القائمة الرئيسية

الصفحات

دمي ملوث بمحبتكم / مختارات من ديوان " بعين واحدة وبصيرتين / " فارس خضر

 

 دمي ملوث بمحبتكم 

مختارات من ديوان " بعين واحدة وبصيرتين "

فارس خضر

 


 

دليــلٌ كسيحٌ

(لا يعرف من صحرائه سوى الهاوية)

 

لا أجِدُ ما يدُلُّ عليَّ

سِـوَى أَلَـمِي.

 

يا رأسَ الحكمةِ .. والحماقةِ

لم تقرأْ سُــورتي

ولا مسَّكَ حريقي .. أبَــدًا

لكنَّكَ تعرفُ الطريق.

 

يدي معصورةٌ في يدِكَ العارفة

وخُطواتي أجهَلُ من ذبيحةٍ

تسيرُ باتجاهِ الْمَسْــلَخ.

 

أمشي عكسَ رِيحِكَ

مفتونًا بغِنَاءٍ قديمٍ.

ولا أَتْبَــعُ المشانقَ

فوقَ أسْـوَارِكَ 

كيلا أتعذَّبَ

من جديد.

 

هكذا

تركتَـني في نصفِ دائرةٍ

وقُلتَ:

 كلُّ الطُّـرُقِ تؤدِّي إلى الهاوية.

 

لو أشرتَ إلى حافةِ جبلٍ لَمَشَيْتُ

أنا الأعمى

أخذتُ حِصَّتي من الظلامِ

وعكازُك الذي أكلَهُ السُّوسُ

صَلَبَني في الريح.

 

لو ...

لو أوْرَثْـتَـني القَسْـوَةَ

ما عَـبَرْتُ هذهِ الغابةَ حافيًا

ولكنتُ خلعتُ الأشواكَ من حَـلْقِي

وحرَّرْتُ صَـرْخَـتي.

 

ولأقمتُ جِوَارَ نَبْـتَـتي البَرِّية،

أرقُبُ حُـزني

وهو يشربُ مَطَـري

وينامُ تحتَ سَـحَابتي.

 

كنتُ

سأرضَى أنْ أكونَ

دمعةً

لم يَـذْرِفْهَا محارب

على "دبشك" البُندقية.

 

جُـمَّـيْزةً

خلعَتْ قدمَيْـهَا

عندَ خَاصِـرَتي

وقاسَـمَتِ البيوتَ حُزْنَـهَا.

 

خَبَّازَ الأساطيرِ

أُطْعِمُكُمْ..

والْـحَصَى يُطقطِقُ على النارِ

لِيَنْـعَسَ طِـفْـلِيَ الجائِـع.

 

حارسَ الدركِ

أُوَزِّعُ النومَ على الْـجُـفُونِ

والرعبُ يَرْوِي شجرتَهُ الباسقة.

 

بكاءَ النايِ

وهُـوَ يُـمَـزِّعُ الدُّخَانَ

بعدَ أنْ فَـرَغَتِ الْـحُروبُ مِنْ مَعْـزُوفَتِـها

وشَـبِعَتِ الأرضُ مِنَ الدِّماء.

 

فقط

لوْ.. أوْرَثْـتَـني القَسْــوَة..

 

تركتُ كَفِّي

مُعَـلَّقَةً على أعْمِدَةِ الضَّريحِ

والشفاعةَ مُندلِقَةً

على أرجُلِ الطائِفِين.

 

هذهِ.. خَطِيـئَـتي..

الجريمةُ التي لا أعرفُ كُنْهَهَا..

فأَهْـرُبُ مِنْ ظِــلِّي

ولا أجْـنِي مِنْ أنفاسي المتلاحقةِ

 سوى العِقَاب.

 

بأصابعَ تتَـلَمَّسُ الحياةَ

 وهيَ تَـجْـرِي إلى جُحُـورِهَا..

 

بِفَـمٍ

كَدَبَّابةٍ

تُـوَزِّعُ قَـذَائِفَـهَا بِعَــدَالَةٍ.

 

بِعَــدُوٍّ

في الْـمَـرْمَي

 يَتَحَسَّـــرُ على الذَّخِــيرةِ الْـمُهْـدَرَةِ.

 

بِـخُطْـوةٍ

 لا تَعْــبُرُ الطَّـرِيقَ

إلا إلى هَاويةٍ..

 

بِـدَمِي الْـمَحْـرُوقِ

ورائحةِ أَطْـرَافي على الْـجَـمْرِ،

 

آكُلُ جَسَدِي..

وأموتُ جائعًا. 

 

 

 

مسـتودع الآثــام

 

كَبُرتُ

وكَبُرتْ

لَعْنَـتي مَعِي.

 

أيَّتُـهَا الحمقاءُ

لا تَتْبَـعِيـني

إلى الْـمِقْصَـلة.

 

كيف وجدتُـهَا هكذا ؟

الفِخَاخُ التي تَـجَـاوَزْتُـهَـا

في الطريقِ

جالسةٌ قُبَـالَتِي

في هُـدُوء.

 

لا أتَـذَكَّـرُ من القَسْـوَةِ

غيرَ وَجْهِكِ

فقط

بَقِيَت النَّظَـرَاتُ،

مَسَـامِـيرَ

من الضَّـوْءِ،

تنقُرُ عَيْـنِيَ الْـمُطْفَـأة.

 

أرُدُّ لَكْــزَةً

لِصَـدْرِ صَـبِيٍّ بَغِيضٍ

صفعةً

لِـمُـدَرِّسِ الْـحِسَــابِ

ثُـمَّ أَنْـزِعُ أَقْــرَاطَ الْبَشَـاعَةِ

مِنْ أُذُنَيَّ

كلمةً .. كلمةً.

 

كلماتُكِ

هذهِ الأحجارُ الراسخةُ

في قاعِ البحيرةِ

تَـمْنَـعُ جُثَّــتِي

مِنَ الطَّفْــو.

 

الجحيم:

عينان رخاميتان

لامرأةٍ

لا تغفرُ..

هكذا

تَمَنى الشاعرُ

لو كان

قاتلا.

 

كَقَـدَمِ العاهِرَةِ

في يَدِ الْـمَسِـيحِ،

خُطوتي

تُـهَـرْوِلُ إلى حَتْـفِهَا

كُلَّ صباح.

 

أنتَ

شحاذُ الليلِ

صديقُ العَتَمَةِ

ونَدِيـمُ العَـمَى

قُبَّعَتُــكَ على الرصيفِ

قطـةٌ تَـمُـوءُ

لتصطادَ الرحمةَ

مِنَ العابرين.

 

العُيونُ

في ثلاجةِ الْـمَـوْتَى

-       نعم

لي أصدقاءٌ

يَشْـقَى بِـهِمْ

جَلِيسُـهُمْ.

 

ما جَدْوَى الكِتْمَـانِ؟

قال الشبقُ:

صوتُ عُوَائي في الليلِ

يَشْـطُـرُ الصمتَ

نصفيْن.

 

استيقظَتْ لِلتَّـوِّ

براكينُ

كانتْ في الأصْـلِ

حُفَـرًا مَطْمُـورةً

في ذَاكِـرَتي.

 

تَصِيحُ الضَّغِينةُ:

سِـهَامِي خرجَتْ من القَـوْسِ

ولم تَصِلْ

بَعْــدُ

لِظَهْـرِ الفَرِيسة.

 

 

 

يا صـاحبــة القداســـة

 

(1)

ضُمَّنِي إلى صَدْرِكَ

يا الله.

كما تَـحْضِـنُ هذهِ الأُمُّ

صُورةَ الشهيد.

 

في بروازِهِ الفقيرِ،

نظرةُ

مَنْ عايَنَ موتَهُ

قبلَ أنْ تُولَدَ الحياة.

 

 

يُقَبِّـلُونَ

يَدَيْـكِ النَّبِيَّتَـيْنِ،

ويُدْفِئُونَ صَوْتَكِ

 بِـحَنَـانٍ فائض.

كُلَّمَا غَرَفُوا الألَـمَ

بِأَكُفِّهِمْ

تَـهَدَّجَ قلبُكِ،

وازدادتْ

بِـرْكَةُ الدِّماءِ

تَوَحُّشًا.

 

ولا تبكين،

يا صاحبةَ القداسةِ،

لا تبكين.

كانَ الْـمَطَـرُ مُـحْتَجَـزًا

في الأنفاسِ

ومخنوقًا في صوتِ "شادية".

 

قالَ الْـخَـدُّ الغَافي 

قالت العينانِ الْـمُثَبَّـتَـتَانِ في الفَراغِ

قال الوجهُ المدفونُ

في البرواز:

ليت صَدرَكِ

كان مقبرتي.

 

(2)

هذهِ لَيْسَتِ ابتسامةً

إنَّـهَا قُبْـلَةٌ حَفَـرَتْ طريقَها

على وَجْهَـيْنِ:

عَجُوزٍ مُعَطَّـرٍ بِغُبارِهِ

وشهيد.

 

كيف حَرَّرْتَ رُوحَكَ

مِنْ هذه الأحجار..؟

كيف كسَـرْتَ هذهِ البَـلاطَاتِ

وَحْـدَكَ..

لِتَنَـامَ هكذا

سَـانِدًا خَـدَّكَ على حَـرْفِ الرصيفِ

كحَجَـرٍ قَـدِيـم.

 

كنتُ سَـأَضَـعُ كَفِّي تحتَ رَأْسِـكَ

لكنَّ أحلامَكَ

التي استيقظَتْ فجأةً

رقصَتْ بِنَشْـوَة.

 

مَلامِـحُـكَ

بيتٌ وَجَـدَ رقصتَهُ

مَلامِـحُـكَ

راضيةٌ مَرْضِيَّة.

 

جلبابُـكَ

الذي قبَّلَتْ أطرافَهُ

الغِيطانُ

كان أخضَرَ.

الأخضرُ

يَفْزَعُ مِنْ لونِ الدَّمِ.

في حديقةِ الْـمَيْـدان،

حَاوَلَ النَّجِيـلُ

أن يُكَفِّنَـكَ بِـلَـوْنٍ تُـحِبُّـهُ

دُونَ جَـدْوَى.

 

(3)

عِنْـدَمَا

تَغْـرِسِـينَ خِنْجَـرَكِ في قلْبي

لا تَذْكُري اسْـمِي في كتُبِ التواريخِ

ولا تَضَعِي على قَـبْرِيَ شاهدًا.

اتْـرُكِيـني لِلنِّسيانِ يمضُغُ ذِكْـرَايَ

لِلرِّيـحِ تُطَـيِّرُ وردةً

يضعُها الجنرالاتُ

كُلَّ سَـنَةٍ

أمامَ النُّصُبِ التَّذْكارِيّ.

 

(4)

هذهِ المقطوعاتُ الموسيقيةُ

كانتْ في الأصْـلِ

فَـوَارِغَ طَـلْقَاتٍ..

 

الأشجارُ التي كبرت في غيبةِ الساسةِ

كانت عِصِيًّا كهربائية..

العطورُ النسائيةُ التي تتمشَّي

في الشوارعِ

مَـحْـلُولةَ الشَّـعْرِ وعاريةَ الأكتافِ

كانتْ قنابِلَ مُسِـيلَةً لِلدُّمُوع.

الورودُ خُوذَاتُ عَسَاكِـرَ

وكُؤُوسُ الشرباتِ دَمٌ

 

هذهِ الْـجَنَّـةُ

كانتْ مُـجَـنْـزَرَاتٍ ودَبَّابَاتٍ

وجِبَاهًا مُقَطِّبةً

 لِـوَطَـنٍ قديم..

 

(5)

ولَـمَّـا دَهَسَـتْهُ أحلامُهُ

في الطَّـريقِ

تَيَمَّمَ بِالْـهُتَـافِ

وانْفَـرَطَ في حُزنِـهِ

 

كَـرَمْلٍ

نامَ الرصيفُ على صدرِهِ

مُنْهَـكًا

وبَكَى.

 

(6)

سأجْـمَعُ أشلائي بِنَفْسِي،

لا تَلْمِسُـوا دَمى

بِأَصَابِعِـكُمُ الطَّـاهِـرَةِ،

 

دَمِي

مُلَـوَّثٌ

 بِـمَحَبَّتِـكُمْ.

 

 

 

الـــرائي ..

 

"لا أريد

أن أُطْـفِئَ  شمعتَك

فقط

كيلا أتركك وحدك

في الظلام"

 

لم يَلتفِتُوا إلى وُجُودِي

رأيتُهُمْ يَـجْهَشُـونَ بالبكاءِ؛

يُغَطُّـونَهُ بِصُحُفٍ مُتَجَهِّمَـةٍ

ثم يُعَلِّقُـونَهُ على أعمدةِ الإنارةِ.

 

رَقَّ صوتُـهُمْ فجأةً

رأسُ عاشقةٍ

 مالَ بِضْعَةَ سنتيمتراتٍ

على كتفٍ

مُثَبَّتٍة على الْـمـقصلة.

 

مَشَـوْا خِفَافًا

لم تَتَـأَوَّهِ الأرصفةُ

مِنْ وَقْـعِ نِعَـالِـهِمْ.

رَقَصُوا في الحدائقِ والباصاتِ.

مَصْمَصُوا أطرافَ أصابِعِهِمْ

بعدَ أن دَفَنُـوا

جُوعَهُمُ القديمَ

جِوَارَ البوفيهِ المفتوح.

لا يُهِمُّ لو كانَتِ السكاكينُ والملاعقُ

امتعضتْ لِلَحْظةٍ

ولَـوَتْ نِصَالَـهَا لِلْخَـلْف.

 

حَلَمُوا بأطفالٍ يَـحْضِنُونَـهُمْ في الليلِ.

ومزهريَّةٍ بوردتَـيْنِ تَسَـعُ البهجةَ كُلَّها.

 

أصغَيْتُ لِصَمْتِهِمُ العميقِ

وهُمْ يُـثَرْثِـرُونَ كببغاوات.

وحَزِنْتُ لِلتُّرابِ الْـمُـتَـرَاكِمِ على أَحْذِيَتِـهِمْ

لِلثُّـقُوبِ الْـمُـوجِعَـةِ

كوَخزاتٍ

على ملابسِهِمُ الداخلية.

للشبقِ

الْـمُـنْـكَمِشِ

تحتَ التَّعَفُّفِ..

 

لِلضّحكةِ المجلجلةِ

المختصَرةِ في ابتسامةٍ صفراءَ..

 

أحبَبْتُهُمْ

وكنتُ طَيِّـبًا

لدرجةِ أنَّ أحدًا منهم

لن يَذْكُرَني

مطلقا.

 

 

قد يعجبك ايضا

تعليقات