماغية سببت لي شللا في الجهة اليسرى من جسمي .
مرت علي سنة ونصف مقعدًا في الفراش ، وتعالجت في عدن وتعز ولكن للأسف لم تكتمل النتيجة ، ظلت رجلي شبه مشلولة ويدي والضغط غير مستقر ، ومع هذا لابد من أن أعيش وكأن شيئا لم يكن .
المراكز المتخصصة في علاج مرضي لا توجد باليمن ولذا أنا بحاجة للعلاج بالخارج في ظل عدم اهتمام اتحاد كتاب اليمن الذي أنتمي إليه ووزارة التربية التي أعمل بها بحالتي المرضية.
(عن المصري اليوم)
تعليقات
إرسال تعليق