القائمة الرئيسية

الصفحات

المعلَّقةُ الأخيرة (فاطمةٌ خاضتِ الماءَ) / لينة عطفة

 

 المعلَّقةُ الأخيرة (فاطمةٌ خاضتِ الماءَ) (على لسان فاطمة بنت العبيد حبيبة امرئ القيس) 

 لينة عطفة

 


 

 هيّا اقتربْنَ اقتربْنَ انتَزِعنَ ردائيَ عنّي واحللْنَ شعري رسمتُ على الرّملِ رقصاً يدلُّ المياهَ إليَّ ليلسعني بردُها.. تلكَ خمسُ خطىً! ثمَّ دغدغني الرملُ حتّى تداعت غيومٌ لرنّة صوتي أقولُ: كفى! خمسُ خطىً ويميلُ النخيلُ يقلّدُ خصري فأهذي : اقتربنَ اقتربنَ انتَزِعنَ ردائيَ عنّي و احللْنَ شعري * أنا بنتُ تلكَ الخيامِ التي ارتحلتْ بنتُ ذاكَ السرابِ فلا النّبتُ يطلعُ من لمستي، لا ولا الماءُ ينبعُ من خطوتي اَلقبيلةُ قالت بأنّي سأجلبُ عاراً "أعدها إلى الرّمل!" لكنّني ما بكيتُ، فَرَقَّ لصمتي أبي ثمَّ أبقى عليَّ أنا بنتُ صمتي عقدتُ مع الموتِ صلحاً طويلاً إذا ما القبيلةُ جُنَّتْ فُتِنتُ إذا ما الطريقُ إلى الهندِ مالت ركبتُ إذا الفرسُ شدّوا علينا قبلتُ إذا الرومُ هبّوا إلينا قبلتُ إذا زوّجوني .. إذا طلّقوني إذا عاتبوني .. إذا خاصموني أطعتُ وصرتُ سراباً ويتبعني الدائخونَ القبيلةُ، فرسانها، والخيولُ، السيوفُ، القصائدُ كلُّ القبائلِ تمضي إليَّ لأنّيَ صورةُ ما يشتهون * وأمّا أنا أشتهي الكلماتِ التي سيقولُ الأميرُ يسمّي المكانَ باِسمي يؤنِّثهُ فيصيرُ انعكاساً لروحي ويأخذُ كلَّ صفاتي أصيرُ جماداً أليفاً يحاكي الخيامَ يحاكي الحجارةَ والرّملَ تمضي دموعي إلى السّيلِ يبكي المكانُ ويسرحُ ماءٌ في الحيِّ .. في واحةٍ .. في سرابٍ ماءُ المعابدِ .. ماءُ الجرارِ و ماءُ الأميرِ على شرشفي.. إنَّني صورةُ الماءِ في كلِّ شيءٍ عدا دمعتي! * يسمّي الأميرُ المكانَ باِسمي ويعطي الطّلولَ ملامحَ وشمي و يبكي فراقي تحاصرهُ صورتي فيرى كلَّ شيءٍ على شكلها و الأميرُ لديهِ مشاغلُهُ فعلى كتفيهِ دماءُ أبيهِ ليثأرَ بينَ يديهِ قصيدتهُ ساعةٌ لوداعِ الدّيارِ تصوغُ مطالعَ أبياتهِ ساعةٌ للتأمّلِ في الخمرِ والخيلِ والسّيفِ تمنحُ وحدتهُ حكمةً ساعةٌ للخلوِّ إلى نفسهِ اَلثّريا معلّقةٌ في مدارهِ واللّيلُ ما تقتضيهِ الهمومُ * يملُّ الأميرُ فترقصُ أبياتهُ و يوسوسُ حليُ القصيدةِ حولَ النساءِ فتلمعُ أجسادهنَّ على الكلماتِ ويلمعُ قلبي .. على غيرةٍ على لهفةٍ .. وعلى حيرةٍ أدوخُ باِسمي يلمُّ النساءَ وينثرهنَّ تصيرُ النّساءُ أنا وأصيرُ أنا كلّهنَّ أنا فاطمٌ.. وعنيزةُ .. أمُّ الحويرثِ .. سلمى وأمّا الأميرُ أميرٌ يلمُّ ملابسنا، ثمَّ يجلسُ فوقَ الثيابِ يغنّي: أباهي الملوكَ بعرشِ القماشِ فنمضي إلى عرشهِ عارياتٍ ويمضي إلى ثأرهِ عارياً * أبدٌ مستديرٌ على قَدَحٍ.. أبدٌ لا يَمَلُّ ومازلتُ أخطو إلى الماءِ تأتي إليَّ القبائلُ: فاطمةٌ خاضتِ الماءَ مازالَ اِسمي يضيءُ القصائدَ مازلتُ أخشى من العريِ ثوبيَ تحتَ الأميرِ وفوقَ الأميرِ رهانٌ ثقيلٌ.. أنا جسدٌ في قصيدتهِ .. جسدٌ في خيالِ أبي جسدٌ في خيالِ النساء اللواتي حقدنَ عليَّ أنا جسدٌ في خيالِ القبيلةِ هيّا اقتربنَ اقتربنَ انتَزِعنَ ردائيَ عنّي واحرِقْنَهُ كيْ يخيبَ الأميرُ * تمرُّ بذاكرتي المفرداتُ وأُهمِلُها لو خيالُ القصيدةِ لي عدتُ بالخيلِ صوبَ البراري الإلهاتُ يكتُبْنَ قصَّتنا قطرةً قطرةً مطراً فوقَ تلكَ الخيامِ فنبقى ونغسلُ ثأرَ الرّحيلِ الطويل خيالُ القصيدةِ يذهبُ أبعدَ من خيمةٍ طيّرتها الرياحُ وأقربَ من همسةٍ في ظلامٍ أبعدَ .. أقربَ .. أبعدَ كي تتهجّى القصيدةُ عتمتها .. * وردةٌ تَلبسُ الماءَ مثلَ الغلالةِ جسمي نهدايَ أعلى وأعلى ردفٌ كثيبٌ وخصرٌ لطيفٌ وطيبٌ يضوعُ وساقانِ مرسومتانِ تَكِرُّ خطايَ إليكَ، تفِرُّ وقلبيَ نارُ الغضا يا أميرُ وعندي القصائدُ عندي الكلامُ الأخيرُ المذهّبُ خِبْ واخْتَبِبْ يا أميرُ وأَقبِلْ اِخلعْ رداءَكَ .. اِخلعْ رهانكَ أَقبِلْ إلى الماءِ علَّ القصيدةَ تبتلُّ مثلي علَّ المطالعَ تَندى …

قد يعجبك ايضا

تعليقات