لا أقوى على إخفاء أجنحتي
مختارات من شعر مروة أبو ضيف
1
يعوي قلبي هذا الصباح
يبحثُ عن ضمادة نظيفة
ضمة صادقة
الذئب العجوز يريد الحب أيضا
يصدق أن المطر يأتي من أجله
ويرى العين الصامتة في الظلام
فيخاف
بالأمس ابتلعنا الماء طويلا
ولما استسلمنا معًا
نجونا
صار الماءُ عرشًا لامعًا
وارتفعنا كثيرًا
لكنَّ جرحا صغيرًا ظهر في معصمه الأنيق
تمامًا فوق سره القديم
فوق الأسماء المحفورة من الأزل
النجاة ذلة
والحياة ذلة
والذئب العجوز يعوي هذا الصباح
حتى وأنا أمرنه طوال الليل على القناعة
حتى وأنا أعلمه طوال النوم السعادة
حتى وأنا أحمله وأقفز من إشارة لإشارة
ظل يعوي
ولا ضمادة نظيفة
ولا ضمة صادقة
2
بدأت حياتي سندريلا
ملقاة في الجب أتفادى شرر الأشرار الأذكياء
ثم تطورت بي الحياة
فصرت سندريلا عجوزًا في ثياب أنيقة
تصلح واجهة لسيدٍ قاسٍ يتصنع الكرم والمحبة
أنتظر أن يأتي الدور على ذريتي
في جُبٍ مظلم بين يدي حواة وأوغاد
وذكور يسلقون الطيبين في ماء غرورهم
ويمضون منتصرين في عالم ظالم
الأمر ليس هرطقة ولا يحزنون
لكني ملاكة في الليل
وأفاقة في النهار
أعمل على اختبار الاحتمالات
تغيير جلدي كل ساعة
وقياس قدرة روحي على التلون
وفي الليل
لا أقوى على إخفاء أجنحتي
والحنان المنثور من أصابعي
ريح وريحان
وترياق للمساكين
نور
نور كثيف يطوي المسافات
يقرب البعيدين
يُنوِّل الغلابة مرادهم
ويجعل للحيارى دليلا من أحلامهم الصادقة
الليل لي
وأنا شفافة وهائلة
جناحان من نور
وقلب من محبة خالصة
ماء كثير يغمر الغرباء
مديح للحبيب الغريب الحزين
وفي النهار أحترق
أرسم من الرماد طرقًا للجحيم
تلالًا للانتقام والمغبة
هنا خنجر
هناك ملحمة من الحقائق المؤلمة
ملاكة تعمل بنصف دوام
وشيطان يصلح للتخطيط فقط
3
لست مضطرًا للبقاء هنا دوما
تضمد جراح الضواري
التي طالما حذرتني منها
تمسح الدماء عن وجهي
من صفعات الأوغاد الذين
أقع في حبهم دوما
لست مضطرا للغناء لي كل يوم
"كل شيء سيكون على ما يرام"
أنا كبيرة بما يكفي
لأعرف أن لا شيء سيصير أحسن
لستَ مضطرا لتبرير غيابك
الطريق كان متسعا لنا دائما
وأنا فضلت الحواري الضيقة
والأرض الوعرة بمفردي
كنت تجمع الورد وتأتي
أختار الأشواك وأبكي
وأغمض عيني عن جمال اللون
والرائحة
اليوم
أنت لست مدينا لي بشيء على الإطلاق
والسنين التي طبعت علاماتِها على قلبيْنا معا
ربطتنا دون دراية منا للأبد
غير أنك لست مضطرا للاعتراف بهذا
وأنا أميل للخسارة بطبيعتي
ولي ميل فطري للكآبة
اليأس الذي أتقنه
ليس خطيئتك
وأنا سعيدة على حالي هكذا
أو على الأقل راضية
أميال من الخراب تتنامى في صدري مع الوقت
ثم يأتي صباح رائق فأبتسم
وأنت لست مضطرًا لشيءٍ أبدًا
4
كنت تحب الخبزَ
معجونا برائحة الأمهات
وريح الأيام القديمة
أسمرَ
مثل قامات أعمامنا
وصلابتهم التي كسرتنا جيدا
ليِّنًا
مثل الحب الصعيدي
الذي لم يصدق أحد أبدا
كيف يكون حنونا وجارفا هكذا
مُدوَّرًا
مثل أقراص الجبانات الجافة
وحلوق "معددات القرية" المتمرسات
محروقا
مثل أعمارنا
والحياة التي طال بقاؤها في أفران قلوبنا الخائفة
وكنت آتيك بخبيز صباحي طازج
في الشتاء وأنت تجمع المطر في كفيك الهائلين
وفي الربيع
حين يتسلق أطفال القرية ظهرك
وتسقط الحراشف مخلفة ورودا وتفاحا
ولما صرت كهلا
زينته بماء الورد وقليل من العنب
قلت ربما أحبني
لكنك كنت مشغولا بنبوءات وحروب قادمة
تصنع فرسانا من البوص
وترمح فوق أحصنة من تراب البيت المهدوم
ثم صرت شيخًا
فكنت آتيك بالخبز مزدانا بالصبار والكافور
قلت
قد تحتاج الصبرَ الآن
وأسنانك تسقط في البئر الذي ملأته بنفسك بمطر السماء القديمة
وجلدك تملؤه النتوء
ويختبئ بين تجاعيده عيال البلدة التائهون
حتى القتلة
عرفوا طريقهم لقلبك الطري
واختبأوا تحت ذراعيك الممدودين دائما
والملح الذي دائما ما لوّث حلاوة محبتك
استقر بجوفي
صار يمينا بيني وبين الخلائق
أن الخبز وحدَه يصنع الدراويش
5
ماذا لو أننا قررنا إعادةَ كل شيء
نختارُ كلَّ ما اخترناه مرةً ثانيةً
نقول
لن نحزنَ أبدًا كما حزِنّا أولَّ مرةٍ
لن تنفلتَ الحياةُ من نفسِ الضلعِ مرتين
هذه المرة
لن نشاهدَ الجثةَ تستقرُ في القاع
سنلتفتُ إلى الروحِ الطائرةِ ونبتسم
سنختارُ نفسَ الجحيم
لأن الجنةَ غامضة
هذه المرة لن أؤجلَ البكاءَ عامين
سأبكي بأريحية وتلقائية فوقَ المقبرة
وأفركُ جلدي فوق من أحب ومن أكره
لأنبت فوق أجسادهم
زهورًا ملونة وسامةً أحيانًا
لكنني لست شجرة
والتكرارُ لا يكسر شوكة الألم
ولا دليلَ واحدًا أن الأرواح تطير
6
هنا في سوق البائرات الحزانى
نقف جميعًا
نواسي بعضنا البعض
واحدة تعطي الأخرى حضنا دافئا
أخرى تربت على كتف أية عابرة
وهناك من تتمادى في الحنان
فتغرق الأكثر حزنا في قبلة طويلة
على عكس ما يظن الأغبياء
كلنا هنا جميلات
ربما لنا ملامح باهتة
تجاعيد مبكرة
انكسار عزيز
لكننا جميلات
بأجساد بضة وصدور منتفخة
تليق بخيالكم اللعوب
لنا حكايات كثيرة ليست بالضرورة منطقية
ونتفق في النهايات التعيسة
منا من لاتزال تنتظر حبيبا مات من سنين
منا من وقعت عن طريق الخطأ في عشق القطارات
منا الفريدات جدا
حتى أن أحدا لم يفهم جمالها بعد
وهذه الحدائق حولنا تنمو من تلقاء نفسها
وهناك حب كثير يسيل من أصابعنا في انتظار أمير أو حتى ضفدع صغير
في الحقيقة الوفاء هو ما ينقصنا حقا
لأن قلبًا انكسر أكثر من مرة
لا يعرف كيف يصدق الحب لفترة طويلة
7
يقرؤون ما تكتبين ببساطة مؤلمة
يصفقون كما لو أنهم
لا يشاهدون الدماء بين السطور
كل تلك الاستغاثات لم يلحظها أحد
وحين جاءت اللحظة وأنهيتِ المأساة بيدك
أعادوا قراءة ما كتبتِ مع بعض من الدموع
لم يشاهد أحد بصماته فوق جثتك
لم يتدارك أيهم ما حدث
ولاموكِ على ضعفك وقلة حيلتك
كأنهم لم يساهموا في كسر عظامك
ولم يشاهدوا الجلادين بين الكلمات
ولا الصفعات والكدمات
على عينك الملقاة بين الأوراق
هذه قصائد محروقة
وتلك جثة لا تعود لأحد
تعليقات
إرسال تعليق