القائمة الرئيسية

الصفحات

العودة إلى الديار / القسم الثالث في كتاب الأغاني لهاينرش هاينه / ترجمة عبد الوهاب الشيخ

 

العودة إلى الديار

( القسم الثالث في كتاب الأغاني لهاينرش هاينه )

ترجمة  : عبد الوهاب الشيخ

 


 

كريستيان يوهان هاينريش هاينه المولود في دوسلدورف عام 1797 شاعر وصحفي وكاتب مقالات وناقد ألماني من أصل يهودي قام باعتناق المذهب البروتستانتي فيما بعد . عُرِفَ أكثر خارج ألمانيا بشعره الغنائي المبكر الذي قام الموسيقيان الشهيران شوبرت وشومان بتلحين العديد من قصائده . تميزت كتابته النثرية في وقت لاحق بذكائها الساخر وأسلوب المفارقة  . يعتبر جزءا من حركة ألمانيا الشابة ، وقد أدت وجهات نظره السياسية الراديكالية إلى حظر العديد من أعماله من قبل السلطات الألمانية مما زاد من شهرته في باقي دول أوربا . قضى هاينه آخر 25 سنة من حياته مغتربًا في باريس .

والقصائد المترجمة هنا من ديوانه الأشهر كتاب الأغاني Buch der Lieder  الصادر عام 1927 ، تحديدًا القسم الثالث منه المعروف بإسم العودة إلى الديار Heimkehr .

 

I

 

في حياتي المُظْلمةِ

أشرقَتْ ذاتَ يومٍ رؤيا عَذْبة؛

شحُبَتْ الرؤيا العَذْبةُ الآن،

ولفَّني الليلُ تمامًا.

 

عندما يكون الأطفالُ في الظُلْمَةِ

ينقبضُ قلبُهم،

وليَدْرءوا خوفَهم،

يغنُّون بصوتٍ مرتفع.

 

أنا، طفلٌ مجنون، أغنِّي

الآن في الظلمة؛

فإن يَكُنْ رنينُ الأغنيةِ أيضًا غيرَ مُطْرِب،

فلقد حرَّرني رغمَ ذلك من الخوف.

 


 

III

 

قلبي، قلبي حزين،

لكنَّ مايو يضحكُ في فَرَح؛

أقفُ مستندًا إلى الزيزفون،

عاليًا فوق شُرْفة الحِصْن.

 

حيث يجري بأسفل الخندقُ المائيُّ

أزرقُ اللون في هدوءٍ وسكون؛

ويركب غلامٌ في الزَوْرق،

ويصطادُ ويَصْفِر بجانب ذلك.

 

في الجانب المقابل يبرزُ برِفْق،

شكلٌ ضئيلٌ متعدِّدُ الألوان،

منازلُ صيفيَّةٌ، وحدائقُ، وبشَرٌ،

وثيرانٌ، ومروجٌ، وغابة.

 

الخادمات يَنْشُرن الغسيلَ،

ويتقافزن حولَ العشب؛

عجلةُ الطاحونةِ تَنْثرُ ماسًا،

أسمعُ طنينَها البعيد.

 

في البرج الرماديِّ القديم

ينتصب كُشْكُ حراسةٍ؛

وهناك غلامٌ في سُتْرةٍ قرمزيَّةٍ

يمضي إلى أعلى وإلى أسفل.

 

يلعبُ ببُنْدقيَّتِه،

التي تلتمعُ في حُمْرَةِ الغروب،

يستعرضُ بها ويتقلَّدها في كتفِه ـ

وددتُ لو سدَّد وأرداني قتيلاً.

 


 

V

الليلُ رطبٌ وعاصف،

السماءُ خاليةٌ من النجوم؛

في الغابة تحت حَفيفِ الأشجار،

أسيرُ صامتًا.

 

يومض نورٌ من بعيد؛

من كوخِ الحارسِ الموحِش؛

لا ينبغي أن يُغريني،

إذ يبدو عَكِرًا من هنا.

 

الجَدَّةُ العمياءُ تجلسُ

في مقعدٍ جلديّ بمِسْنَد،

متجمِّدةً وموحِشَةً مثل صورةٍ من الحجر،

ولا تَنْبِسُ بكلمة.

 

لاعنًا يتحركُ صعودًا وهبوطًا

ابنُ الحارسِ أَصْهَبُ الشَعْرِ،

ويرمي البندقيَّةَ بجوارِ الحائط،

ويضحكُ في سُخْريةٍ وغَضَب.

 

الغازلةُ الجميلةُ تبكي

وتبلِّلُ بدموعِها الكِتَّان؛

فيما يُنَهْنِهُ كلب الأب الدَشْهوند
ويلتصقُ بقدميها.

 

VI

 

عندما قابلتُ، أثناءَ ترحالي، بالصدفة

أسرةَ حبيبتي،

شقيقتَها، أباها وأمها،

تعرَّفوا عليَّ بفَرَح.

 

سألوني عن حالي،

وفي الحال قالوا:

إنني لم أتغيَّر،

شحُبَ وجهي فحَسْب.

 

وسألتهم عن العَمَّات والخالات،

عن بعض الفِتْية المُمِلِّين،

وعن الكلبِ الصغيرِ

بنُبَاحِه الرقيق.

 

وحتى عن حبيبتي التي تزوَّجتْ

سألتُ عَرَضًا؛

وبودٍّ أجابوني:

إنها في سريرِ الولادة.

 

فهنَّأتُ بود،
وبلطفٍ همستُ :
لتبلغوها مني
ألفَ تحيَّةٍ قلبيَّةٍ.

وفي أثناء ذلك صاحتْ شقيقتُها:

الكلبُ، الرقيقُ الصغير،

صار كبيرًا ومسعورًا،

وأُغْرِق في الراين.

 

تشبهُ الصغيرةُ حبيبتي،

خاصةً حين تضحك؛

لها نفسُ العينَيْن،

اللتين أشْقَتاني كثيرًا.

 

 

VII

 

كنا نجلسُ في كوخِ الصيَّاد،

وننظرُ نحو البحر؛

حلَّ ضبابُ المساء،

وتصاعدَ لأعلى.

 

في الفَنَارِ اشتعلتْ

الأنوارُ بالتدريج،

وفي الأفق البعيد

ظهرتْ سفينة.

 

تحدَّثنا عن العاصفةِ وتحَطُّمِ السفن،

عن البحَّار، وكيف يعيشُ

وبين السماءِ والماءِ

والخوفِ والفَرَحِ يطير.

 

تحدَّثنا عن السواحلِ البعيدة،

عن الجنوب وعن الشمال،

وعن الشعوبِ الغريبة

والتقاليدِ الغريبةِ هناك.

 

كيف يضوعُ ويتلألأ الجانج،

وتُزْهرُ الأشجارُ العملاقة،

والبَشَرُ الجميلون الصامتون

يركعون أمام زهورِ اللوتس.

 

في " لابلاند " بشرٌ قذرون،

رؤوسهم مُفَلْطَحَة، أفواههم واسعةٌ وأجسامُهم ضئيلة؛

يقرفصون حول النار، ويسوُّون

السَمَكَ، وهم يُصَرْصعون ويصرخون.

 

أنصتتْ الفتياتُ بجِدِّية،

وفي النهايةِ لم يَعُدْ أحدٌ يتحدَّثُ؛

لم تعُدْ السفينةُ ظاهرةً،

حلَّ الظلامُ تمامًا.

 


VIII

 

أيتها الصيَّادةُ الجميلة،

ادفعي زورقَكِ إلى البَرّ؛

أقْبِلي نحوي واجلسي

نتعانقُ يدًا في يدٍ.

 

ضَعي رأسَكِ على قلبي،

ولا تخشَيّْ كثيرًا؛

أنتِ مع هذا تأمَنين خاليةَ البال

بصورةٍ يوميَّة للبحرِ الضاري.

 

إن قلبي يشبُه البحَر تمامًا،

لديه عاصفةٌ ومدٌّ وجزر،

ولآلئٌ جميلةٌ كثيرة

تستريحُ في أعماقِه.

 


 IX

 

طلُعَ القمرُ

والأمواج تَلْتَمع؛

أضمُّ حبيبتي بين ذراعيّ،

فيضطرمُ قلبانا.

 

بين ذراعيّ تلك الفتاةِ اللطيفة

أستريحُ وحدي على الشاطئ ـ

" ما الذي تُنْصتين له في عَصْف الرياح؟

ولماذا ترْتَعشُ يدُكِ البيضاء؟ "

 

" ليس هذا عَصْفَ الرياح،

إنه غناءُ حوريَّات البحر،

وهنَّ أخواتي،

ابتلَعَهنَّ البحر ذاتَ مرَّة. "

 


X

 

تَرْتدي الريحُ سروالَها،

السروالَ المائيَّ الأبيض!

تسوطُ بكل قوَّتِها الأمواج،

فتَعِوي وتهدرُ وتزَمْجر.

 

ومن السماءِ المُعْتمة، بقوةٍ عارمة،

تنهمرُ زخَّاتُ المطر؛

كما لو كان الليلُ القديم يودُّ

أن يُغْرقَ المحيط َالقديم.

 

في الصاري يتشبَّثُ النَوْرسُ

بصَيْحاتٍ وصرخاتٍ مَبْحُوحةٍ؛

يرفرفُ بجناحيه ويودُّ في قلقٍ

أن يتنبَّأَ بكارثة.

 

 


XI

 

تعزفُ الريحُ داعيةً إلى الرقص،

تصْفِرُ، وتعْصِفُ وتُزَمجر؛

مرحى! كَمْ تتقافزُ السفينة!

الليلُ بهيجٌ ولطيف.

 

جبالٌ حيَّةٌ من الماء

يشكِّلُها البحرُ الصاخب؛

هنا تتثاءبُ هوَّةٌ سوداء،

هناك يتراكمُ الموجُ أبيضَ في الأعالي.

 

لعناتٌ وقيءٌ وأدعيةٌ

تدوِّي خارجَ القُمْرة؛

وأنا أتشبَّثُ بقوةٍ في الصاري

وأتمنَّى: لو كنتُ في البيت.

 

 

 

XII

 

يُقْبلُ المساءُ هائمًا،

يغطِّي الضبابُ البُحَيْرة؛

وفي غموضٍ تهْدِرُ الأمواج

 وترتفعُ بيضاءَ في الأعالي.

 

تصْعَدُ عروسُ البحرِ من بين الأمواج،

وتجلسُ بحذائي على الشاطئ؛

وثدياها الأبيضانِ يفيضان

من غلائلِ الرداء.

 

تحضنُني، وتضمُّني،

فتسبِّبُ لي الألم؛ ـ

" أنتِ تحضُنينني بشدَّة،

يا عروسَ البحر الجميلة! "

 

إنني أحضنك، بين ذراعيّ،

وأضمُّكَ بقوَّة؛

أريدُ أن أستدفئَ بك،

المساءُ شديدُ البرودة. "

 

شاحبًا يَرْنو القمرُ على الدوام

من سماءِ الغَسَقِ المُلَبَّدة بالغيوم؛

" لقد أصبحت عينُكِ أشد تَغبُّشًا وابتلالاً،

يا عروسَ البحرِ الجميلة! "

 

لم تصبح أشدَّ تغبُّشًا وابتلالاً،

إن عيني مُغَبَّشةٌ وبليلة،

لأنني، عندما كنت أصعدُ من الماء،

بقيَتْ قطرةٌ في عيني. "

 

يرنُّ صوتُ النوارسِ باكيةً،

يغضب البحرُ وتتلاطمُ أمواجُه؛ ـ

" قلبُكِ يخفقُ في عنفٍ واضطراب،

يا عروسَ البحر الجميلة! "

 

" يخفقُ قلبي في عنفٍ واضطراب،

إنه يخفقُ في اضطرابٍ وعنف،

لأنني أحبُّكَ حبًّا شديدًا،

أيها الطَيْفُ البشريُّ الحبيب! "

 

 


XIII

 

عندما أمرُّ

في الصباحِ بمنزلكِ ،

أُسَرُّ كثيرًا، أيتها الصغيرةُ الحبيبة،

عندما أراكِ في النافذة.

 

بعينيك البُنِّيتَيْن الداكنتَيْن

تتطلَّعين إليّ بنظراتٍ فاحصة:

" مَنْ أنتَ، وماذا بكَ،

أيها الرجلُ الغريبُ المريض؟ "

 

" إنني شاعرٌ ألمانيّ،

مشهور ٌفي الأراضي الألمانيَّة؛

إذا ما ذكروا أهمَّ الأسماء،

يُذْكَرُ أيضًا إسمي.

 

وماذا بي، أيتها الصغيرة،

أفتقدُ الكثيرَ في الأراضي الألمانية؛

إذا ما ذكروا أشدَّ الآلام،

يُذْكَرُ أيضًا ألمي؟ "

 

 


XIV

 

تألَّقَ البحرُ من بعيد

في شعاعِ المساءِ الأخير؛

كنا نجلسُ في كوخِ الصيَّادِ المُنْعَزل،

كنا نجلسُ وَحْدَنا صامتين.

 

تصاعدَ الضبابُ، اضطرمَ الماء،

حلَّقَتْ النوارسُ من حينٍ لآخر؛

ومن عينَيْكِ المليئتَيْن بالحب،

تساقطَتْ الدموع.

 

رأيتُها تسقطُ على يدكِ،

وركعتُ على ركبتي؛

ومن تلك اليدِ البيضاء

شرِبتُ الدموع.

 

منذ ذلك الحين يتآكلُ بدني،

تَفْنَى روحي شَوقًا؛

سَمَّمتْني تلك المرأةُ

التَعِسَةُ بدموعِها.

 

 


XVI

 

في الأُفقِ البعيد

تلوح، كشبحٍ ضبابيّ،

المدينةُ بأبراجِها

مُلْتفةً في غَبَشِ المساء.

 

تيَّارُ هواءٍ نديٍّ يجعِّدُ

المَجْرى الرماديَّ للماء؛

وبإيقاعٍ حزينٍ يجذِّفُ

الملاحُ في زَوْرَقي.

 

تصعد الشمسُ مرَّةً أخرى

متوهجةً من الأرض إلى أعلى،

وتبيِّنُ لي ذلك المكان

الذي فقدْتُ فيه حبيبتي.

 

 

 

XVIII

 

هكذا أتمَشَّى من جديدٍ في الطريق القديمة،

والأزقَّةِ المعهودة؛

أجيءُ من بيتِ محبوبتي،

الذي ينتصبُ مهجورًا وخاليًا.

 

الشوارعُ مع هذا شديدةُ الضيق!

بلاطُ الشارعِ لا يُطاق!

المنازلُ تَقَعُ على رأسي!

وأنا أُسْرِعُ قَدْرَ استطاعتي!

 

 


XX

 

ساكنٌ هو الليل، والأزقَّةُ هادئة،

في هذا المنزل كانت تعيشُ كَنْزي؛

لقد هجرتْ المدينةَ منْذُ زَمَن،

ولكن المنزلَ مازال قائمًا في نَفْسِ المكان.

 

هناك أيضًا يقف إنسانٌ ويحدِّقُ إلى أعلى،

ويعتصرُ يدَيْه من شِدَّةِ الألم؛

شعرُ رأسي يقف، حين أتطلَّعُ إلى وَجْهِه ـ

إذ يُريني القمرُ صورتي.

 

أنت يا صورةً منِّي! أيها الفتى الشاحب!

لماذا تسخرُ من آلامِ حُبِّي،

التي أذاقَتْني العذابَ في هذا الموضعِ،

كثيرًا من الليالي، في الزمنِ القديم؟

 


 

XXVI

 

في حُلْمي: أطلَّ القمرُ حزينًا،

وفي حزنٍ سطعَتْ النجوم؛

ثم حمَلَني إلى المدينةِ، التي تسكنُها حبيبتي،

هناك بعيدًا بمئاتِ الأميال.

 

وقادني إلى منزلِها،

فقبَّلْتُ حجارةَ السُلَّم،

التي طالما لمسَتْها قدمُها الصغيرة

وذيلُ فستانِها.

 

كان الليلُ طويلاً، كان الليلُ باردًا،

و باردةً جدًّا كانت الحجارة؛

ومن النافذةِ أطلَّتْ الهيئة الشاحبة،

يضيئُها نورُ القمر.

 

 


XXVII

 

ماذا تريدُ تلك الدمعةُ الوحيدة؟

إنها تعَكِّرُ بصري.

لقد تخلَّفَتْ من الأزمنةِ القديمة

في عينيّ.

 

كان لها أخواتٌ متألِّقاتٌ،

ذُبْنَ جميعًا،

مع آلاميَ وأفراحي،

ذُبْنَ في الليلِ والريح.

 

مثلَ الضبابِ ذابتْ أيضًا

النجومُ الزرقاء،

التي جلبَتْ تلك الآلامَ والأفراحَ

باسمةً إلى قلبي.

 

آهِ، إن حبي نفسه

قد ذاب مثلَ نسمةٍ زائلة!

أيتها الدمعةُ القديمةُ الوحيدة،

فلتذوبي الآن أنتِ أيضًا!

 

 

 

XXVIII

 

يا طفلي، كنا أطفالاً،

طفلين، صغيرين مرحَيْن؛

كنا نزحفُ داخل بيوتِ الدجاج،

ونختبئ أسفلَ القَشّ.

 

كنا نؤذِّنُ كالديوك،

ويمرُّ بنا الناس ـ

" كوك كوك" فيظنُّون

ذلك صياحَ الدِيَكة.

 

الصناديقُ التي في فنائنا،

كنا نُبَطِّنُها بالوَرَق،

ونعيشُ بداخلها معًا،

ونقيمُ بَيتًا كالبيوتِ الراقية.

 

قطةُ الجيرانِ العجوز

كانت تأتي للزيارة؛

فننحني لها مُحَيِّين

ونجاملُها كفايةً.

 

نسألها عن حالِها

بفرَحٍ واهتمام؛

منْذُ ذلك الوقت قُلْنَا الشيءَ نفسَه

للكثيرِ من القططِ العجائز.

 

كنا نجلس غالبًا ونتحدثُ

بحكمةٍ، كالعجائز،

ونشكو، كم كانت الأشياءُ

أفضلَ في زماننا.

 

كم تلاشى الحبُ

والوفاءُ والإيمانُ من العالم،

وكم غاليةٌ هي القهوة،

وكم نادرةٌ هي النقود! ...

 

اختفَتْ ألعابُ الأطفال،

وولَّى كلُّ شيءٍ عابرًا ـ

النقودُ والعالمُ والأزمنةُ،

والإيمانُ والحبُ والوفاء.

 

 


XXXIX

 

قلبي مُنْقَبِضٌ، وأفكِّرُ

مَشُوقًا في الزمنِ القديم؛

كان الزمنُ حينذاكَ لا يزالُ مريحًا،

وفي هدوءٍ كان الناسُ يعيشون.

 

أما الآن فقد تغيَّر كلُّ شيء،

هناك زحامٌ وفاقَة!

قَضَى الربُّ في الأعالي،

ومات الشيطانُ بأسفل.

 

كلُّ شيءٍ يبدو عَكِرَ المزاج متذمِّرًا،

متبلْبِلاً ومتداعيًا وباردًا،

ولو لم يكنْ هذا الحبُّ القليل،

لما كان هناك ملاذٌ في أيِّ مكان.

 

 


XL

 

مثلما يتدافعُ القمرُ مضيئًا

خلال غلالةِ السُحبِ المُظْلمة،

كذلك تطفو نحوي من الأزمنةِ المظلمةِ

صورةٌ مُشْرِقَة.

 

كان الجميعُ يجلسون على ظَهْرِ المَرْكب،

ينحَدِرُ الراينُ في اعتزاز،

والضفَّةُ الصيفيَّةُ الخضراء

تتوهَّجُ في ضوءِ شمسِ المساء.

 

مُتَفكِّرًا كنت أجلسُ عند قدميّ

سيِّدةٍ، جميلةٍ ولطيفة؛

في وجهها الحبيبِ الشاحبِ

يلعبُ ذَهَبُ الشمسِ الأحمر.

 

صدحت الأنغام، غنَّى الأولاد،

مَرحٌ عجيب في كلِّ مكان!

وقد أصبحتْ السماءُ أشدَّ زرقةً،

والأرواحُ أكثرَ رَحابة.

 

وكما في الأساطيرِ عبرتْ سريعًا

الجبالُ والقلاع، الغابةُ والمروج؛ ـ

وكلُّ شيءٍ كنتُ أراه متألِّقًا

في عَيْنِ تلك السيِّدةِ الجميلة.

 

 

XLII

 

" أيها الصديق العزيز! ما جدوى،

أن تظلَّ تسْرُدُ الأغنيةَ القديمةَ؟

أتريدُ أن تجلسَ مُتَمَعِّنًا للأبَدِ

فوق بَيْضِ الحُبِّ القديم؟

 

آهٍ! إن هذا بمثابةِ سورٍ أبديّ،

من داخل القشورِ يزحفُ الكتكوتُ،

ويصَوْصِو ويطير،

وأنتَ تريد أن تَحْصُرَه في كتاب. "

 

 

 

XLIII

 

لا تتذمَّروا ويَنْفَد صَبْرُكم،

إذا ما تردَّدْت أصداءُ

آلاميَ القديمةِ بصوتٍ مسموع

في الأناشيدِ الجديدة.

 

انتظروا فَحَسْب، وسوف يتبدَّدُ

ذاك الصدى المريرُ لآلامي،

ويترعرعُ ربيعٌ جديدٌ من الأغاني

داخلِ القلبِ العليلِ وقد شُفِي.

 

 


 

XLVI

 

قلبي، يا قلبي، لا تنقَبِضْ،

وتحَمَّلْ قدَرَك.

الربيعُ الجديدُ سيعيدُ،

ما أخذَه الشتاءُ منك.

 

ومهما كان عَدَدُ من أحببتَ،

ومهما كان فالعالمُ لا يزال جميلاً!

ينبغي أن تحبَّ كلَّ ما يُعْجِبُك فيه،

كلَّ ما يعجبُكَ، يا قلبي!

 

 


 

XLIX

 

عندما أرقدُ على السرير،

ملتفًّا بالليل والوسائد،

يطوفُ بذهني طيفٌ،

عَذْبٌ لطيف.

 

عندما يكاد النعاسُ الهادئُ

يُغْلِق عينيّ،

يتسلَّلُ ذاك الطيفُ بهدوء

داخلَ حُلمي.

 

بَيْدَ أنه مع حُلْمِ الصباح

لا يتبدَّدُ أبدًا؛

ومن ثَمَّ أحملُه معي في قلبي

طوالَ النهار.

 

 


LI

 

لو تراكمَ الثلجُ في الخارج،

لو هطلَ البَرَدُ، لو عصَفَتْ الرياحُ،

طارقةً في صَخَبٍ على نافذتي،

لا أريدُ أن أشكوَ أبدًا،

لأنني أحملُ في صدري

صورةً حبيبةً وبهجةَ الربيع.

 

 

 


LII

 

الآخرون يُصَلُّون للعذراء،

الآخرون يُصَلُّون لبُولسَ وبُطْرس؛

إلا أنني أريد أن أصلِّي لكِ،

لكِ فحَسْب أيتها الشمسُ الجميلة.

 

امنحيني قُبَلاً، امنحيني بهجةً،

كوني طيبةً معي، كوني رءوفةً بي،

أيتها الشمسُ الأجملُ بين الفتيات،

أيتها الفتاةُ الأجملُ بين الشموس!

 

 


 

LIV

 

أيها الصديقُ العزيز، أنت عاشقٌ،

تعذِّبُكَ آلامٌ جديدة؛

يزدادُ ما برأسِك ظلمةً،

ويزداد قلبُك إشراقًا.

 

أيها الصديقُ العزيز، أنتَ عاشق،

ولا تريدُ أن تعترفَ بهذا،

وانا أرى عَبْرَ صُدَيْرِيَّكَ

نيرانَ قلبِك تَشْتَعل.

 


 

LV

 

كنت أودُّ أن أكونَ معكِ

وأستريحَ بجانبِك؛

كان عليكِ أن تُسْرِعي بعيدًا عني

فلدَيْكِ الكثيرُ لتعْمَليه.

 

قلتُ، إن روحي

استسلمَتْ لكِ تمامًا؛

فضحكتِ ملءَ فمِكِ،

وانحنَيْتِ مُحَيِّيَةً.

 

زدْتِ من متاعبي

في الحبِّ كثيرًا،

بل حتى أبَيْتِ في النهاية

أن تُقَبِّليني قبلةَ الوداع.

 

لا تظنِّي، أنني سأنتحرُ رَمْيًا بالرصاص،

مهما ساءَتْ الأمور!

كلُّ هذا، يا حُلْوَتي،

حدثَ لي من قَبْل.

 

 

 

LXI

 

أريدُ أن أصبَّ آلاميَ

كلَّها في كلمةٍ وحيدة،

قد أُعطيها للرياحِ البهيجة،

فتحملُها بعيدًا.

 

تحملُ إليكِ، يا مَحْبُوبتي،

الكلمةَ المفعمةَ بالألم؛

تَسْمعينها كلَّ ساعة،

تَسْمعينها في كلِّ مكان.

 

وما تكادين تُغْمِضين عينَيْكِ

من أثَرِ النُعَاس الليليّ،

حتى تتبعَكِ كلمتي

داخلَ الحُلمِ العميق.

 

 

 

LXIII

 

مَنْ يحبُّ لأوَّل مرَّة،

ولو لم يحالفُه التَوْفيق، فهو إله؛

أما مَنْ يحبُّ لثاني مرَّةٍ

دونما تَوْفيق، فليس سوى أَحْمق.

 

أنا، ذلك الأَحْمقُ، أحبُّ

مُجدَّدًا دونما قَبُول!

الشمسُ والقمرُ ُوالنجوم يضحكون،

وأنا أضحكُ معهم ـ وأموت.

 

 


LXIV

 

قدَّموا لي النُصْحَ والتدريبَ الجيِّد،

انهالوا علي بالتَبْجيل،

قالوا، إنني ينبغي فَحَسْب أن أنتظر،

إذا كنتُ أرغبُ في رعايتَهم.

 

لكنني مع كاملِ رعايتِهم،

كان يُمْكِنُ أن أموتَ من الجوع،

لو لم يأتِ رجلٌ شجاعٌ وصالح،

ويعْتَني بشئوني.

 

رجلٌ شجاع! يوفِّرُ لي الطعام!

لا أريدُ أن أنساه أبدًا!

خسارةٌ، أنني لا يمكِنُ أن أقبِّلَه!

لأنني أنا نَفْسي ذلك الرجلُ الشجاع.

 

 


 

LXVI

 

حلَمْتُ أنني الربُّ العزيز،

أجلسُ هناك في الأعالي،

ومن حولي يجلس الملائكةُ،

يمتَدحون أشعاري.

 

آكلُ الكعكَ والحلوى

بعملاتٍ ذهبيَّةٍ كثيرة،

وأشربُ النبيذَ الأبيض،

وما من ديونٍ عليّ.

 

بيد أنني أسأمُ وأملُّ كثيرًا،

وأتمنَّى لو كنتُ على الأرض،

ولستُ الربَّ العزيز،

لو أصبحُ حتَّى الشيطان.

 

" أيها الملاك الطويل جبريل،

اذهبْ، وأسرِعْ الخُطَى،

ينبغي أن تُحْضِرَ لي

صديقيَ المُخْلِصَ أويجن هنا بأعلى.

 

لا تبحثْ عنه بين هيئةِ الأساتذة،

ابحثْ عنه في حاناتِ النبيذ؛

لا تبحثْ عنه في كنيسة هيدﭭﻴﺞ،

ابحثْ عنه عند الآنسةِ ماير. "

 

عندئذٍ نشرَ الملاكُ جناحَيْه

وحلَّق هابطًا،

وحملَه وأتى به إلىّ

أويجنُ الصديق، والولدُ الشقيّ.

 

نعم يا وَلَد، أنا هو الربُّ العزيز،

وأحكمُ الأرض!

قلتُ لكَ دائمًا،

إنني سأصيرُ ما هو حَقّ.

 

وأصنعُ كلَّ يومٍ معجزاتٍ،

سوف تُبْهِرُك،

واليومَ على سبيل الدُعَابة

أريدُ أن أُسْعِدَ مدينة برلين.

 

سوف تنشَقُّ الآنَ حجارةُ الرصيف

فوق الشارع،

وسوف يحتوي كلُّ حجرٍ منها،

على محارةٍ طازَجةٍ ونقيَّة.

 

سوف يرويهم المطرُ

بعصيرِ الليمونِ المُنَدَّى،

وفي بالوعاتِ الشوارع

سوف تسيلُ أفضلُ أَنْبِذَةِ الراين.

 

كم سيفرحُ سكَّانُ برلين،

ويُقْبلُون على الطعام؛

وقضاةُ المحكمة،

يسكرون من البالوعات.

 

كم سيفرحُ الشعراء

بهذا الطعامِ الإلهي!

والضبَّاطُ والمخبرون،

يلعقون أرضَ الشارع.

 

الضباطُ والمخبرون،

هم أذكى الناس!

لأنهم يدركون أن معجزةً كهذه

لا تحدثُ كلَّ يوم. "

 


LXXI

 

كالأحلامِ المُظْلمةِ تقفُ

المنازلُ في صفٍّ طويل؛

متدثِّرًا بالمِعْطَفِ،

أخطو مارًّا في صَمْت.

 

أعلنَ برجُ الكنيسةِ

الثانيةَ عشرة؛

وبمَفَاتنِها وقبلاتِها

تنتظرُني الآنَ حبيبتي.

 

القمرُ رفيقي،

ينيرُ برِفْق أمامي؛

عندما أكون بجوارِ منزلكِ،

وأنادي في فَرَحٍ إلى أعلى:

 

" أشكركَ أيها الرفيقُ القديم،

أن أَنَرْتَ طريقي؛

الآنَ أريدُ أن أتركَكَ،

لكي تنيرَ بقيَّةَ العالم!

 

فإذا وجدتَ عاشقًا،

يشكو وحيدًا ألَمَه،

فلتُواسِه، مثلما كنتَ تواسيني

في الزمنِ القديم. "

 

 

LXXIII

 

فوق كتفَيْكِ البيضاوين كالثلج،

أسندتُ رأسي،

ويمكنني أن أسترقَ السَمْعَ خِلْسَةً،

إلى ما يتوق إليه قلبُك.

 

ينفخُ الفرسانُ الزُرْقُ في أبواقِهم،

ويندفعون من البوابةِ داخلين،

وغدًا سوف أهجرُ،

أحَبَّ الأشياءِ إلى قلبي.

 

" إذا كنتَ تريدُ أن تهجُرَني غدًا،

فأنت اليومَ لاتزالُ ملكًا لي،

وبين ذراعَيْكَ الجميلتَيْن

أودُّ أن تتضاعفَ سعادتي. "

 

 


 

LXXIV

 

ينفخُ الفرسانُ الزُرْقُ في أبواقِهم،

ويندفعون من البوابةِ خارجين،

ثم أجيءُ أنا، يا حبيبتي، وأُحْضِرُ

لك باقةً من الزهور.

 

لقد كانت فوضى عارِمَة!

رجال الحرب ونَكْبَةُ البلاد!

مع هذا ففي قلبِكِ الصغير

كان ثَمَّة مأوَى للكثيرين.

 


 

LXXV

 

عانيتُ، في سِنِيِّ شبابي،

الكثيرَ من الآلامِ المريرة

بفعل جوى الحبِّ ونارِه.

بَيْدَ أن الخشبَ غالي الثَمَن،

وأودُّ أن أُخْمِدَ تلك النيران،

وذاك أمرٌ طيِّب.

 

تفَكَّرْ في ذلك، أيها الجمالُ الشاب،

وأَبعِدْ الدموعَ الغبيَّة،

وأذَى الحبِّ الغبيّ.

ماتزال الحياةُ لدَيْك،

فلتَنْسَ ذلك الحبَّ القديمَ

بين ذراعيّ.

 


LXXVI

 

أحقًّا أنت عدوٌّ لي،

أحقًّا تغيَّرتَ تمامًا؟

أودّ أن أشكوَ للعالمِ كلِّه،

سوءَ معاملتِك لي.

 

آهٍ أيتها الشفاهُ الجاحِدَة،

قولي، كيف أَمْكَنَ أن تتحدَّثي بسوء

عن الشخصِ، الذي كان يقبِّلُكِ بحُبٍّ،

في تلك الأيامِ الجميلة؟

 

 


LXXIX

 

غير أن الخصيانَ كانوا يَشْكُون،

عندما كنتُ أرفعُ صوتي؛

يَشْكُون ويقولون:

إنني أُغَنِّي بصوتٍ خَشِن.

 

وبلُطْفٍ رفعوا جميعًا

أصواتَهم الرقيقة،

فجَلْجَلَتْ رِعْشَتُها، مثل الكريستال،

في رِقَّةٍ وصفاء.

 

غنَّوا عن أشواقِ الحُبّ،

عن الحُبّ، وفَيْضِ الحُبّ؛

السيِّداتُ كن يَسْبَحن في الدموع

لدى مُتْعَةٍ فنيَّةٍ كهذه.

 

 


LXXX

 

فوقَ سُدود سالامنكا

النسائمُ رقيقةٌ ومُنْعِشة؛

هناك، مع دونَّا الجميلة ،

أسيرُ في مساءِ الصيف.

 

حول جسدِها الجميلِ الممشوق

لفَفْتُ ذراعي،

وبأُصْبُعي السعيدِ أُحِسُّ

بجَيَشانِ صدرِها الأشَمّ.

 

بَيْدَ أن همسةً قلقةً

تَسْري عبر أشجارِ الزيزفون،

وجدولُ الطاحونةِ المُعْتِمِ في الأسفل

يدَمْدمُ بأحلامٍ شرِّيرةٍ ومُفْزِعة.

 

" آهٍ، يا زنورا، يحدِّثني إحساسي:

أنني سأُطرَدُ من عملي ذاتَ مرَّة،

وفوقَ سدودِ سالامنكا

لن نتمشَّى أبدًا مرة أخرى. "

 

 


LXXXI

 

بجواري يسْكُن دون هنرﻴﻜﭭيتس،

الذي يدعونَه أيضًا الجميل؛

حُجْرَتانا متجاورتان،

يفصِلهما جدارٌ رقيقٌ فحَسْب.

 

سيِّداتُ سالامنكا يتألَّقُ جمالُهن،

عندما يجوبُ في الشوارع،

مُصَلْصِلاً بمهاميزِه، مُجَعِّدًا لحْيَتَه،

تَصْحَبُه الكلابُ دائمًا.

 

لكنه في ساعةِ المساءِ الساكنة

يجلسُ في بَيْتِه وحيدًا تمامًا،

في يدِه الجيتار،

وفي روحِه أحلامٌ عَذْبة.

 

يقبِضُ مُرْتعِشًا على الأوتار

ويسْرَحُ خيالُه ـ

آهٍ، مثلَ خُمَارِ الشرابِ يعذِّبُني

شخيرُه وغناؤُه.

 


 

LXXXII

 

ما إن رأَيْنا بعضَنا، حتى شعرتُ

بالإثارةِ من عينيكِ وصوتِك؛

لم تكن أمُّكِ، التى أحسَبُها شِرِّيرة،

واقفةً في تلك الأثناء، فتبادلنا القُبلاتِ في الحال.

 

وغدًا أتركُ المدينةَ مُجَدَّدًا،

وأنصرفُ مُسْرِعًا في الطريق القديمة؛

عندئذٍ ترْبِضُ في النافذةِ فتاتيَ الشَقْراء،

وأبعثُ بالتحايا إلى أعلى.

  


LXXXIII

 

فوق الجبالِ تصْعَدُ الشمس،

ترنُّ أجراسُ قطيعِ الحِمْلانِ من بعيد؛

يا حبيبتي، ياحَمَلي، يا شَمْسي ولذَّتي،

لو أنني أراكِ مرَّةً أخرى في سعادةٍ وسرور!

 

أنظرُ إلى أعلى، بملامحَ متطلِّعَة ـ

سلامًا، يا طفلتي، أنا راحلٌ من هنا!

لا فائدة! ما من ستارةٍ تتحرَّك؛

ألا تزال ترقدُ نائمةً ـ وتحلمُ بي؟

 

 


LXXXV

 

مُدْغِشًا يهبطُ مساءُ الصيف

فوق الغابةِ والمروجِ الخضراء؛

هناك قمرٌ ذهبيٌّ، في السماءِ الزرقاء،

يسطَعُ مُنْعِشًا ورقيقًا.

 

في الجدول يُصِرُّ الجُدْجُد،

ويتحركُ في الماء،

والسائرون يسمعون الخريرَ

والتنَفُّسَ معًا في السكون.

 

وهنالك في الجدولِ وحيدةً،

تستحِمُّ حوريَّةُ الماءِ الجميلة؛

ذراعٌ وعنق، أبيضانِ ولطيفان،

يتألَّقان في ضوءِ القمر.

 

 


LXXXVI

 

يهبط الليلُ فوق الطُرقاتِ الغريبة،

على قلبٍ مريضٍ وأعضاءٍ مُرْهَقَة؛ ـ

ثم يفيضُ، مثلَ نعمةٍ ساكنة،

أيها القمرُ العذبُ، ضياؤك.

 

أيها القمُر العذبُ، بأشعَّتِكَ

تطاردُ الفَزَع الليليّ؛

فتذوبُ آلامي،

وتنْدَى منِّي العيون.

 

 


LXXXVII

 

الموتُ، هو الليلُ البارد،

الحياةُ هي النهارُ الحارّ.

تظلمُ الدنيا، فأشعرُ بالنُعَاس،

لقد أصابني النهارُ بالتَعَب.

 

فوق فراشي ترتفعُ شجرةٌ،

داخلها يُغنِّي العندليبُ الصغير؛

يغنِّي عن حبٍ صارخٍ،

أسمعُه حتى في الحُلْم.

 

 


LXXXVIII

 

" قُلْ، أين محبوبتُكَ الجميلة،

التي تغنَّيْتَ بها في عذوبةٍ ذاتَ يوم،

عندما اخترقَ اللهَبُ

بقوَّةِ السحْرِ العجيبةِ قلبَك؟ "

 

لقد خمُدَ ذلك اللهبُ الآن،

وقلبي باردٌ وموحش،

وهذا الكتابُ الصغير هو الوعاءُ

الذي به رمادُ محبَّتي.

 


قد يعجبك ايضا

تعليقات