إذا خسرَ الشعراء لن يربح العالم
(مختارات من الشعر الفلسطيني المعاصر)
إعداد : عبد الوهاب الشيخ
ملامح عامة
مر الشعر الفلسطيني بعدة تحولات قبل النكبة وبعدها حيث كان ولا يزال سلاحا فاعلا في المواجهة مع العدو الصهيوني إلا أنه وبعد الخروج من بيروت والانتفاضة الأولى والثانية وأسلو وقيام السلطة الفلسطينية وتحول الوطن الحلم إلى واقع يومي أخذت القصيدة خاصة في شعر الأجيال الأحدث تصطبغ بملامح إنسانية أكثر منها وسمات وطنية وقومية كتلك التي تشكلت عبر مفاهيم النزوح والتهجير والمنفى في شعر محمود درويش وسميح القاسم وبدر توفيق وبقية جيل الستينات الذين كان لهم الإسهام الأكبر في انطلاق الشعر الفلسطيني إلى محيطه العربي .
هكذا بداية من حقبة التسعينات صعد الصوت الفردي وخفت الإيقاع وتقدم المتواري والمهمل واليومي في لغته البسيطة التي تنحو نحو بلاغة المشهد والصورة وتعتمد السرد كأداة شعرية في مقابل الاستعارة والمجاز للتعبير عن هموم الإنسان العادي في أحواله المختلفة والذي حل محل صورة البطل المخلص الغالبة على نصوص شعراء النكبة وشعراء المقاومة لتتلاقى أشعار الأجيال اللاحقة مع مثيلاتها في بلدان العالم المختلفة وتنفتح على تجارب حياتية وثقافية متعددة ولتتقدم قصيدة النثر بما تقدمه من اقتراحات جمالية مغايرة أكثر تحررا من قيود البلاغة التقليدية واستيعابًا لإيقاع العصر وهمومه لتحتل المتن الذي كان قبلا لقصيدة التفعيلة وريثة الشكل العمودي وذات الإيقاع الخارجي والصوت الجهوري الذي يخاطب حماسة الجماهير ويزكي انفعالتهم .
لقد صار الشاعر الفلسطيني في الوطن وفي المنفى أكثر إنصاتًا لحديث الكائنات والأشياء ، وتفتحت باصرته على محيطه الإنساني ليرى في الوقائع الصغيرة حدثًا شعريًّا محملًا بالمعاني الخفية والظاهرة ، وفي الطبيعة بتفاصيلها وكائناتها صورة من نفسه ومكنوناتها ، وصار الحبيب في هجره وإقباله باعثًا لمشاعر متباينة تتجلى في نصوص حداثية النزعة ، الرومانسية فيها أقل حدة والجسد أكثر حضورًا ، والوطن بمقياس قدم كما يقول أدهم العقاد الشاعر الفلسطيني الشاب أو هو صفحات ضائعة من كتاب جميل للغاية كما تشير رجاء غانم ، فيما كان الوطن في نصوص درويش ورفاقه هو الأرض والحق معًا والأب والأم والحبيبة ، لا فصل بين الوطن والحبيبة ولا بين العاطفة الشخصية والشعور الجمعي.
النصوص
جهات هذه المدينة
غزة ـ
النهار معجزة يوميّة
العشيّة أن يقاوم الجمال وينتصر
1
لكِ دارٌ صغيرةٌ هُنا. تلتفتين إليها، تعرفين الزمان. فجرٌ يستعيدُكِ من مكائدِ الليل. تستعيدُ أشرعةٌ ألوانَها وراياتٌ. هواءٌ باردٌ يأخذُ جسمَكِ كلَّهُ والموجُ ساكت. طيورٌ بيضاءُ من الأفقِ الذي لا ترينهُ. البحرُ غامقٌ مثلُ السماء.
بريقٌ معتمٌ على الأصدافِ يكملُ أحلامَكِ. لكِ شرفةٌ ملكيَّةٌ، لكن الزمانَ كثيفٌ ولا ترينها. حرَسٌ، مراكبُ محجوبةٌ عن العيونِ، لكنكِ لا تريدين أن تغادري. صخرةٌ تلجأُ الطيورُ إليها تذهبين كُلَّ فجر.
الرملُ باردٌ وطريٌّ ويهتدي إلى شكلِ خطوِكِ. يرسمُهُ في ترنُّحٍ خفيفٍ، ربَّما من كثرةِ التفاتِكِ إلى البحر.
تريدين الآن أن تلقي بجسمكِ إلى الماءِ العاري، أن تكون ثيابُكِ مرميَّةً على الرملِ آنذاك.
تلزمُ غيمةٌ تدنو وتحجبُكِ. قد يراكِ الحرسُ الملكيُّ ويُغضي. النوافذُ التي سهرتْ، النوافذُ التي الآن تصحو، النورُ الأبيضُ قبل الشمسِ من خلف المنازل؛ كُلُّ ما ترينهُ يراكِ.
الصيّادون قبل الغِناء. يجهِّزون شباكَهم في ضبابٍ خفيفٍ كأنهم يحلمون. ينادونكِ إن ابتعدتِ عن عيونِهم، أو عندما تقتربُ الطائرات.
2
بَحّارةٌ في الأصلِ
أُغلقَ البحرُ دونهم والصحراءُ خُتِمتْ عليهم
ليس غيرُ شِباكٍ يرتقونها، مراكبَ لا تبتعد.
مكشوفةٌ تمتماتُهم.
ليست عن الوَحشةِ
قِلَّةِ الأرضِ
أو كثرةِ الحواجزِ
بل عن المواسمِ التي لا ترجعُ في كلامِها.
سماؤهم مسيَّجةٌ بخطوطٍ بيضاءَ في تقاطعٍ
قفصٌ دون الجهات.
لهم خبرةٌ بالموج.
يعرفون عن اللجَّةِ أبعدَ مما يرون.
في خيالِهم شواطئُ يسرفون إليها
قمرٌ يجذبُ الماءَ
يأخذُ قلوبَهم إلى مقاصدِها.
أفكارُهم موصولةٌ بأشرعةٍ
ينعطفُ المَدُّ كُلَّما انعطفتْ إليه.
لا يُطْرِقون، لا يُؤخذُ من يقينِهم
إلّا إذا استبدَّتْ بهم الأغاني.
أغلبُ معانيهم في الغرام ـ
مقامُ الصخرةِ
قالبُ الموجةِ التي تنكسر.
3
يصحو من ذهابِكِ. النعومةُ أكثرُ ما يوقظُ في مدينةٍ كهذهِ، فضاؤها طاسةُ رجَّةٍ مقلوبةٌ عليها. ما إن يبدو لها نهارٌ قويٌّ حتى تغيرُ عليهِ الطائرات. ترتفعُ المنازلُ التي انقصفَتْ أعمارُها. ترتجُّ المنازلُ القريبةُ. المنازلُ البعيدةُ تشرئبُّ وتصغي.
تتسحَّبين في خِفَّةٍ من جوارِهِ. تكون شمالُكِ على صدرِهِ ويمينُهُ عليكِ. تشُقّين ستارةَ البحرِ، مراكبُ خطفٍ في انتظارِكِ. رشاشُ الماءِ في الحمّامِ، غناؤكِ الخفيضُ، صمتُكِ بين المقاطع. سقوطُ الصابونةِ من يديكِ.
بلادٌ يصعبُ الوصولُ إليها تأتي من قهوتِكِ المغليَّة. قد تكون من هُنا عثرةُ فنجانِكِ على صحنِهِ كُلَّ فجر. رشفُكِ في سُرعةٍ، همسُكِ بينما تلبسين. كما لو تطلبين من وصيفاتٍ ألّا تعلو أصواتُهنَّ كي لا يصحو.
عطرُكِ أجنحةٌ خفيفةٌ والجهاتُ لا يأتي منها أحد. ليس إلّا حرّاقاتٌ سوداءُ تنظرُ إلى الشاطئ. سرابٌ يندفعُ من الصحراء. قد يكونُ من هُنا وسواسُ حيرتِكِ بين الخواتِم. تعثُّرُ أصابعِكِ على إبزيمِ الصندل. بحثُكِ الطويلُ عن المفتاحِ، في قِلَّةِ صبرٍ، قبل أن تغادري. كأنَّ حرساً يتململُ.
هواءٌ باردٌ حين تفتحين الباب. تغلقينهُ في جذبتين خفيضتين. تتأكَّدين منهُ كأنكِ لن تعودي.
4
البحر. جهمٌ تتقطَّبُ على وجهِهِ خطوطٌ متعرِّجَةٌ تتلاحقُ في ريثٍ إلى الشاطئ. المراكبُ الصغيرةُ الزرقاءُ تعلو هادئةً براياتِها وتنخفض. رماديَّةٌ هي الآنَ، في الضبابِ الخفيفِ، كأنها تحلم.
عصفورٌ من الشجرةِ الأقربِ إلى الملح. خفيضٌ ويجرحُ الكون. تغريداتٌ طويلةٌ مُلِحَّةٌ. يصمتُ ثم يستأنف. في بسالةِ نبرِهِ، في احتجابِهِ بين الأوراقِ ما تفهمين.
الصيّادون في شِباكِهم، ينظرون إلى السماء. أولادُهم وبناتُهم يتعلمون الفجرَ قبل المدارس. يرفعون عيونَهم إلى الطيورِ تبتعدُ وتدنو، تتجمَّعُ ثُمَّ تفترق. صوتُ طائرةٍ تقترب.
تريدين أن ترفعي إصبعاً بذيئةً إلى الفضاء. تلزمُ غيمةٌ تدنو وتحجبُكِ. النجمُ الذي تأخَّرَ، النورُ على الماءِ مستندًا إلى الضبابِ في خِفَّةٍ من جهةِ المنازلِ، الصيّادون، أولادُهم وبناتُهم إن التفتوا؛ كُلُّ ما ترينهُ يراكِ.
الطيورُ تهوي ثُمَّ ترتفع. أصواتُها ناشفةٌ تزيدُ الفضاءَ جهامةً. الهواءُ مالحٌ يأخذُ جسمَكِ كُلَّهُ ثانيةً والحرسُ الملكيُّ ساكت. بعدَ صحوٍ أكثرَ يختفي، يمرُّ بِهِ الزمان.
(وليد خازندار)
مقهى في رام الله
بشير شلش ليسَ ليَ اسمٌ؛
اسمي ابتلعتهُ أفعىً
رقطاءُ
ذاتَ ليلةِ صيف.
ليسَ لي صوتٌ؛
صوتي تخثّرَ من طُولِ
العُزلةِ
ونُدرةِ الكلمات.
لا أصدقاءَ لديّ؛
أصدقائي أَوْغَلوا في بياضِ
الغيابِ
دونَ معاطفهم وكنزاتهم
الصّوف.
لاحظَّ لي؛
طالعي
ثقيلٌ عَلَيَّ.
لا ذاكرةَ لي؛
فقدتُ ذاكرتي
بضربةِ شمسٍ.
لا وطنَ لي؛
وطني ابتلعه جنرالٌ
عجوزٌ
وأسقطتِ المطابعُ اسمهُ
من الخارطهْ.
اسمي،
صوتي،
أصدقائيَ البعيدونَ،
ذاكرتي، وموتي
في المرايا مغسولاً بالظلِّ
وبأطيافِ صُوَرْ
قد أَستعيدهم جميعاً
لو أُنهي هذي القصيدةَ
وأُغادرُ
هذا المقهى الآن؛
قبلَ أن يتجدّدَ القصفُ.
(بشير شلش)
في هبَّة صوفية
في هبَّة صوفية فجائية وجدتني
واقفًا على الشبر الفاصل بين الجنة والنار، وصراحة لم أجد ما يغري في تأليف "
رسالة الغفران " أو " الكوميديا الإلهية " .. ما شعرت به هو الحاجة
إلى اسمي، فلربّما أوقفتني " شرطة الفكر" عند منعطف إحدى الشطحات! كيف
أفهمهم أنني قادم من لحظة ضيّعتها أو ضيّعتني، وتحديدًا.. لستُ أدري!!
في هبَّة صوفية جلست على
الكرة الأرضية مقلّدًا الدجاجة، وتساءلتُ في نفسي: ما الذي سوف تفقسه بيضتي؟
فأجبتُ في نفسي: لا شك حرب جديدة.. صرختُ: فلأهرب قبل أن أخسر إليتيّ!
في هبّةٍ صوفية جاءت امرأة
بأسمال بيضاء، محلولة الشعر وتغنّي موّالاً أحفظه.. ذهبتُ في غيبوبة السلطنة، ومع
القفلة لم تكن موجودةً.. إلى اللقاء في موّال آخر يا أمّي!
في هبّة صوفيّةٍ " أولاد
حارتنا " يقرعون تنكات الزبالة وفق مارش عسكري.. الوجوه حزينةٌ وعلى الأكتاف
جثة عصفور..
في هبّة صوفيةٍ رأيتني
فسألتني: عجبًا.. لمَ تفرد راحتيكَ؟! فأجبتني: عجبًا.. ألا ترى السماء على وشك
السقوط!؟
(رائد وحش)
أكثر من تفصيل جمالي
-1-
سيكونُ دمٌ كثير
سيتحرك كالمادة المعتمةِ
في كليشيه فارغ
سيرشح من الستائرِ
في البيت النيءِ النائي
كما يحدثُ في
فيلمٍ سينمائيٍ رديء
سيدلف من السقوف كميلاد بغلٍ سَماويّ
كبطنِ قيصر في
يد بروتس
أو كأثر حصان المتنبي المشبوح على
مَهل
بين شُرفة فوكوياما وبغدادْ
أو
كما يبولُ كلبٌ في
حديقةٍ عامة
-2-
موسم صيدٍ زاخرٍ
بالكلابِ السمينةِ
تركض خلفَ
ضروع ذوات الدمِ الحارِّ
في عِلِّيَةِ الكابوسِ الكبير
تركض
أمام النبلاء ولا
تجد صيدًا لِمَساءِ المَلِك
فتأكلُ بَعضَها
يَضْحَكُ النُّبلاءُ
وفي معدة الفريسةِ البيضاءِ
يكبر غرابٌ سعيدْ
-3-
سيكون دمٌ كثير
سيركد على الأرض بانتظار عمال
النظافةِ
وإن لم يأتِ عمال النظافةِ
سيتصرف الدم كصاحب بيت
سيرقد قليلا بانتظار وجبة أخرى
تدفعه باتجاه ما
إلى الأسفل حيث الجارة التي
تشتكي دائمًا من الضجيج ولا تعلم أن
هناك احتمالات أكثر فظاعة
إلى الجوانب حيث
ترقد القطة هانئة بأخبار القنوات
التلفزيونية،
ولا تعلم
أن الصور الملونة هناك هي
كائنات تأكل وتضجر وتموء مثلها تمامًا
وأن اللون الأحمر هو أكثر من تفصيلٍ
جَمَالي
-4-
سيكون دمٌ كثير
وسيتحرك في زوايا كثيرة
وسيلسع كل من يقترب منه
لكنه لن يصعد إلى فوق
لأنه وبالرغم من قوة الأمل
هناك قوة أخرى تدعى المادة المعتمة
الأمل والدم يشتركان بذات الصفة
ويسقطان من مكان ما بسبب ذات الصفة
مع فارق في ردة فعل المكان
وتفاصيل المادة المعتمة
حين تزحف بين الكليشيهات الفارغة
(أشرف الزغل)
نفية الصور تركت مفتوحة في
رأسي.
شمعتي ميتة
شجرة الكآبة تتبع
النجوم
نهر الزمن أشرق بين
النوافذ
زومبي يتجمعون على
نافذتي
الريح تمتص اﻷبواب
بوق في مقبرة قرب بيتي
ليل قتيل على عتبتي
غيمة تلمع داخل مبولة
بكاء وحلم وملاعق
وبسكويت مغطس بالشوكلاتة
عواء يسقط من النوافذ
قصائد بلاستيكية عن
عالم سريع العطب
في زنزانة سوداء يحققون
مع الشمس المعصوبة العينين
جفَّت دموع السماء
آثار أقدام وحش
نور يتعملق قبل أن تسقط
الشمس بطلقة قناص أعمى
كلب يعوي في غابة
محشورة في دماغي
يكلمني رأس مقطوع من
زمن الحجاج
أسود حجرية تحرس
المدينة
أصطاد رؤاي من قاع جهنم
جثث مجهولة على السلالم
الليل يشخذ سيفه ويتفقد
لثامه
ملفات مفقودة من أرشيف الوجود
دولاب الكوابيس لا
يتوقف
روحي تتصادم بأحلامي
كأس فارغ ذو عنق طويلة
يحدق بي
ريح تبكي في الممرات
المظلمة
بين ذراعي الكآبة أغفو
غيمة تتقيأ لوحة شرف
عليها أسماء القتلة
غول الوجود مزق وجهي
بطرف أظفره
أتنزه بين حقول النوافذ
وأكياس الزبالة
الذاكرة فرج مومس
مصباح يوزع الظلال
بطريقة مرعبة
دائما يهزمني ضوء
النهار
مع ذلك أخرج كل صباح
بنفس الحماس لمقاتلة الشمس والجلوس تحت أشجار من زجاج ومصارعة بشر من بلاستيك.
(فخري رطروط )
يوميات حانة أندرين
-1-
عينان من فرحٍ
وضوءِ قمرٍ وشهوة
عيناكِ!
-2-
خطوةٌ
خطوتان
ثلاثُ خطواتٍ
وتصيرين في مرمى
فمي!
ـ 3ـ
تعالي
لقد هيَّأتُ لك ليلةً
من نبيذٍ ووردٍ
وعناقٍ طويل!
-4-
في حيفا
كان القمرُ ينام
بين يدي!
-5-
يا نادل:
هاتِ دنَّك
ليصعد بي إلى
حضن غيمةٍ عالية!
-6-
محمد عادل:
صباحُ الخير
أيها الفدائي الأخير!
-7-
حسن حميد:
مدينة الله
بدون قمر!
-8-
دنيس أسعد:
يا ناطورةَ الحكايات
والبحرِ والكرمل
أعدي لنا القهوة!
-9-
هنا
في فلسطين المحتلة
لا نسمع صافرةَ القطارات
لا أثر في الماء لسفينةٍ عابرة!
-10-
غسان كنفاني:
في الثامن من تموز
(أم سعد) عادت إلى فلسطين!
-11-
عندما صادفتُ طيفك
في الشارع الضيق
…….
أذكر أن قلبي
كان معي!
-12-
لقد قطفتُ لكِ النبيذ
من الكرمةِ البكر
وأحضرتُ لك الموجَ
إلى حافةِ النافذة!
-13-
هُيِّء لي أني
قد تخطيتُ سنَّ الحب
حتى عبرتِ مثل أغنية قديمة
من أمامي!
-14-
الحبُّ بعد الخمسين
حادٌ ومؤلم
وفي بعض الحالاتِ قاتلٌ
مثل جرعةٍ زائدة!
-15-
………
إلى أين تأخذني
عيناك؟!
-16-
صباحُ الخير
أيها الكرز
صباحُ الخير
أيتها الوردة!
-17-
…..
تعالي
سأغني لكِ
حتى تذوبين
في فمي!
-18-
في حانة أندرين
أعددت لك الكمين
وردةٌ على حافة الطاولة
علبةُ تبغٍ مما تحبين
كأسٌ من البيرةِ السوداء
موسيقى الغجر
…. وأنا!
-19-
هذا الصباح
على مهلٍ سأعدُّ قهوتي
لن أستعجلَ الماء
لن أستعجل إرتعاشاتك
بين يدي!
-20-
تعالي إليَّ
تمايلي كما تريدين
هذه الليلةُ
مناسبةٌ للنبيذ والرقص
وللعناق وللجنون!
(ماجد أبو غوش)
ثرثرة خلف سياج الموتى
مُمددٌ بلا رَهب
على عُشبٍ قديم
أتابعُ كُل ما يحدث
وأحزن !
أغفو وحيدًا بلا جسد
في حطام الذاكرة الهشة
أفتشُ عن ذكرى
وأتربعُ خلف النافذة
الكبيرة
أمام عتبةِ الريح
أسافرُ في البراري بلا
بندقية
أُحاكي نفسي في العراء
وأنزعُ وحدتي من ثيابها
أمارس حقي في الغناء
وأبحثُ عن صنارة صيدٍ تفي
بالحاجة
أجدها بمحض الصدفةِ في طريقي
الى المتاهة
ألقي القبض على وحدتي
وأفرحُ جداً بهُتافِ
الذئاب
أحترسُ من الكثافة
أحدقُ في نبعٍ صغير
ويختلطُ عليَّ أمرُ
الأسماك الجائعة
أفتحُ النافذة الكبيرة
أطلُ على خوفي
وحيدًا وعاريًا
وفي جُنح الظلام
أتهجد مثل نبي
لا وقت لديّ للبكاء على
الأمس
أنا من أضاع وقتَهُ في
فخٍ مُحزن
بحثتُ عن ذكرى تُنجيني من
كُل حديثٍ فارغ
من كُل هذا الهُراء
ولم أجد شيئًا في الذاكرة !
بحثْتُ عند ضفة النهر عن
حاجتي للضوء
لكن شبحًا ساذجًا منع
حدوث ذلك !
بحثْتُ كثيرًا ولم أجد
شيئًا
رحلتُ بخفةِ طير
وجئتُ احترامًا للبقاء
لكني ما زلتُ جائعًا
للعيش
جائعًا جدًّا..
وكُلُ هذا الضياع لا
يحترمُ جوعي !
خرج الليل
خرج الليل من قلبي، وببهائه النجميِّ مدَّ لسانه الأسود على شجر
الدُّفلى في الطريق القديم.
دُفلى!! فجأة أتذكُّر الدُّفلى؟!
وانعطافتي، أيضًا لا أنسى انعطافاتي
لكن شيئًا ما...
جرِّب أن تكون في الغابة وتسمع حفيف الشجر
ذلك الرعب الموصول بما
يُورق فيكَ
ثمَّ ماذا؟ أضع يدي في
جيبي وأرمي الشمس بعيدًا
أملُّ، فأمدُّ يدي
وألقُفُها. وأبعثُ القمرَ.
كلُّ شيءٍ من عندي
عاد الخريف
وانتهى الصيف
وسيأتي الشتاء
كلُّ شيء رائع. لا أفعلُ
شيئاً إلا أن أكون رائعاً
عدا أنًّ الشجر القديم
يناديني
الدُّفلى
والصَّبار
الجوزة
وطعمكِ المذبوح على
الأنصاب
أضحك ثم أبكي
أسكر ثم أصحو
إذا كانتْ الحكايات
مبهمةً هكذا
والقصائد حمقاء هكذا
سأتمنّى مثل من يجلسون في
الفردوس
ألا يتخيلوا شيئاً
عدا سِيَرهم الأُولى
(قيس مصطفى(
(1) المكيدة
قال المتلهِّفون على الدخول:
عَبَثاً احتفظنا
بمفاتيحنا طوال العمر
فقد غَيَّروا الأقفال!
.
(2) المِرْآة
قالت المِرْآة:
ما أشد تعاستي!
لا أحد ممن ينظرون إليّ
يريد أن …
"
يراني."
.
(3) تَوْقُ
قالت العتبة:
ليتني أدخل إلى الصالون
قال الصالون:
ليتني أخرج إلى الشرفة
قالت الشرفة:
ليتني …
أطير
.
4) ) بِلادي بِلادي
قال الذي التفَّت عليه شِباك الموت في المنفى:
السمكة،
وهي في شِباك الصيادين،
تَظلُّ تحمِلُ رائحةَ
البَحْرْ
.
(5) الحبل
قالت ربة البيت:
الغسّالة الأوتوماتيكية
الفخمة
لا تدخلها إلا الملابس
المتَّسِخة
وحَبْلُ الغسيل المشبوح
بين مسمارَيْن
لا يحمِلُ إلا ما هو
نَظيفْ.
.
(6) الأفعى
قالت الأفعى:
رغم أن البشر يلعنونني
أظل أفضل من بعضهم
وعندما ألدَغُ أحداً
فإنني، على الأقَلّ، لا
أدَّعي صداقتَه!
.
(7) العِلكة
قالت العِلكَة:
أشعر بالضياع…
ففي فم السياسي، أصبح
بيانًا هامًا
وفي الجريدة، أصبح
الافتتاحية
وفي وعود العشّاق، أصبح
تنميقًا للكذِب…
….
فقط في فم العاهرة
أحتفظ بصفاتي!
)مريد الرغوثي )
(1) شاحنات
عبأنا مصائَرنا في أكياس
ورميناها فيِ الشاحنات
مضت الشاحنات نافثةً الديزلَ الأسودَ على وجوهنا
نحن الآن في انتظارِ عودتها
ـــ إلى أين مضت الشاحنات ؟
ـــ وبمَ تُبدل أكياسنا ؟
لا أحد يدري... لا أحد يدري
الأمر منوط بالسائقين غاضبي الوجوه
إنهم يبصقون بلا رحمة من النوافذ على يسارهم
ويبولون في الظل عند العجلات.
(2) دخان
مارين ببيوتنا
ما صعدنا درجًا
ولا فتحنا بابًا
توقفنا لحظة فقط
كي نتلقي صرخة من النافذة:
ـــ
هل أحضرتم لنا الشموع ؟
ـــ لا
، لم نحضر نورًا ولا دفئًا
لم يكن لدينا الوقت
وقتنا كوموه في الساحات مثل الهشيم
ثم جاء من بيده الثقاب...
وغطى الدخان- دخان أيامنا- الأرض والسماء.
(3) مسرح الدمى
الوردة
وأنا والموت على الخشبة
لكننا نبدل أقنعتنا
باستمرار:
أحيانا، أصير أنا الموت
فأضرب بقبضتي المدمرة
كل شيء
أحيانا، يتفتح الموت
وردة على السياج
وتصير الوردة
شظية قاتلة من زجاج
نحن الثلاثة على الخشبة:
يد واحدة تحركنا
مرنة وقوية
يد من هذه التي حومت فوقنا كالنسور؟
"يد الله"، قالت
الوردة
"يد الشيطان"، قال
الموت
أما أنا
فلم اقل شيئا
الموت وضع يده على شفتي
قبل أن أقول كلمتي.
(زكريا محمد)
(1) مواسم الرّمان والزيت
يخطبُني موسمُ الرّمان
هدهدٌ يتزوجُ في الوقت
يتكلّلُ بزهرٍ من سياجِ
الأرض
يتسرّبُ شهيًّا
موسمُ الرّمان ينحصرُ
في أحضانِ البنات.
تفرطُ حلقاتُ الغجر
ساحاتِ الوقت
وينزُّ من الكواحل رقص
أندلسيّ
يتذكّرُ حنينَه المشبوكَ
في تاريخنا
يغوينا لنعاودَ طروادة
نخفقُ بالأحصنةِ الصاعدةِ
في أعناقِنا
ماءٌ يغلي
ودمٌ يفرُّ من مواسمِ
الزيت.
.
(2) أخبار المشمش
غيمةٌ من بناتٍ
تشمّرُ عن أفخاذِ الريح في المراعي
يسهرُ الوقتُ
يحرسُ صهيلَ السماء
يدرُّ الشتاءُ ماءً
ليروي ظمأَ القتيل
ويبللَ النساء
في الصهيلِ المتراجع
حتى مرابطِ الأحصنة
يتناقلون أخبارَ المشمشِ
أقمارًا بالتساوي ما بين العاشقين
تنشطرُ
ثم تغربُ
في أحواضِنا ينامُ الحبقُ
ويحلمُ الديك.
(نداء خوري)
أفكار عن طول النهر
مثـل أعمى
كان يتعكّز على قصّة حياته
التي صارت طويلة
مثل شجرةٍ
صار يرفع يدَه إلى أعلى
ليقطف منها.
...
كلّنا لنا قصصٌ،
مِن عنفِ طولها قطّعناها
وحزّمناها
كضمّة نعنع
حتى ترقص.
...
ظلّي زميلُ عمل
أنشطُ منّي،
أطول مني،
يتحمّل وقوفَ المدير وزملائي عليه،
ولا ينظر لساعة الحائط.
...
أجري في طرق الحياة،
لكي لا أرى طولها من بعيد فأتعب.
ولأني أراك أكتبُ أشياءَ
عليها العين..
جسمُك كالسهم،
لا يصلح للرقص.
...
شخصٌ ما يلاحقني،
يرمي إلى رأسي بأفكار عن طول النهر
عرفتُها قبل أن يظهر،
وأجلتُ كتابتَها بيد قصيرة
لم تقع كاملةً على الخريطة،
كما تقعُ على ركبة مُصَلٍّ أو مُدخّنٍ عَصَبيّ.
...
أمشي وأرسمُ على ظهري
ظلالَ خناجر طويلة لم تصل.
ثم أرسمني بين ناس واقفين وسجائرهم مشتعلة،
حولَ شخص يسبقني..
أنا الشخص الصحيح في رسمتي وقعت عليه.
...
كانت الثمارُ
التي تَطالُها يدي قاسية
على وصف أمي، كالأحجار..
فأقطع حجراً،
أرشق به ثمرةً
في الأعالي ناضجة.
…
كمطلّقة تفرح ببناتها
أفرح بقصائدي الحزينة، ناسيًا من كتبها.
...
حاجتي كإنسان أن أتغيّر:
أن أُحبّ عدوّي بمجرّد موته،
وأكره حبيبي بمجرّد موته.
...
تغترب فيحبّك جيرانك
الذين خاصموك وأنت في بلدك.
...
اسمعْ بعينيكَ،
كما يحدثُ معك في المنام.
...
الذي يطير من الفرح
تسمح له بذلك حبال أحزانه الطويلة.
(نصر جميل شعث)
في مَديحِ الغريبةِ
لم تكنِ الصدفة فقط هي الصديق المشترك بيني وبينكِ
الصحراءُ
التي وُلدْتِ على أطرافها
قاتمةٌ تتجاذبُ الأحرفَ
من شفتيكِ.
تحدِّقين بشوارعَ تقفزُ
من كأسِكِ المرِّ
حتمًا ستأخذينني إليها
بعد أنْ يجلوَ المرارُ صوتَكِ
وحتمًا سأعرفُ كلّ الذين
تحرقُهم سيجارتُك الناعمةُ
تُحرقينهم ليتناثروا في
الهواء حيثُ لا نهر يحتوي رمادَهم
ولا بقاءَ في طقوس
سيجارتك.
ـــ
الشارعُ الفوضويّ يهذِّبُ
المشي
الغبارُ خلفيةُ المشهدِ
أو ربما كادرٌ سيقلبُ
كوميديا الحكايةِ إلى مشنقةٍ
لكنكَ لا تقوى على اختراق
هذا الدخان الصلب
هي زيارةٌ مؤقّتةٌ مني
لكَ
كتلكَ التي تمرّ بها على
مرضاكَ
ثم تنزلقُ إلى شارعكَ
الخاص
وسأمضي إلى مدينتي
المُرّة.
ـــ
لم تكنِ الصحراءُ وحدها إذنْ
كانتِ امرأةً أخرى تُحاولُ عرقلةَ العابرينَ بينها
وبين دخانِها
كانت امرأةً تحاولُ كسر روتينها بالاحتفاء بغريبٍ يحطُّ معها على
غصنٍ لن ينثنيَ هذه المرة أمام الريح
ولن يطويَ الصحراءَ كما تظنينَ
سيجرِّبُ التحديقَ فقطْ.
ـ
غريبةٌ آمنةٌ
تُحبِّينَ هذا المكانَ بذاكرةِ مراهقةٍ في حبَّها الأول
تأمنينَ الأعينَ الغريبةَ
وتهابينَ الأصدقاءَ
تُجيدين ارتداءَ الضحكِ
وعقصَ الكلماتِ كما يليقُ
تحطينَ
حمامةً
على الوقتِ
وتهرُبينَ خفيفةً لا أحد يتحسسُ غيابَكِ سوى رُكْنٍ خالٍ
وعينين غريبتينْ.
(يزيد الديراوي)
الحظيرة
لمّا رجعتُ لمنزلي متأخّرًا في الليلِ
عادَ لِيَ ارتباكي
مثلَ كيسِ الرّملِ كانَ
المنزلُ الحجريُّ منبطحاً، وكنتُ أرى نوافذَهُ المضيئةَ كالثُّقوبِ وكانتِ
الأزهارُ فوقَ السُّورِ ترفعُ في الظّلامِ رؤوسَها كأصابعِ الأعمى.
أقتربتُ فمالتِ الجدرانُ
نحوي، وأرتجفتُ كأنّني أهذي، كأنّي خارجَ الحجرِ المرتّبِ في نشيدِ الصَّمتِ
أُطلِقُ مِن يدي طيرَ الحواسِّ واستفزُّ النّارَ تحتَ رمادِها.
حرَّكتُ رأسي في فضاءِ
اللغزِ مثلَ الأرنبِ المذعورِ، هذا البيتُ بيتي، فيهِ أعجنُ من رمادِ الرّوحِ قلبَ
الشِّعرِ، أرفعُ بُرجَ أحلامي وأصعدُهُ لكي أطأَ السَّحابَ الرَّخوَ، هذا البيتُ
بيتي، غيرَ أن السَّقفَ يوشكُ أن يطيرَ، ويوشكُ الشُّباكُ أن يهوي عليَّ مصفِّقاً
كالنَّسرِ هذا البيتُ بيتي ؟، السّورُ نفسُ السّورِ؟، لا قد صارَ أعلى، والحجارةُ
فيهِ تبدو مثلَ أسنانٍ مهرّأةٍ.
دفعتُ البابَ مُرتبكًا،
فأنَّت في ظلامِ الليلِ جثَّتُهُ، وهبَّت باتجاهي الرِّيحُ مُثقلةً برائحةِ
العفونةِ، خطوةً ووقفتُ، يا اللهُ أيَّةُ لحظةٍ تلقي عليَّ غموضها ؟.
ثورانِ مثلَ غمامتينِ
ترنَّحا في البابِ، روثُ يغمرُ الأرجاءَ، كانَ البيتُ نصفَ مهدَّمٍ ومضيتُ في
حجراتِهِ، غنمٌ وأبقارٌ على السِّجّادِ تلهو أو تنامُ، على الأرائكِ تجلسُ القططُ
الكسولةُ، كانت الحمّى بألفِ يدٍ تدقُّ ضلوعيَ الخرساءَ، والأصواتُ تصعدُ في
العروقِ وتضربُ الصّدغينِ، حينَ مضيتُ إلى سريري كان قُرّادٌ يحطُّ عليَّ يلسعُني
فأصرخُ صامتاً، شَعرٌ غزيرٌ صارَ ينبتُ فوقَ أعضائي وحينَ نظرتُ في المِرآة لم أرَ
ما يدلُّ عَلَيَّ كنتُ شبيهَ تيسٍ هائلٍ، فذهبتُ صوبَ النَّافذة وبدأتُ أثغو.
(يوسف عبد العزيز)
المهاجر
إنه أنا
انظُرْ جيدًا أيها الصديق
لم أذهب مع الذين يحملون
الأسرار والقبعات في حقائبهم
إنني هنا وحدي
أرتعش على حافة الشرفة
هل ترى البريق الذي في
البعيد ؟
إنها السلاسل والذكريات
التي ألبسها
وربما هو العرق على ذيل
حصاني
إنه أنا
تذكر جيدًا
أيها الصديق المنازل
أيها الصديق الذي يهرب
كحصان
إنه أنا
إنه أنا
أنظروا جيداً
يداي عصفورٌ يئن
وعيناي نافذتان.
(محمد الديراوي)
أغنية للعائد من الحرب
حبيبي لي وأنا
للغياب
خرجت من الخرافة
ومن حكمة أمي في الطواف
خلف الغائبين
ودون أسطورة سأحذو إليه
هو لي وأنا للغياب
وقد حفظت
من أغاني
المدينة
أغنية واحدة وطويلة
تصلح لنوم الميتين
واقعية
ولا ترد الغريب
إلى البيت
وتلك التي أغنيها له منذ
أوقف
الجنود
العربة على
باب البيت
(زهيرة زقطان)
أريد وطنًا
أريد وطنًا على مقياس
قدمي
لا لأنتعل خارطته
ولا لأدرب قلبي على
البكاء
بغازاته المسيِّلة
للدموع
ولا لأرعى مصالحه
الوطنية.
أريد وطنًا صغيرًا بحجم
أمنية
مراهقة في الخمسين.
وطنًا لا يحكمه ملثمون
سفلة
ولا هياكل بشرية مهندمة
ولا فروج وردية خلف
مكاتبٍ لامعة.
أريد وطنًا يفهم صمتي
وقلة حيلتي
وسوء تغذية خاطري
وإنكسار رغبتي.
أريد وطنًا لا توزع فيه الإرشادات الطبية
عند حدوث منخفض جوي
او مناشدات عاجلة
للتبرع بالدم.
وطنًا يستيقظ قبل نهوضي
من الفراش بخمسة دقائق
لإعداد وجبة الفطور
على مائدة نحاسية صغيرة.
أريد وطنًا لا يخبرني عن الله
وإنما يخبرني الله عنه
وطنا نشيده الوطني لهاث
قادته لا شعبه.
(أدهم العقاد)
مداخلة موسيقية
"لا يلتزم الموسيقي بنتوءات اللغة"
عبارة الثائرين على عجز
الوصول
ونحن لا نرى رمزًا
يراقص دمعة
لا نرى جوادًا يقتل
الصهيل
كنا نقاتل زاويةً
مظلمةً في مسرحٍ مهجور
فيما يجرنا النغم إلى
بهاء الفراغ.
النص ملحقٌ موسيقي
ونحن لسنا ضفافاً لأحد
لسنا حديثاً يقترب من
الانتهاء
"..لا يلتزم الموسيقي.."
يتبعثر النص على وتريات
مقطعة
كم مرة سيغتالنا المكان
؟
"..لا يلتزم.."
سنبكي
كلما مسنا الوتر.
)أحمد الحاج أحمد(
عواصف القلب
)إيمان(
كلما قرأتُ عن نَمرٍ
أفترسَ مدرّبَهُ في السِّيرك
أو حارسَهُ في حديقةِ الحيوانْ
طرتُ فَرَحاً
داخل قفصي!.
.
)اتحاد(
في البداية كنت أركضُ كالمجنون
وأنا أغلقُ المنافذَ
في وجهِ كلِّ شيء يحملُ الموت
كنتُ خائفاً
إلى أن خرجت للشوارع.
.
)حيرة)
في البدايةِ
قالت الخيلُ: أُريد سهولاً
قالت النسورُ:
أريدُ القمم
قالت الأفاعي:
أريدُ جحوراً
وظلَّ الإنسانُ حائراً !.
.
(سباق)
ذلك الفارسُ المنطلقُ في المقدمة
هل يحاولُ باندفاعهِ هذا
أن يظلَّ متجاوزاً الفرسانَ خَلْفَهُ
أم يحاولُ تجاوزَ فارسٍ أبديٍّ أمامَه
نحنُ لا نراه ؟!.
.
(معجزة)
يوماً ما
سيدركُ أحفادُنا
أننا كنّا معجزةً !.
نحنُ الذين عشنا عمرنا كلَّهُ
دونَ أوكسجين!.
.
(تعجب)
دائماً يسألني الأصدقاءُ
القادمونَ من مدنٍ بعيدة:
كيف تستطيعُ الكتابةَ
في مدينةٍ مقفلةْ ؟!.
.
(صِدْق)
ذلك الرسامُ
بكى كثيراً
عندما لم يستطعْ رَسْمَ الدَّمعة !.
.
(صداقة)
يا لهذه الطاولة
أنحنيتُ على ظهرها أكتبُ
ثلاثينَ عاماً
ولم تقلْ: آه
وحينَ رحلتُ
لم أستطعْ حملها على ظهري
ثلاثين خطوة !.
.
(عرس)
الحصان الراكضُ في البريّة
هل يعرفُ حجمَ البهجة
التي أثارها في الغبار ؟!.
.
(حيطة)
لم أتركْ طفولتي يوماً
تبتعد كثيراً
إن الوحوشَ تتجولُ في الجوار
ولذا
لم أَجِدْ بُدًا من الاحتفاظِ بها
حتى اليوم.
.
(براءة)
الطفلُ الصغير
لا يبحثُ عن شكلٍ لسؤالٍ يلقيه
على شجرةِ البرتقال
حين يتسلقها
لكي يقطف ما يريدُ من ثمارها.
.
(صدمة)
أستجمعتُ طفولتي مرةً
وسألتُ رجلاً حكيماً:
ما الفرقُ أيها الكبيرْ
بين حافةِ القمة
وحافةِ الهاوية ؟
من يومها
لم يستطعْ التوقّفَ عن الضحك !.
.
(حياة)
هل لاحظتم
ذلكَ العصفورُ الذي يمرُّ فوق رؤوسنا
غالباً ما يتركُ زرقةَ السماءِ
التي مرَّ بها
أكثرَ صفاءً ؟.
.
(كلاب)
في هذه اللحظة
هذه اللحظة بالذات
وأنا أكتبُ هذه الكلمات الطيبة
ثمةَ جنرالٌ يشحذُ سكاكينَهُ
وهممَ كلابه.
.
)خريف(
خريفٌ كاملٌ يندفعُ باتجاهِ الأرض
هازَّاً جذعَها
خريفٌ مدججٌ بصفرةِ الموتْ
كأنَّ الذينَ ماتوا
وكانوا يستحقونَ موتَهم
يعودونَ إلينا
رياحاً مجنونةً.
.
)شعراء(
في تلكَ المدينةِ الطيبةِ البعيدة
في ساحةٍ مليئةٍ بالعشبْ
كلُّ الأشياء كانت تغنّي
وكان الناسُ يرقصون
قال:
اذهب وأطلبِ المهرةَ للرقص
كنت خجولاً
قال:
إذا خسرَ الشعراءُ
لن يربحَ العالمْ.
(إبراهيم نصرالله)
(1) طبيعة
شجرة رمان بلهاء في الحديقة
فقيرة مثل أولاد المخيم في الخمسينات
مرتبكة مثل عيد الحب لمقاتلين من البوليساريو
عشب يتحرش بأغصانها
ماعز الريف الشرقي يهتك عرضها يومياً
لا شرطة
لا لجنة آداب عامة
لا شبكة منظمات أهلية
ولا أولاد حلال يرفعون الضيم.
(2) الولد والممرضات والخراف
وُلد المذكور على عجل
لكنه تمطى ثلاثة أيام في نعاس كأنه الموت
لم يشأ أن يطأ الأرض، بيد أن الممرضات أغدقنه بالرعاية والحنان على غير العادة ،
كان يشم المريولات البيضاء ويتفكّر
حتى أن ممرضة قبَّلته أكثر مما يجب وأحاطت خصيتيه بفمها مداعبة
ولم يضحك
ولم ينبس ببِنْت شفة
ولم يبكِ
ولم يشأ أن يطأ الأرض.
سيكون أكثر حكمةً لو ابتعد عن الجموع الغاضبة
لو دخل بيت أبي سفيان لانتهى الأمر
وأحكم طوقًا من البلادة الأبدية حول عينيه.
كان أكثر فتنة على الجبل :
ذراعاه الخاسرتان دائمًا ممدودتين على آخرهما
أشياءه التي تحسستها الممرضات قبل عشرين سنة كبرت على يديه
تلثعمت
وبكت.
كان يترك غزالاتِه الذهنية خلف قطيع الخراف
ويشمُّ ذراع البنت التي قربه وملابسها والهواء المجنون الذي يخرج من فمها، كان يودّ لو فجأة يغفو على حجرها الصغير، ويتلذذ ويجن من اللذة.
لم يكن يحلم بأكثر من بيت لحم .
(وليد الشيخ)
مومس المخيم
نوايا العابرينَ إلى منـزلها
يمكن أن تُلمس بالأصابعِ
عفيفةً ومتباهية.
المتأخرونَ في الحقولِ
سيجدونها عالقةً على الشجرِ القصيرِ
والدرجاتِ الخمسِ المعشبةِ
ونباتِ المجنونةِ على المدخل.
أساورها التي تخشخشُ مثل فرسٍ غامضٍ في نومِهم
ثيابُها الداخليةُ التي تلوّنُ أحلامَهم
ونهداها المطروقان مثل دربِ طاحون
حركتُها المرسومةُ بين المغسلةِ والسريرِ
مثلَ محفوظةٍ شعبيةٍ رائجةٍ
لوحةُ الفاكهةِ على الحائط
الشراشفُ والمخدتان
ورائحةُ الكولونيا الرخيصة
المساميرُ خلفَ الباب
حيث تَرَكَتْ ملابسُهم رائحتها،
والياسمينةُ خلف النافذة.
انحناءاتُها الذاهلةُ
وصمتُها المرجومُ بالمشقّة.
نوايا العابرينَ إلى منـزِلها
المارّة والطرّاقُ،
الطلبةُ والموظفونَ والدجاجُ،
العرباتُ والحرسُ والكلابُ،
الحمّالونَ والقططُ وبائعو الخضار
الآباءُ والأبناءُ
كلُّ من لهُ رائحةٌ خلفَ نومها المشقّق
كانوا هناك،
خلفَ الأولاد
والعربةِ
والنعشِ
طاهرين في طريقهم إلى القصدْ.
(غسان زقطان)
توليفة أفريقية
تقدَّمني ثم قدَّم لي ، من بقايا عالمِه، بعض فتاتٍ
في زقاق يلمُّ بقايا أُناسٍ من بقايا شتاتٍ
كنت أشعر في هذا الزقاق بشهوةٍ لبناتٍ
وارتياحٍ لهذا المصيرِ
وكانت هنالك نارٌ تنير كثافةَ ليلٍ ، وأذكرُ ،
كان هنالك رقصٌ يضيءُ على قرع طبلٍ توحّشَ ، أذكرُ ،
كانت لنا ضحكاتٌ وارتياحٌ لهذا المصير .
وهذا طريقي أخيرًا ، طريقي الأخير إلى قدري المستدير .
عبر شيءٍ جميلٍ ، وشيءٍ تنفّسَ بالكبت ، أو فلنقُلْ فيه كبتٌ ،
وشيءٌ تناقضَ ، لكن .. أحسُّ ارتياحًا لهذا الطريق الأخير .
(حسين البرغوثي)
هكذا ..
هكذا
كما تنفضُ الغُبارَ عن كتفِ جاكيتِكَ الأنيقِ تنفضُني
لا قتلاً رحيماً ..لا لغةً بيضاءَ؟
هَيّئني لمثلِ هذا القتلِ الّذي كالبرقِ
خُذني برويةٍ قليلاً
وادّعِ أنَّ أحلامَكَ ماتتْ عندَ قدمَيّ
وأنّني أكبرُ مِن أنْ تحتويني
اتركني أعدُّ الوقتَ المناسبَ لتفحّصَ رسائِلكَ للمرّةِ الأخيرةِ
وَدَعْكِ رائحتِك عن مسامِي
كنتُ أردّدُ لأصدقائي
الذينَ عرفوكَ مِن حَديثي المستفيضِ عنكَ
والمملِّ بالنّسبةِ لهم
إنّنا انفصَلنا هَكذا
وأنا أقولُ لنفسي سيكونُ الخبرُ لهم أجملَ حينَ نلتقي
لم أكنْ أعرفُ
أنّني وبغيرِ قصدٍ كنتُ أهيّئُ نفسي لضربتِكَ
هذا الغبيُّ قلبي لم تربّهِ الصفعاتُ
العنيدُ ابنُ القحبةِ الذي ركعَ أمامَك بعدَ مناوراتٍ عدّةٍ
كنتُ أظنُّ أنني أعددْتُه جيّدًا
كي يسحبَ ميكانزماتِه الدّفاعيةَ ويحصّنّي جيّداً
الغبيُّ البليدُ المتواطئُ
كانَ مقفلًا أبوابَه ونوافذَه عليكَ
وفاتحاً كلَّ الممرّاتِ السرّيةِ لكَ
قُلْ إني لمْ أكنْ جميلةً بما يكفي
وجَسدي مترهّلٌ كعربيّةٍ
أو كصورةٍ لإلهةٍ رومانيّةٍ
وثدياي صغيرانِ على رغباتِك الجامحةِ
قُلْ إنّ الرّجالَ الآخرينَ يأكلونني بلعابهم المتساقطِ أمامِي
وأنتَ غيورٌ حدَّ الصّراخِ
وأني أمامَك أفقدُ بوصلةَ التحكّمِ
قُلْ إني غبيّةٌ بما يكفي
كيْ تشيحَ النّظرَ عنّي
وتقولَ في نفسِكَ:
" ما هذهِ البنتُ الّتي لم تغادرْ طفولَتَها بعدُ"
قُلْ كلَّ هذا وانصرفْ
قُلْ يا ابنَ أمٍّ عجنَ رجلُها قلبَها
لكنَّها بطيبةِ أمٍّ سامحتْ
ما هكذا علّمتْكَ
قالتْ لكَ اسحقْهنَّ بجمالِكَ القاسي
وانصرفْ عنهنَّ بذاتِ القسوةِ؟
تعالَ إليهنَّ باللّهفةِ وبالكلامِ المعسولِ
وأدرْ ظهرَك بعدَها ولا تلتفتْ؟
قُلْ لكلِّ أنثى ضَفّرتَ قلبَها على أصابعِكَ
أحبّكِ
ضاقتْ عليكَ كثيرًا
أيها الطّفلُ والعجوزُ
الّذي عرفَ طعمَ كلّ شيءٍ مبكّرًا جدًّا
فيما عرفتُه أنا متأخّرًا جدًّا
لا يليقُ بأناقتِنا هذا
ادعني على الأقلِّ على فنجانِ قهوةٍ في المكانِ
الّذي أخذتَ قلبي فيهِ مِن شَعرهِ إلى الأبدِ
قُلْ لي أُحبّكِ
لكنَّ الطّريقَ موحشٌ يا ابنتي الّتي لمْ تعرفْني
كنتُ ابنتَك
وكنتَ تراقبُ حبوي على كفّيكَ بصبرِ صيّادٍ
هلْ كانَ الصّيدُ مثمرًا يا أبي الذي التقيتُه على عجلٍ
وتلقّفتْنا العواصمُ؟
هلْ كنتُ ساذجةً بِما يكفي لأبتلعَ الطّعمَ دونَ أسئلةٍ
كانَ الطّعمُ لذيذًا بالمناسبةِ
جميلًا ومضبوطًا بالضّبطِ على مقاسِ القلبِ
كانت الحبةُ على المقاسِ تمامًا
لا أكثرَ أو أقلَّ
لمْ تكنْ كبيرةً لا يحتويها القلبُ
ولا صغيرةً فيدخلُ معَها هواءٌ فاسدٌ
كانتْ على المقاسِ بالضّبطِ
خبيراً كنتَ
مرّتْ عَلى جسدِك مئاتُ اليماماتِ
بعضُهنّ احتفظتَ بهنَّ لبعضِ الوقتِ
والبعضُ امتصَصتَ ماءَهنّ في قضمةٍ واحدةٍ
هلْ كانَ طَعمي لَذيذًا يا أبي؟
هلْ كانَ ككلِّ الطّعومِ
أمْ حادِقًا قليلاً
وحرّيفاً بعضَ الشيءِ؟
قلتُ لكَ لوْ هيّأتَني بعضَ الوقتِ
فقطْ بعضَ الوقتِ
بعضَ الأكاذيبِ
بعضَ الشّجاراتِ المفتعلةِ
وبعضَ الغياباتِ الطّويلةِ
كنتُ تعلّمتُ كيفَ يكونُ الوقتُ دونَ انتظارِ هاتِفِكَ
وتعلّمتُ الصبرَ لأجلسَ في انتظارِكَ
أغزلُ ثم أنقضُ
أكتبُ ثم أمحو
لكنَّكَ باغتّني هكذا
ضربةً حاسمةً ولمْ تلتفتْ.
(فاتنة الغرة)
(1) الرجل السرطان
العالم هذا الصباح يشبه معدتي المصابة بالحرقة، يشبه الصداع الذي
يقضي عطلته الأسبوعية في رأسي، يشبه أكوام الزجاج المكسور التي تملأ ذاكرتي.
لم يعد العالم على مايرام منذ أن توقفت عن القلق بشأن الزجاج، وبشأن عدم استلامي الرد على رسالتي النصية لمدة تجاوزت عشر دقائق..وفشل السيدة كلينتون في تزعم الحزب الديموقراطي.
لا تبحثي عني؛ سأكون موجودًا عند كل رشفة قهوة، عند استرخائك في أثناء جلسة روتينية لتنظيف البشرة، عند رغبتك في الضحك أو البكاء أوالارتماء في أحضان أحد ما، عند عجزك عن مقاومة الأرق الذي أعرفه جيّدًا، عند عدم رنين هاتفك المحمول في أثناء ساعات نومك الطويلة، عند دخولك غيبوبة الكتابة، عند عدم رغبتك في الكلام، عند مشاهدتك لفيلم سينمائي بغض النظر عن مستواه الفني،عند دغدغتك للأرض في أثناء ممارسة رياضة المشي..عند سماع أغنيتنا المشتركة التي لم نتفق على تحديدها حتى الآن!
(2) كوداك
لم تعد الصور القديمة تمثِّلنا
لم تكبر مثلنا
لم تنكمش مثل أجسادنا
أو تتلاشى بالتدريج مثل عقولنا
لقد أصبحت فقط..باهتة مثل ذكرياتنا
التي لم تعد واقعًا
منذ تجاوزها الزمن.
(3) شوارب فريدا كالو
سأتجاهل رائحة الطين، وتأنيب المطر، والغصة التي استقرت في صدري طويلًا
وأبحث عن عزاء ملائم لوضعي الذي لن يسمح بأن أفسّر شفتيكِ على النحو الذي أتمنى
أو أنفض قطرات المطر عن بتلاتك المائلة للاحمرار
أو أن أخفف من رائحة الهوس الذي ينتابني
كلما أدركت أنك لست بجانبي في هذه اللحظة..ولن تكوني كذلك
عندما أضطر إلى تبرير موقفي للصمت الذي يعاقبني به الليل.
تظاهري أن الأرض صامتة مثلما نراها من بعيد
وأن كل ما حصل بيننا لم يكن أكثر من مزحة ثقيلة؛
لا يفترض بها أن تصل إلى هذا الحد.
(أشرف فياض)
أسئلةُ الوجع
إلى أين رحيلُكَ أيها المُسافرُ..
تركتَ حدودَ الوطنِ وما
تزال تُجَذِّفُ في بحر بلا انتهاءٍ..
وحدودُكَ ما لها حدود؟
ألا يكفيك ما عِشْتَهُ
من مآسٍ ومذابحَ ووجعِ قلب؟
ألا يشبعُك ما ذُقتَهُ
من ألمِ الأيام والسنين؟
تمضي نحوَ الصبحِ..
والليلُ متاهةٌ تعاندُ
الوقتَ..
ولا وقت لديك لإضاءةِ
كل العتماتِ.
وحتى لو ولدتَ من جديدٍ
فهلْ لديكَ ما يكفي من
عمرٍ لإضاءةِ عتمةِ العالمِ
أو إطلاقِ سراحِ
الحريةِ لتخفقَ في قلبهِ؟
وهل ستستطيع إعادة
الومضةَ التي بدأت بـ "كُنْ"،
فكانَ واقعًا لا بقايا
حلمٍ تعيشه الآنَ
عن شجرة توتٍ حضنتْ
طفولتَك وصباك..
وعن خوابي الزيتِ ونبيذ
الرهبانِ
وصهيل خيولٍ
وأصواتِ من رحلوا من
أحبة وخلّان؟
إلى أين وعلبُ الوجعِ
المعدةُ لكَ ما تزالُ في انتظارك؟
وجراحُ المشـرَّدين لم
تلتئمْ بعدُ
في عوالم بعيدةٍ؟
متى ستطلقُ جناحيكَ
للرّيحِ
لتعودَ وتحلّقَ في
سماءِ الوطن؟
أيها الفلسطيني الصارخ
في عوالمَ ما لها آذانٌ..
وبحارٍ ما فيها جُزر؟
متى تصير كلّاً واحدًا..
ويصيرُ صوتُكَ
"سَوْطًا" يجلدُ ظهرَ العالمِ وصمتَهُ؟
كم من السنينَ عليكَ
الانتظارُ لتجدَ أفراحَ قلبِـكَ
وأسماءَ مُدُنِكَ
وقُراك؟
وكم من الوحدةِ عليك أن
تتحدَ مع نفسكَ أيها الفلسطيني
لتتخلص من هذا السرطانِ
الخبيث؟
(طارق عون الله)
أحرار
نحن أحرار نحب الملكات
وتحبُّنا الملكات
لا نمشي في أسواق العبيد
ولا ننحني
ولا نُقبّل الأيادي
أوفياء للحقيقة وللحياة
نحن في منازلنا لا نُعلق
صُورًا
مكان الصورة على الجدار
نَفتحُ نافذة .
(خليل ناصيف)
مخيم بلوك (o)
كان يجب عليّ الذهاب، قلت: كان يجب. البرابرة يحاصرون الوقت
والمكان، يحاصرون تلك الأنفاس اللاهثة في الزقاق المتفرع من خيبة الرحلة الطويلة.
الانفجارات تتلاحق والخوف سيد الموقف. الخوف المبرر والمنتصب في وجه التاريخ
بمفترقاته الشاسعة. يرصدوننا ونرصدهم ونحاصر مجدهم بضعفنا. قذائف الدبابات ورصاص
الأسلحة الخفيفة وحقدهم، جميعها تتدحرج أمام آلة الهدم.
سأذهب الآن. الأطفال الكثيرون، نصف نائمين يتعثرون ويسقطون أثناء
تدافعهم من بيوتهم عند ساعة الفجر الأولى. البيوت التي ستسوى كلعنةٍ مفاجئة بعد لحظة واحدة.
يحمل الأب أطفاله ويندفع
كقذيفة خارج كومة الإسمنت التي ستصير بعد قليل جداً آه.. لو لم أنسحب قبل لحظة
منك، لظل "أحمد المنسي" تحت الكومة التي صارت، كأنني على موعد مع
النسيان المبرر، أيضاً.
الساعة تجاوزت أول الفجر
والقذائف تدك البيوت المتهالكة، وآلة الهدم العمياء تتقدم صوب بيوت المخيم الغارقة
في بؤسها.
لكنهم يفرضون شروط
المعركة، ويهندسون ملامحها ومع ذلك يتساقط الأعداء كثمرات فاسدة، رصاصات غاضبة
تصرخ في وجوه جنودهم، من أسلحة هزيلة.
يشتد وطيس المعركة. مساجد
المدينة تكبر بصوت واحد. تدعو مسلحي كافة الفصائل إلى الدفاع عن بلوك (o) المتهم في جغرافيته، وبرجا الحراسة
الإسرائيليين يغطيان جرحاهم بمزيد من النار. المساجد تواصل صراخها، والمقاتلون
يستحكمون في مواقعهم الطارئة وينشرون الرعب في ترسانة العدو.
يزداد الضغط على ساكني
المخيم، آلاف الصُّدَف تملأ ساحة المعركة، كل واحد يحمل صدفته الملقاة تحت قدميه
ويهرب إلى المجهول البيوت لم تعثر على صدفة واحدة، كذلك الأشجار المشتعلة بصواريخ
ضالة، لم تعثر على صدفتها، أيضاً، سكان المدينة يملأون الشوارع يجيئون ويذهبون دون
غاية أو هدف، يشبهون أسودًا تدور حول نفسها في أقفاصها المنيعة. الانفجارات تصم
الآذان.
الخوف ما زال يملأ رؤوس
الناس. والقلق يحدق في ملامحهم الباهتة، عتمة الفجر تعيد تشكيل القلق لديهم.
سيارات الإسعاف تداهم توقعات البارود. أما ذهابي فقد كان مبررًا، حين تركت الشاشة
ولحظة مسروقة تبصرها عيناك الجميلتان.
(عثمان حسين)
همس السيرة
هذا المساءُ
المتعبُ كقلبي مِنْ الرّصاصِ
وهذا النهارُ الطويلُ
كَخُطْوَتي التي لا تصِلُ
فيهما تزدحمُ كلُّ خيولِ
الغيومِ عندَ الغروبِ
والنسيانُ حديقةُ تفاحِ
العتمةِ
ـ سنابلُ نيسانَ تعرفُ وُجْهَتي
ـ
أبحثُ بين أوْراقي
المبعثرةِ
عَنْ سيرةِ الطفلِ الذي
كُنتُهُ
عَنْ حكاياتٍ بفمِ
البلابلِ
وعَنْ نسمةِ صيفٍ حَملتني
غداً
إلى رصيفِ أغنيةٍ
تَذبَحُني.
متعبٌ إيقاعي كهذا الغبش العائم اللَزِجِ
ووحدَكَ تحْمِلُ المقاديرَ
وهذا بحري هائجٌ وقاربي أضلعُ ابن نوحٍ
ومجدافي من يدي المقطوعةِ.
لكنَّ قَلْبيَ بوصَلةٌ تُشيرُ
إلى خُطايَ على الموْجِ
أينَ ستكونُ لي موجةٌ من خُطىً ؟.
)لَوْ كانَ يا امرَأتي شَعْرُكُ رصيفَ
ميناءٍ ما تُهْتُ(
الليلُ صرخةٌ فاحمةٌ
والفَرْقدُ مثلُ ملِّيمٍ صَدِئٍ
ارْتَدَّ صَوْتي
شظايا وغبرةً.
صَوْتي يَتَكسّرُ على ألوان الطَيفِ
كانَ وحيدًا بلا عائلةٍ
صوتي يشربه الموجُ
والفراءُ العذْبُ
و(السكسفون) القريب.
(عبد السلام عطاري)
أماليد
-1-
لا الموسيقى
ولا الشهرةُ والثروةُ
ولا حتى الشعرُ نفسُهُ
بِمُستطيعٍ أن يعزّيني
عن قِصَرِ عُمرِ الإنسان
وعن أن "الملك لير"
ثمانون صفحة (وتنتهي(
وعن محضِ التصوّر:
أن المرْءَ قد يُرْزَأُ
بإبنٍ عاقْ!
.
-2-
هُناكَ..
خلف مزارع الفولاذ
حيث البحرُ
يمضغُ ابنهُ البكرَ
كل محاقٍ
يعسكرُ أحيانًا
صليبيّون أغبياء
يتناقصون!
.
- 3-
حبّي لكِ
هو العظيمُ
أما أنا وأنتِ والآخرون
فأغلبُ الظنّ أننا أناسٌ عاديّونْ!
.
-4-
قصيدتي
خارج الشعر
لأنك خارج النساء!
.
-5-
وهكذا..
استغرقتُ
الستّينَ سنةً كاملةْ
حتى أدركتُ:
أن الماءَ ألذُّ الأشرِبةْ
وأن الخبزَ من الأطعِمَةِ أشهاها
وأن لا قيمةَ حقيقية لأي فنٍ
إلا إذا أدخلَ البهجةَ
إلى قلبِ الإنسان!
.
-6-
بعد أن أموتْ
ويُسدلٌ القلبُ المُتعبُ
أجفانَه الأخيرة
على كل ما فعلناه
على كل ما تمنّيناه
وعلى كل ما حلمنا به..
تشوّقنا إليه
أو أحسسناه ـ
ستكون الكراهيةُ
أوّلَ ما يتعفّنُ
فينا!
(طه محمد علي)
في بيوت كثيرة
عشت في بيوت كثيرة لا تخصني
لم يعد الأمر مهمًّا بعد البيت الثالث
لكن أعضائي بدأت تشكو من أمراضٍ غير مفهومة
ذراعاي تنموان أعلى من شجرة
كفاي تتضخمان
ودائمًا أركض بسرعات
متفاوتة
المهم أن أسبق من يمشي قربي
أتركه قبل أن يفعل
الطبيبة التونسية
قالت لأبي
"حالة نفسية"
كنت قد أحببت الطبيبة
واعتبرتها بيتًا
لولا تلك الجملة التي تسبَّبت
بالكثير من الكدمات
وهدمت البيت
قرأت نصوصًا اعتبرتها بيتي لفترة طويلة
"مرايا سائلة"
كانت بيتًا مجنونًا
نسيت به حبي الأول
مجلة الكرمل والشعراء
وأقواس
درست الهندسة
وتخصصت بالزلازل
لأتعلم صنع بيوت بأساسات
تقاوم المناخ واللامتوقع
أطفالي صنعوا لي خندقًا
وقالوا استريحي
الخنادق تترك أثرًا في
الجلد
تتركة مثل حقل
لكن الطيور تحوم وتأكل
بذوري
بعد أن يغرق بالماء الآسن
استطيع أن أبني بيتًا في
نص
بشرفات ونوافذ تطل على
مجرات ونجوم
أنا افعل ذلك الآن
سأطليه بكتابات أمجد ناصر
الذي جعلني أفرِّق بين
الخيال والمعرفة
ليكون بيتًا متينًا حتى
وإن كان مبنيًا على الوهم
سأرفعه على أحصنة
لتحمله إلى الحقول
البيت الذي لي
الذي سيجعل قدميّ تتوقفان
(مايا أبو الحيات(
نحن
نحن المتناثرون شظايا، الممطرون لحمًا، نتقدم بالاعتذار الشديد من
هذا العالم المتحضر فردًا فردًا، رجالًا ونساءً وأطفالًا، لأننا وبدون قصد منا
ظهرنا في منازلهم الآمنة بلا استئذان، نعتذر لانطباع أشلائنا في ذاكرتهم البيضاء
كالثلج، ولأننا خدشنا صورة الإنسان الطبيعي الكامل في أعينهم، لأننا وبكل وقاحة،
قفزنا فجأة على نشرات الأخبار وصفحات الانترنت والجرائد، عارين إلا من دمائنا
وبقايا أجسادنا المتفحمة، نعتذر من كل العيون التي لم تجرؤ أن تنظر في جراحنا
مباشرةً لكي لا تصاب بالقشعريرة، ونعتذر من كل من لم يستطع
إكمال وجبة العشاء بعد أن فاجأته صورنا طازجةً على التلفزيون، نعتذر عن الآلام
التي سببناها لكل من رآنا هكذا بلا تجميل أو تقطيب أو إعادة جمع لبقايانا وقطعنا
قبل أن نظهر في الشاشات، ونعتذر أيضاً من الجنود الإسرائيليين الذين تكلفوا عناء الضغط
على الأزرار في طائراتهم ودباباتهم لتحويلنا إلى قطع، نعتذر منهم على الصور البشعة
التي تحولنا إليها بعد أن صوبوا قنابلهم مباشرةً إلى رؤوسنا الطرية، وعلى الساعات
التي سيقضونها الآن في عيادات الأطباء النفسيين ليعودوا بشرًا كما كانوا قبل
تحويلنا إلى أشلاء مقزِّزة تلاحقهم كلما حاولوا النوم، نحن الأشياء التي رأيتموها
على الشاشات والصحف، والتي إن اجتهدتم في جمع بقاياها كلعبة البزل، فإنكم ستفوزون
بصورة واضحة لنا، واضحة لدرجة أنكم لن تستطيعوا أن تفعلوا شيئًا.
)غياث المدهون(
سماء أخرى نظيفة
ولا يحتاجُ للجسرِ القديمِ
لكي يعودَ ، بفتنةِ الولدِ الوسيمِ ، إلى المدينةِ نفسِها .
فالعائدونَ يمرّغونَ جباهَهمْ ، بتأوّهاتِ الرملِ ،
تحت ثيابِ نسوتهمْ ، هنا ما بين مجزرتَينِ ،
حتى يفعلوا في الليل ِ ما لم يفعلوهُ في النهارِ .
تمرّ هذي الحربُ أيضاً
مثلما عبرَ المغولُ على بقايا حِدوتَي فرسٍ
رأوها تقتفي أثراً لغيمٍ ضلّ
، طوعاً ، عن تُخومِ خِراجِ هارون الرشيدِ .
كمنْ تدلّى من حواشي اليأسِ
تسقطُ حوريّةٌ أخرى تُواري سوأةً أخرى لجثّةِ قاتلٍ
بفَمِ الغرابِ الضالّ من ثُقبِ المكيدةِ في مُخيّلةِ الغريبِ .
ولا يصدّقُ أنّهُ يحتاجُ لامرأةٍ
تُواسي ظلّهُ المفتُونَ بالقمرِ الذي يغوي على جنباتِ غرّته
صبايا الحيّ في " قصرِ العذارى " .
لا يكذّبْ في أصابعهِ التي كبرتْ بماءِ النهرِ
رائحةَ الحصى في خلخالِ سائحةٍ
أرادتْ أن تُربي في يديهِ تفتّحَ الدُفلى على فستانِها الشفّافِ
فوق السدّ .
يغضبُ من تعجّلهِ الفُراتُ ، تقولُ ، حينَ يفيضُ .
لكنّ التواريخَ القديمةَ تنتهي بخُطى الحماقةِ ذاتِها
بجهالةِ الكُهّانِ ،
فيما الفاتحونَ ، وقاطعو الأرحامِ ينتظرونَ خلفَ النهرِ ،
منقطعي الرجاءِ ، تقولُ لها .
أنا شاعرٌ لا يُشبهُ إلا قصيدتَهُ ،
تؤرّقهُ يداهُ على المضاجعِ
حين تذبلُ وردةٌ في مزهريّةِ من يُحبُّ ،
ولا يعودُ إلى مراياهُ سوى بشهيقِها .
أنا شاعرٌ
أشكو لجِذعِ الحورِ غصناً قَدْ يُقصّفُ في مهبّ الريحِ
قبلَ أوانِهِ ،
وأشاركُ الصقرَ المُجرّحَ رقصةَ الموتِ الأخيرةِ في الصحارى .
لمْ أعِشْ حتى أموتَ ،
ولا أموتُ سوى لأحيا .
أكتفي منّي بخوفي إذ أحبّ على الذين أحبّ بما أحبّ :
ثيابُ جارتِنا على حبلِ الغسيلِ من اللصوصِ ،
وقاطعي الطُرُقِ التي تأتي بهم عُميانَ ،
أو حرسِ الحدودِ العائدينَ بخيبةِ الموتى .
مزاميرُ الرُعاةِ الطيّبينَ
يؤانِسونَ برعشةِ الأنفاسِ قُطعانَ العشيرةِ في تلالِ الغيرِ .
وابنَةُ صاحبي الأعمى الذي أفشى بِسِرّ المخبرِ الثرثارِ لي ،
فوجدتُهُ في السجنِ يحملُ شمعةً ليراهُ سجّانوهُ .
والضوءُ المُخادِعُ في ابتسامةِ أختيَ الصغرى التي كبُرتْ
كثيراً في مُخيّلةِ الرجالِ ،
وكنتُ أحمي لفظتي ، في غربتي ، من حنكةِ الفُصحاءِ والحمقى
بتعليمِ اليسارٍ العالميّ الفرقَ بينَ اللهجةِ البدويّةِ الأولى
وشعرِ الجاهليةِ .
قبرُ أمّي يرتقي فوق الجبالِ مدارجَ الحجلِ المهاجرِ .
لم أعُدْ إلا لأذكُرَ ذلكَ الولدَ الوسيمَ
يحكّ فكرتَهُ ليسحبٓ كفّكِ البيضاءَ من شعري ،
ولا تستيقظينَ
ولم أعُدْ إلا لأروي مالذي سوّتْ يدي بي في المنافي والبحارِ
لتغفري لي .
أصدقائي المنهكونَ ، بما رأى القتلى ، من الحربِ التي وقفتْ على
العتباتِ كي تبقى ،
وتنظيفِ الشوارعِ والممرّاتِ التي هرمتْ
من الجثثِ التي لن يعرفوا أنسابَها الأولى سوى بعد انتهاءِ الهدنةِ
الأولى .
وهذي الحربُ أيضاً لا تمرّ
كأن أمطارَ الشمالِ توقّفتْ ، مثل القرى والنازحين ، عن النموّ .
وليس للحوذيّ أن يصلَ العناوينَ التي اندثرتْ عميقاً في الركامِ
بأهلها متقطّعي الأنفاسِ والأوصالِ في سُفُنِ اللجوءِ وفي المحطّاتِ
البعيدةِ ،
ليسَ للمدُنِ التي صارتْ تكلّمنا بأكثرَ من لسانٍ أشبه بتلعثمِ
الأبواقِ يومَ الحشرِ
أن تتذكّرَ الضوءَ الخفيفَ وظلّهُ المذعورَ بين التماثيلِ التي
سقطتْ تباعاً مثلنا في مادةِ التاريخِ ،
أو لحرارةِ اليدِ أن تحثّ عقاربَ الساعاتِ كي تتعجّلَ الأبدَ الذي
صلبوهُ في ديرِ النصارى .
الخارجون من المرايا بالطرائدِ ذاتها تتأوّهُ بين السهامِ
الطائشاتِ ،
ويشبهونَ حجارةَ الكهوفِ العتيقةَ في أساطيرٍ رثتْها دوننا الأممُ
القديمةُ
غيرَ أنكَ لن ترى أجسادهمْ بين التماثيلِ التي كانت تعاتبُ في
المتاحفِ تحتَ خبطِ فؤوسهمْ حسراتِنا .
ما عادَ يكفي كلّ هذا الموتِ
كي تجدَ السريرَ ، سريرَكَ الميؤوسَ منه ، في مضاجعِ من نجا بين
المرايا والممرّاتِ التي يئستْ من الأحياءِ بعد رحيلِهمْ ،
أو تكتفي ، مثلي ، بمن حضرَ الجنازةَ
كي تردّدَ أغنياتِ القانطينَ من الحياةِ وخائبي الآمالِ فوق سطحِ
سفينةٍ غرقتْ بهمْ في لجّةِ المتوسّطِ ،
الأحياءُ وحدهمُ الذين يصدّقونَ بكاؤهُمْ .
ما عادَ يكفي كلّ هذا
كي تقولَ لعالمِ الآثارِ أن قصيدةَ النثرِ التي هدمتْ عمودَ البيتِ
يجدرُ أن تُعلّقَ كالجداريّاتِ القديمةِ فوقَ جدرانِ المتاحفِ كي تحُدّ منَ
انتشارِ العنفِ والإرهابِ .
للإرهابِ دينٌ غيرُ هذا الدينِ،
لا تحتاجُ أن تلقي بفكرتِكَ التي هرمتْ كخارطةِ الخوارزميّ في
أرشيفِ " أوكسفورد" على صحفيّةٍ تتحدّثُ العربيةَ الفصحى بلكنةِ "
بلدوينَ "
الأوّلِ . الدولُ التي نسيتْ خرائطَها الجديدةَ في حقائبِ فاتحيها
لم تعدْ تتذكّرُ القتلى سوى لتؤنّبَ الأحياء .
فاتلُ قصيدةً نثريةً أخرى لِتَروِ حذاقةَ الأشياءِ في تحديثِ
أشكالِ الصراعِ على البقاءِ .
كأننا نحتاجُ أن نبقى هنا في سيرةِ الأمواتِ أشباهَ سُكارى .
)عبد الله عيسى(
لم يكن أبيض قلبي
لم يكن أبيضَ قلبي
فتعرّت شجراتُ السرو لي
وانهمَرَتْ فوق سريري
لم يكن أبيض قلبي.
صاحَ مصباحٌ من الشارع بي :
لا تغفُ ،
لا تتركْ ظلامي خاليًا ،
دقّت فراشاتٌ على نافذتي
واندفعَتْ في حضن برقٍ حسِبتْه
لهبًا أبيضَ ،
صوتي لم يكن أبيض ،
ثوبي لم يكن أبيض ،
حلْمي / وأنا أنقلُ بحراً
في سلال القشْ
أو أنحتُ في الريح تماثيلَ
لعينٍ لا ترى
غير عماها /
لم يكن أبيض
والخمرُ التي تُمزج بالدمع
على ظهر فتاتي ،
حين أُرغي فخذها الورديَّ
أو أسحب أنفاسيَ من سُرّتها
لم يكن أبيضَ
/عندي ما يقيني
من يقيني /
**
قلتُ للماء الذي يَقطُر من عين السرابِ :
عطشٌ يملأ حلقي لم يكن أبيض يومًا :
قلتُ للّحم الذي يَخفق من حوليَ :
جوعي لم يكن أبيض يوماً ؛
قلتُ للمرآة : شيبٌ أشعلَ الرأسَ بياضاً
في غيابي
لم يكن أبيض ..
/ عندي ما يقيني /
من يقيني /
**
لم يكن أبيضَ حتى: كَذِبي
/ قلمي لا يتقن البوحَ سوى
في ثقب مبراةٍ /
وحتى لَعِبي
/ " كم بنينا من حصاها أربُعًا "/
وأنا وحدي محوتُ الأربُعا /
لم أصدّقْ مرةً قارئة الفنجان
أو قارئة الكفّ
ولم أتبعْ ضلالًا أو هدىً
غير حنيني
/ جبلُ الريش أنا
ولهذا العصفِ أن يَسكنني /
لي فمٌ أصغي به
قرب فمٍ يلهثُ ،
لي نارٌ تغطيني من الداخل
لي عينٌ ..
تراني
ولي الموتُ كفافي في غدٍ أو أمسِ
أما حاضري
فهو الرعشةُ في كفّ شمالي
حينما تغرق في كف يميني
**
ثَمَّ عندي ما يقيني من يقيني ..
(طاهر رياض)
(1) خشبٌ
الكمانُ شقيقُ التابوتِ
الجيتارُ صهرُ كرسي الإعدامِ وسريرِ القحبةِ
البارُ ابنُ عمِّ المشنقةِ
اللحظةَ أنصِتُ إلى الكمانِ يتناوَحُ (إذ يَذبحُ بالقوسِ خاصرتَهُ)
الكرسيِّ يتضعضعُ وسريرَ القحبةِ
الجيتارِ قطّعَ شرايينَهُ
البارِ يئنُّ تحتَ كؤوسِ الجُلاّسِ
أنا أكهنُ لماذا الكمانُ يَتناوَحُ والكرسيُّ يتضعضعُ والبارُ يئِنُّ والجيتارُ يقطعُ شرايينَهُ إلخ...
يُريدونَ أنْ يعودوا أشجارًا إلى موئلِهِمْ في الحديقةِ
عائلَةَ اللهِ في الحديقةِ
لكنْ ثمّةَ أنا
منْ أيِّ شجرةٍ قُطِعتُ أُقطعُ و
إلى أيّةِ الحدائقِ سوفَ أعودُ
.
(2) مقهىً سماوِيٌّ
أفكِّرُ حقّاً وأنا في هذا المقهى (الكرمولِ)
أينَ سأكونُ بعدَ 30 أو 50 من السّنواتِ
هلْ سأظلُّ أرتادُ المقهى هذا
هلْ سيظلُّ المقهى كما المقهى
حقّاً يطبُخني ما أفكرُ بهِ
أينَ سأكونُ بعدَ 50 أو 30 من السّنواتِ
في أيّةِ بلادٍ
في أيّةِ مقاهٍ غير هذا سأكونُ
القهوةُ تغتلي حمراءَ في العروقِ
ربّما (أحدِسُ) أنَّ المقاهي سَتُغادِرُني في لجلجةٍ وصباحاتٍ
تاركةً بي ضجّةَ الرّوادِ
المقاهي التي أوسَعتني أرصفةً وكراسي
المقاهي التي كنتُ فيها أزرَقَ الطّيرِ
ربما سأكونُ بعدَ 30 أو 50 من السّنواتِ في مقهىً
نُدلُهُ غِلمانٌ وملائكه
.
(3) حينَ الحنينُ
على قبورِ إخوتي
على الأرضِ
عليكِ
على نفسي
على الطّفلِ
كقوسِ قزحَ أنحني
(طارق الكرمي)
أحلم بالنهار
ين أحلمُ بالنهار
يستاء مني والدي
ويضجُّ مني إخوتي
ويحاصرون الصبح بين أكفهم
ويوصدون نوافذي نحو القمرْ.
حين أحلم بالنهار
تغار جاراتي
ويبدأن النميمة والوشاية
في المخيم يحلمون
بقتل قبرة تسافر في
المطرْ.
حين أحلم بالنهار
تغضُّ أمي طرفها
وتقول باستسلامها المعهود
كم من يمامٍ هانئ في الحقل لا يشكو الضجرْ.
حين أحلم بالنهار
تفوح رائحة الورود بمعطفي
ويطل نجمٌ من ثنايا أحرفي
ويصير للأحلامِ طعمُ
القهوة العربية
وألاحق الوعد المخبأ في
عباءات السفرْ.
في حضرة الأزهار أبكي
دائما
وأعد أشواكي
وأحصي دمعتي
في حضرة الأزهار
أصغي لانكساراتِ القصائد
في دمي
وأشيحُ عن فرحٍ توارى
خائفا بين الشجرْ.
حين أحلم بالنهار
تغار منِّي زنبقاتُ الحقل
واللحنُ الجميل على
الوترْ.
(صباح القلازي)
مِنَ الموتِ نهربُ للموتِ
مِنَ الموتِ نهربُ للموتِ،
نبحثُ عن فُسحَةٍ للحياة…
"تضيقُ بنا الأرضُ"
تُغمِضُ عنّا السماءُ
نوافذَها
والصّواريخُ تصطادُ
أطفالَ غزّةَ
تصبغُ ساحلَها بالدمِ
الأرجوانيّ،
لنا مَنْ ؟!
وراءَ ارتعاشِ البناياتِ
يختبئُ الطّفلُ
يسألُ
والطّائراتُ تجوبُ
الفضاءاتِ
بينَ السمواتِ
والأرضِ
تقصفُ أرواحَنا
مَنْ لنا ؟!
يسألُ الطّفلُ تحتَ
الرّكامِ
وينهضُ كي يهزمَ الموت …
(سميح محسن)
العصفور
أريدُ حباتِ كرزٍ تحرسُ غيابهُ عن مشهدِ الصباحِ
فنجانَ قهوةٍ
يحمصُ الوقتَ
على مهلٍ
العصافيرُ تشاركُ في مظاهرةٍ جماعيةٍ
تقيمُ احتجاجَها على قيامِ النهارِ
من قالَ إنها معنيةٌ بإيقاظِ الكائناتِ؟
تتورطُ الكائناتُ جهرًا بقصة العصافير
ولا تلتفتُ إلى نواياها
يحبُّ العصفورُ أحيانًا أن تكون له أسرار
يخفيها عنا في عش بعيد
يشتركُ العصفورُ في التوازنِ البيئي
وفي خللِ الكائناتِ الضاربِ إلى المنطق
وفي القلب
يتركُ غناءَهُ الحزينَ في كل مساءٍ
مادةً لعزفِ أحلامٍ لا تنتهي
أيها العصفورُ
يا شريكَ الفضاءِ والجناحِ
كم مرةً ستعبر هذا المنتهى حتى تصلَ رسَالتكَ؟
كم مرة ستفقدُ الحنجرةَ حتى يصلكَ المعنى؟
كم مرةً ستموتُ في الأزرق لتدركَ أخيرًا
أنكَ كائنٌ أرضيٌّ؟
(رجاء غانم)
يعترينا الذهول
يعترينا الذهول ونحن نُمسِّد أرواحَنا آخر الليل
نرطب آلام الفراق بأحلامنا السرية
وشطحاتنا المُتغضِّنة
وأفكارنا المشوشة عن رحيلنا صوب مدن لم نزرها
وشطآن نراها في مخيلتنا الزرقاء
وعاشقة تلاشت في القصيدة
وكلمات ماتت
في رطوبة الكتب الصفراء.
تعترينا الرغبة الغامضة لدفن الأفكار النازفة
المريضة بالحمَّى
المصابة بجدري الحنين
والهتاف على عتبات الزمن
في بهو السكون
في أروقة الفراغ.
وحيدة هي الوساوس التي تعيد لنا الطقوس والشارات
تذبح صمتنا من جديد
وترمي بنا إلى سواد بعيد
وغياهب من ظنون.
زرعنا الكثير من القمح في سهول الشغف
وحصدنا الكثير من الشوك
وما كان يبدو غيمًا حنونًا
تقصفت سيقانه تحت سقف السماء
امحت تلك الظلال
ذوت عناقيد الأمل
وماء الصبابة تبخر.
والآن ...صبيحة تلك المجازر الليلية؛
من الحكمة قطع حبل الوساوس
رد الأذى للأسطورة
وللشجر الذي يخفي الغربان.
غريبة هي اللحظات الأخيرة في غليان النعاس
تومض لطيور حزينة
ترفع راية السوء
بينما الزهور تتفتح في حقل نهار آخر
وتعطي النسيان...
وردةً يتيمة.
2019-11-16
(موسى حوامدة)
(1) شعرة من ضفيرة..!
ضى باكرًا..
ولم يَتنبَّه لطقوسِ الوَداع الأخير..!
مَضى باكرًا..
رغمَ دَمع الحبيبةِ..
إذ شيعتهُ..
ورغمَ الزَّعيم..
وأنفِ العشيرَة..!
ستذكره الأعينُ الظامئاتُ..
وتشتاق كلُّ الصبايا..
حضوره..!
مَضَى دونَ زادٍ..
مَضَى دونَ سيفٍ..
مضى دونَ شيئٍ..
سوى
شعرةٍ من ضفيرةْ..!
(2)
آخر ما قالَهُ بنو الأحمر..!
سيمضي كثيرٌ من الوقت..
لندركَ معنى السُّقوط
سَيذوي..
كثيرٌ من الوَرد في حضنِ ولاّدة..
لنفهمَ معنى غَياب الضيّاَء..
عن الوارفاتِ الظِّلالِ..
ونَعرفُ معنى..
سُقوط القبيلة..
ستسألُنا كلُّ ناصَياتِ الخيولِ عن الغافقي..
وصقرُ قريش..
سيدخلُ كلَّ صُدورِ الرّجالِ
وقد أنكروا..
نَعْتَهُم بالرجولَة..!
سينهضُ من بيننا طارقٌ..
ليُحيي رمادَ المَراكبِ
يمشي ويبحث..
عن ذكريات..
لدينا..
قتيلة..!
(عبد المحسن نعامنة)
الهاوية
أُلازمُهُ صُدفةً منذُ نحو (30) عاماً
ولَم نتعارفْ بَعْد.
مَضى وقتٌ طويلٌ حتى تخلّص من ملاءة أحلامهِ
الواسعة التي اتَّسخَتْ من كثرة ما جَرْجرَ أذيالَهاَ
خلفَهُ في الأزقّة ثُمَّ رَماها وآثرَ السَّيرَ عارياً
حتى انطبعتْ قُبُلات الشّمسِ على كلِّ جسمِهِ كالنّدوب.
لَم يُصدِّقْ كيفَ نجا من طير الرّخِّ ومن شاطئ ظَهْر
السَّمكَة الكبير الّذي يحنُّ إليه أحياناً
لَمْ يُردْ أن يفعلَ أيّ شيءٍ فَعَلَهُ. كان مُضطراً فَقَطْ
إلى السُّقوط بحكم قانون التُّفاحة الذي ارتَعَبَ منهْ
جدّاً في أوَّل الأَمرِ عندماَ حاوَل التشبُّثَ بحافّةِ
الَهاويةِ اللَّزِجَة.
وَهَوى حتّى لَمْ يَعُدْ يعرفُ غيْرَ أن يهوي أكثَرَ
في هاويةٍ بلا قرارٍ سوى حُفرةٍ بحجمِ جسمهِ
..لَمْ يَعُد إلَيْنا أحَدٌ من قاعِ الهاوية.
في الهاويةِ كُلُّهم يَهْوُوَن. وليس من اللاّئق أنْ
تقفَ مُعلّقاً في الفراغِ مثل ثُقبٍ في ثوبِ السّماء الأسْود.
في الهاوية لا وقتَ للنَّظر في مَعْنى السّقوط
طالَما لا يوجد خيارٌ آخر.
في الهاويةِ مُتعة لمَنْ لا ينظُرون إلى أسفَل.
فكُّرْتُ يَومًا باستَعمال البراشوت. ولكنّني لم أتحَمَّلْ
مُفارقة رفاقي الّذين كانُوا مُسرعين جدًّا بلا سَبَب
واضحٍ. فاضْطُرِرتُ إلى تمزيقِهِ وعناق صخرة كبيرة
للَّحاقِ بِهمْ.
اليومَ أصبحتُ أستمتع بهذه الهواية
حّتى أنني لا أشعر أنني أهْوَي.
(سامر خير)
نُعِدُّهم للفقد
نعلم أطفالنا
معنى الفقد والغياب
طوال
الوقت.
كل الألعاب التي
ابتكرناها معهم
هي حيل سرية
لنخبرهم
بأنهم سيفقدون كل ما لا
يملكونه بعد
بأن القلب ورم دائم
لا نستطيع أن نستأصله
بانه سينتفخ
حتى يشعرون بأن هناك
بالونًا في صدرهم
وأن هذا سيتكرر
كثيرًا.
هذا موجع
ومخيف، أن تعرف بأن على
طفلك
أن يختبر يومًا
كل هذا الألم
أنه سيتمنى لو لم يولد.
ولكن حتى ونحن نفعل ذلك
حتى ونحن نعدهم
للفقد
هناك ما ننساه
أنظر إلى تلك الأم
تغطي وجهها بيديها
ثم تبعدهما فجأة وهي
تضحك
والطفل يضحك
كل مرة يخرج وجه أمه
الشمس الوحيدة التي لا
تؤذي
حين يقترب منها
إنه يتمرن الآن على أن
يثق بالغياب
أن يحتمل الفقد
أن أمه
ستعود
بنفس الوجه
بنفس الحب كما تركته
هكذا سنتعلم أن لا نفزع
حين يخرج أحبتنا
من البيت
أن لا نخاف من الخسارة
كلما غابوا عنا
لدقائق
ولكن هذا كذبة، أليس
كذلك؟
كل مرة نغادر فيها
نعود محملين
بالندوب
وبالجروح
وبوجوه كثيرة تحت
قمصاننا
أنت تعرف ذلك جيدًا،
بأن كل مرة تضع يديك
على
وجهك لتخفيه
تفعل ذلك
حتى تهوي ضربة السكين
على مكان
آخر
في
جسدك.
نحن نعود نشبه أشخاصًا
آخرين
حتى حين نخرج
لشيء تافه كشراء الحليب
هكذا
نبدأ بخسارة بعضنا
البعض
اللحظة
التي نبدأ فيها
بالحب
)داليا طه(
قصائد
1
كل شيء ينام معي
تحت شجرة الكستناء:
الرغبة في الرقص والكلام
و الخوف من القطيعة
تردُّدي في البوح
و اندفاعي للعناق،
الريح والحجارة
و صدى الانهيار.
2
حين تنام الشرفات
تتفتح وردتي:
أسوار المدرسة البعيدة،
رسائل عزلتي ورائحة البيادر.
حقول المارغريت…حقول بلا نهاية،
إياب الكرديات من النهر بالزهر والأغاني
و رائحة الأرض المحروثة توًّا.
حين تنام الشرفات
تتفتح وردتي:
اصابعي الملوثة بالحبر
و هدايا "وداد" ،
غناء "ليزا" في الممر
و بكاء "سامي" عند الفجر.
حين تنام الشرفات
اشّم رائحة البطولة
في بيانات اوّل الثورة
فأنشد السكينة في كلماتك الناعسة.
3
لأجلك،
لأجلك أنت تتسكّع يقظتي
في حديقة المساء..
أفق من عنب لآخر النهار،
كركرة الماء لقهوة اخرى
و رحيق الجسد الذي
سيبتعد بعد قليل.
4
هاك الجبل،
هاك الجبل كلّه بين يديك
بدروبه الصامتة
و سفوحه المشتعلة بالأريج.
هاك الجبل
بحكمته العالية
و منحدراته التغري بالانفلات.
5
الزهرة الذابلة على الرصيف
تشبه قلبي الذي هلكته الغيرة،
العصفور الذي يرتعش على الغصن
يحاكي روحي التي تتفتت لغيابك،
و هذا الناي الذي يعوي في الليل
هو ندائي الأخير:
لا تتركيني!
6
أنظر اليك
فأرتعد-
لقد تغيرت كثيرًا.
7
في حديقة الريح
تلتقي أصابعنا
فيما نمشي صوب المدى
الذي سينكسر عمّا قريب
عن ضحكة كبيرة.
في حديقة الريح
تتفتّح الجداول
مثل قهقهات في مساء العزاء
في حديقة الريح
تتألّق أقمار سذاجتك
فيتردّد نحل قلبي وجلًا
أمام عسلك الطّاغي.
في حديقة الريح
تتباعد أصابعنا كوميض موجع
فيما نمشي صوب المدى
الذي سينكسر عمّا قريب
عن غصّة كبيرة.
8
وصل الّذين نحبّهم الى الميناء
ينتظرون عودتنا
وصل الّذين نحبّهم / حفاة كالريح
و قلوبهم طافحة بالمودّة.
وصلت الأرض كلّها الى الميناء:
المدينة و الريف والمخيّم،
الدروب ورائحة التين،
صبايا النشيد وهسهسة الغدران
الرعاة وصمت الشبابيك عند الفجر
إغفاءة الشهداء ورائحة الطابون
الرايات وبحّة الناي،
و كلّ شيء وكلّ شيء..
ووصل حنيننا الى الميناء
قبل أن نصل
وصل حنيننا
و لم نصل.
9
أتسلّق البحر
كيّ لا تبلّلني
كلماتك الجارحة.
10
ليلًا
أحلم بامرأة اسمها "إيفا" ،
ليلا
يحلم صديقي بامرأة اسمها "إيفا"
فأغار.
صباحًا
أتسلّق صليبي كيّ أعانق الّله،
صباحًا
تتسلّق " إيفا " صليبها كيّ تعانق الّله
فأغار.
)خالد درويش(
نصف قصيدة
أعذريني كي أكتب فإنني أكره الكتابة والريح والقادمين دون عذرٍ من
وصايا العدم، صوتُ اللهِ في صوتكِ استقالَ من مسافاتِهِ واختارَ جرحاً فضّيّاً على
صدرٍ بارزٍ كي يؤلِّفَ اشتهاءاتِهِ الرخيصة، ويدخلني من باب الممثلين الثانويين.
خللٌ صارخٌ في هذي البقعة الناتئة، المالُ سيدُ الأديان، الأوجاعُ
نصفُ محاصيل العام مكدسةٌ فوق الشوارع الفرعية كلها بنسبٍ لا تكافئُ بعضها،
والحكمةُ قبةُ الذين تجاوزوا الشطر الأخير من العمرِ، أما الطموحُ الفرديُّ فليسَ
أكثرَ من لعبةِ شطرنجٍ مع الذات.
على الأرصفةِ جراحٌ
وكراماتٌ للبيعِ، وعلى الأسطحِ مواضيع دنيويّة جداً تطبخُ أحلامَ الجاراتِ بعرسانٍ
ينسون تواريخهنَّ العاديّة، ويعطونَ بُعداً رقيقاً لما توسّمنَهُ في المسلسل
الأخير، علاّقاتٌ على أبواب الحوانيتِ تكسرُ أنفَ جارنا الذي لا يستطيع، فيما
يؤجّلُ الولدُ الذي لم يتعرّف بعدُ على طبيعةِ والدِهِ حلمَهُ على باب الحانوت
الكبير.
عليَّ أن أطلبَ منكِ أن
تخبئيني من الريحِ، أن ترتديني كمعطف الشتاءِ الذي لديكِ، وتلقميني ثديكِ الصغير،
أقاتله ويهزمني، يقاتلني ويهزمني، لا تقولي كلمةَ عشقٍ في هذا المصير الذي من حجر.
إبنُ الكلبِ هذا الدليل،
لا يرسمُ خططًا أو يبشّرُ بفردةِ حذاءٍ حتى، لا يمتصُّ مطرًا ولا يعدُّ أصابعه في
الرحلة الكاملة من بيتنا حتى أصابع الذين يخططون.. وعندما اجتزتُ السوقَ كنتُ على
درايةٍ بأنَّ موقعَ الليلِ هناك غيرَ مناسبٍ، وأن قطعةَ بسكويتٍ من إنتاجٍ
إسرائيليٍّ قد يكون لها مذاقٌ أجملُ من كلِّ ما ترامى في غبار السائلين عن الأسعار.
الأشرطةُ التي تكربسُ
نفسها دون انتظامٍ على مرمى نظرٍ قصيرٍ تتحدى بصوتٍ مبالغٍ فيه حتى الذي تدرّبَ
على السكوتِ في صدره.
أصقلُ سيفي جيدًا وألقيه
على الطريق معترفًا بقليلٍ من الجبن الذي لديَّ وبعجزي عن إدارة إرادتي حتى، تتكوم
النظرياتُ جوار السيفِ، وأمضي خالياً منهما.
لم أفلت بعد من قدرتي على
القول إني أحبكِ وإني لا أريدكِ، أتمنى وجهكِ في لياليَّ التي تطلُّ على الفضاء،
وجهكِ فقط، ليرتّقَ ما خزّقتْهُ اعتقاداتي القديمة، لكنني أصحو على السريرِ نفسه،
وعلى نفسي يقبعُ التواطؤُ، وقحًا منكمشًا ومدعيًا ملكيته.
أصرخُ فيكِ ألم تفهمي
بعد؟ ألم توقظي غباءكِ المغسول جيداً؟ أغسلُ ذكراكِ من جراحي ومن عينيكِ
الهادئتين، لو لم تكونا هادئتين..!!
الشوارعُ، يا اللهُ،
الشوارعُ
ذكراكِ
الألمُ اليوميُّ
العملُ المقزّزُ
وجوه الأيامِ
حيطانُ الشوارعِ
السياراتُ
الغبارُ
قصائدي
أصدقائي
الرملُ
البحرُ
الكافتيريات المرتبة
أسعار أشرطة الموسيقى
الأسواق
مواصلاتُ السجون
بيوت الجيران
القمامة
المحلات
الإذاعة الآلية
الوزارات الكثيرة
ربطات العنق
أجهزة الهاتف في السيارة
وفي اليد
الذقون الحليقة
الأغنيات
الشرطة
البحر المخنوق
احتفالات البطولة
اللقاءات الصحفية
الإعلانات الشاهقة
الأسماء على البطاقات
الصغيرة
أنواع الدخان
الحديث عن الدولار
الجيش
الجيش
شركات البناء
تصليح الطرق
الاجتماعات الهامة
وأشياء أخرى
وما زلتِ تمنعين عني
صدركِ.. كي أنام..
)خالد جمعة(
طروادة
في جوف حصانِ طروادة
استنكف محاربٌ صرعته العتمة
ها أنذا أكتب اسمه بمعجون
الأسنان
على مرآة الحمام.
ها أنا ذي أحصي مخاوفي
بدلًا عنه
لأخفّف عن سيف وحدتنا
.........
منذ حاصرت طروادة حصانها
لم يتغير في العالم
الكثير.
ولم يحدث شيء مما
انتظرناه.
خيل كثيرة
حلمت بدخول طروادة.
ومنها كتابي الأول
ديوان مليء بالفرسان
والخسارات.
لم يلتفت إليه النقاد
ولم يعبأ به حراس الأسوار.
..........
منذ أن هُدِمتْ طروادة
لم تنجح القصائد بتغيير
العالم
ولم يعد الشعراء يبتعدون
عن أنفسهم.
كتب كثيرة
حاولتْ استعادة الأحلام
الضائعة.
ومنها كتابي الأول
ديوان مليء بالمرايا
والفشل
ظلَّ خارج تاريخ النهار
والخيل.
لكنه منذها
احتلَّ أكثر من وسادة
واستطاع أن يشبه وجه
الليل
(أيمن إغبارية)
(1) موسيقى خافتة
تسللت إلينا، من بيتِ شخصين
اختارا أن يعيشا معًا
منذ زمن طويل.
شاهدناهما يتنقلان
بحركاتٍ صامتة
من الصالة الى الشرفة
ثم يتبادلان قبلة
تدلّ أنهما ما زالا على
حبهما القديم.
لم يكونا يضحكان
أو يتهامسان بصخب
أو يتبادلان مثلنا
النكات والسجائر المشتركة…
كانا مسالميْن
مثل عدويْن لدوديْن
استنفدتهما كل الحروب !
ربما لم يذهبا في إجازة
منذ وقت طويل
وجسداهما متعطشان لغياب
قصير.
لكنّ الرومانسية
ليست فقط
قضاء أمسية على البحر
فهي أيضا
أن تهرم ملامح شخصين معا
تتساقط أسنانهما
وهما يبتسمان أمام مرآةٍ
واحدة !
وهذا ما لن يحدث
لعاشقيْن مثلنا
يتسليان على درجات السلم
الحجري
ثم في لحظة تعب
يسير كل الى بيته !
(2) حلم
حلمتُ يا حبيبتي
أن جارنا يستحم
جارنا الشهم ذا الرائحة النتنة.
وأنّ قطتنا الوديعة
التي كانت سببًا في خلافنا
انتحرتْ في غسالة حديثة.
وأنكِ أخيرًا تطرقين الباب
فأهرع ولا أجدُ المفتاح
ولا أصرخ
كي لا أستيقظ من حلمي !
فتغادرين…
ويتسرب وقع خطواتكِ
كماء لا يتوقف
من شقوق الباب.
كم كان جميلًا
أن أستيقظ
على صدى خطواتك
الذي غمر البيت
وإن كنتِ تغادرين البناية !
(3) لحسن
الحظ
يحترق قميصي
تحت المكواة
وبالكاد أشمّ الرائحة.
سيجارة تسقط
من نافذة البيت
وتنطفئ بين نهدين عابرين.
وقبلة بالخطأ
على فم جارتي العجوز
في عناق مواساةٍ طاريء
على درَج البيت.
باب ينغلق
على أصابع طفل
يمرّ مرحًا الى جانبي.
وفي عتمة المساء
أعضاء رجل تتكسر
تحت عجلاتي
وأنا مشدوه خلف مقود
السيارة.
هذه الأخطاء اليوميّة
علامات حبّ جديد
ولحسن الحظّ
أنّ هذا الحب لن يدوم طويلًا…
(4) نبات
أنا بيتي ومسافتي
أقيم في نفسي
وأموت فيها
جذوري أشرعةٌ في التراب
وجذعي مقعد الريح
ومتكأ الكائنات
تنبض فيّ الأرض
وأنبض في الفضاء
أسافر في أغصاني
أتنفس الأفق المشمس
وأعجن الماء أبناءً بلا
ولادة
أنا بيتي ومسافتي
أقيم في نفسي
وأموت فيها.
(أنس العيلة)
أنا وهولاكو
قرّرتُ أنّ أهدّئ من روع الابتسامات التي رسمتُها في وجوهكم
لا تصدّقوا هذه الطِيبة التي ورّثني إيّاها الفلاحون بالقوّة
فأنا ليس عندي غضبٌ على الآباء الذين يضعون أطفالهم في الأفران
أعتبره مجرّد تصحيح خطأ
ليس عندي غضبٌ على هولاكو
أعتبره فضوليًّا أكثر من اللازم
ليس عندي غضبٌ على الدكتاتوريّات التي تشبه تنانير الغجريّات
المتسوّلات في البلاد الإسكندنافيّة
ليس عندي غضبٌ عليكَ. أوقعتَ المملحة على جرحي دون أن تقصد، مارًّا فوق صدري مثل نسرٍ. وعندما تجوع تمزّق خرافي بأظافركَ التي تظاهرتَ بأنّها أداةٌ للعزف على آلتكَ. كلانا عزف عن التفكير بالخراف. لم نَعُدْ نشفق عليهم بعد أن اختفوا تمامًا في معدتك.
غضبي المنسيّ مثل زقاقٍ في القدس القديمة
مثل صورنا التي لم تَعُد تفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
أسحقه مثل ناموسةٍ عجوزٍ وبطيئةٍ لا تفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
عندي تساؤلٌ بسيطٌ حول الموت الذي لا يفيد الماضي ولا المستقبل
بشيء
الموت الذي كان يرسمه هولاكو وهو في الخامسة
أنا شخصيًا كنت أرسم مشانقَ فارغةً مهيّأةً
وصواريخَ حرّةً ستحلّق في السماء مثل طيورٍ أسطوريّة
كبرتُ
وكبر ندمي على خيالي الشرير
وكنّا، أنا وندمي الذي لا يفيد الماضي ولا المستقبل بشيء
نتفرّج على صواريخ تحلّق عاليًا في الجوار
ثمّ تسقط بلطفٍ على رؤوس أصدقائنا
(أسماء عزايزة)
أشياء
في بابِ المغاربة
تجلسُ الآلهةُ
تأكلُ البرقوقَ
وتغني للمحرقة
والطفلُ الذي يرسمُ نجمةَ
داود على جبينِهِ
يحملُ بندقيةً على حافةٍ
النهر
ويغني للسلام
ويهدي الأطفالَ في
السامرة
قنبلةً موقوتةً
وثقباً في الرأس..
في بابِ المغاربة
تنبشُ الآلهةُ القبورَ
وتقرعُ كل طبول الحرب
وتكنسُ جماجمَ الأطفالِ
المتحجرة
من طريقِ العابرينَ إلى
الهيكل
وحشودُ المؤمنينَ الغزاةِ
تهتفُ:
إلوهيمْ
إلوهيمْ
في هذا الكون
ثمة أشياء لا يراها إلا
الله!
(أحمد الأشقر)
الكلب يقودني
بما سأصبحُ أعمى ذات يوم
فعيني اليمنى شبحيَّة الرؤية
مذ كنتُ صبيًا
واليمنى أرهقتُها
بأثقالٍ من كتب، هموم
وحروب
يومها سأقتني كلبًا ضخمًا
وأحملُ هراوةً غليظة
وكم سيكون منظرًا مؤثرًا
في الأمسيات !
الكلبُ يقودني
والهراوةُ في يدي
ووجهي ممتدٌ ممتدٌ
في اتجاه الذهول .
(رسمي أبو علي)
(1) ما الندم؟
ــــــــــــــــــ
بالكاد، أتذكّر وجهَ الغريبة. عينان تحلمان
وتبتسمان واللوز فيهما أزرق يضيء. وقفنا على عتبة عمرٍ واحد إنما لم نعبر، ولا
فلَقْنا الرمّانة إلى نصفيها.
عاليةً كانت، وصمتُها مديدٌ كحقل القمح في أبريل.
الآن، أصحو إلى سماءٍ لا لونَ فيها، وثمة هذا
العطش كالغبار. لو أصغيْتُ إليَّ قليلا في صوتها؛ لو عُدْتُ طفلًا ركض في غابته
وضاع.
الصمتُ يُرى ويمكن كَنْسه أيضا. المرآة ليست على
عاداتها فلا تنبؤ بقادم ولا بمَنْ رحل. النرجس على الحافة، ما زال ينحني، هناك،
وقد جفّ الماء.
الآن، أصحو إلى أوّل الكون، أنا صوتي في الأبدية،
وليس سوى العتابُ مرَّ بيننا، ويحمل جثتي على ظهره ويرحل بي في الفراغ المديد
المديد. وما من غرابٍ أو حتى شجرة.
(2) مدينة العميان
لم يكن أليفًا؛ بل ظامئًا بعينين غائرتين، شاسعًا
وأزرق، كله يميل إلى سواد؛ وبلا سفينةٍ أو غرقى أو حتى مرفأ؛ ولا تمورُ فيه أي
طوايا.
ذات صبيحةٍ؛ وجده أهل
المدينة قربَ بابها، مثل قطةٍ ضالةٍ قرب متسولٍ أعمى. ظلّ هكذا حتى مات؛ قرب بابها
بلا مجد أو ذكريات.
إنه بحرٌ، لا يدري أحد
من أين. إنه بحرٌ ومات.
(3) أحد
كان الماضي يندِفُ ثلجًا على أيامه المقبلة
واللهاثُ غائرًا وعميقًا، وللرعبِ دويٌّ، وللصمتِ موتُ الصدى المتروكِ خلفه لمّا
أدار المفتاحَ في الباب.
حدث ذلك لما ركض حافيًا، من طفولته حتى بلغ
الأربعين ولم يجد في انتظاره أحد.
هكذا فرّ رجلٌ، على عجلٍ، كي لا يقتفي أثره أحد.
(جهاد هديب)
فناء الرغبة
تذوي الرغبة، تنزوي، دائمًا ترتد الى الخلف
لا بذرة تنثرها الحقيقة
في وجوهنا
لا بقاء للأجمل، لا نهر
ولا صبية
ينمحي اللون في لوحة
التيه،
بكارة العشق أنَّة
دائمة تتردد في المكان
لِمَ ؟
نفرغ العبارات من
موسيقاها الصاخبة
فضاء باتساع الوقت،
موجة ولا تلمس شاطئًا
خدر يشاطر اليد
انكساراتها،
خوف يجاور الفكرة،
الفكرة صامتة، الصمت فكرة أيضًا
كل ما يحدث على الزاوية
المقابلة محض لَغْو
كأنني أمسك تاج الغواية
أشق الحكاية من طرف
مختلف
مجدولة بي
أيتها الرغبة
متنصلة منكِ تماما
أبتسم
وداع يجرح كفِّي
أشد علىَّ وثاقي
وأتوغل
مترددة بين شقَّي فكرة
يجذبني الأعمق
بقية الألوان أكثر
احتمالًا دائمًا
يصفر لحنه
أحاول فك تشابكي
اللحن يفتح ثغرته
أشتبك بي
أرتدي خوفي قناعًا
الرفيف الداكن بين
جدراني
بلا صدى
على ما تبقى من،
أحاول الكتابة بأحرف من
حكايات ورمق من غرابة اللحن
أجادل الصمت والتجلِّي
الأخير
أعد الأشرعة وتنهدات
البحارة القلقين
تجاوزت وحدتي،
عرفتُ أن ما ينقص
اللوحة لم يكن لونًا، لم يكن ظلًا، لم يكن فراغًا
كان فقط رغبة الرسام في
تجسيد فكرته.
)سمية السوسي(
أو أزرقٌ مُبللٌ بالنعاسْ
أشمُّ اسمَكِ حاضرًا في غيابِهِ، وأفرفطُ حروفَهُ على لوحةِ الآتي، لتنضجَ الفكرةْ. تلكَ الفكرة حيرانةٌ أمامَ المساءات المُتلعثمة في بلادٍ يُحاصرُها غيابكِ. فيما ثوبُكِ يُدرّب الريحَ على الرقصِ، كنتُ أغنّي صمتَكِ المدى، وقمرٌ خائفٌ أربّتُ على كتفيه الأبيضين، ليهدي روحكِ طمأنينةً منسوجةً من نبضٍ وماءْ. حارسًا اشتياقي من نارٍ مقدّسةٍ تشتعلُ كلّما غنّتْ العصافيرُ اسمكِ في ليل ذاكرتي المعجونة بليلِ رؤاكِ.
أمّا مناماتُكِ القصيرة، فأيّ جنّةٍ تصيغُ وأيُّ
أنهارٍ تصافحُ صفحاتِها الزرقاء؟ ضُمّي يدكِ التي تُفرفطُ لغتي بحثًا عن ملامحها
فيها، يدكِ الخائفة من توحش مفرداتي، ضُمِّيها إلى صدرك لتطمئن، ففي صدرك قلب لي
ينبضُ، لأنّي أحبُّ الياسمين، أتسلّقُ جدران المعاني وأغرقُ في عطرها. وأسألُ:
ماذا يُغنِّي الجدارُ
إذْ ينبضُ بمخيّلته الراقصة؟ وعلى أيّ مقام يدندنُ الدهان؟ ماذا يعني أن يصوم
البياض عن التجرّد من بياضه ليقلْ شيئًا ما؟ هل سبق للنومِ أنْ رأى؟ ماذا يرى
السائل في سيولة المعنى؟ هل تربّتْ اللغة بما فيه الكفاية لتحمل في ملامحها كلّ
هذي الأخلاق؟ لماذا تنزف الكلمات كلّما مسّها ماسْ؟
...عن أيّ لسانٍ يتحدثون
هؤلاء الغرباء؟
في حنجرةِ الهواءِ
كلامٌ مبحوحْ. والسؤالُ عالقٌ بين حاجزين من ناياتٍ مُفخَّخة بالحزن.. السقوطُ
عادة الأشياء التي من غُبار، والمدينة غبارٌ معجون بذكرياتٍ توتّرُها الوجوه. كذلك
قيل في سِفر التعب، ولكنّ شهقةً منسوبةً للسؤال مزجتْ الحزن بحيويّةِ النهر
الدافق، فكان أنْ توحّدتْ الإجابات في اشتباكٍ لم يشهده ثاقبٌ ذو عينين ترى أبعد
من ظله، والشمسُ محجوبة بالغيم كانت فلا ظلّ بقي ولا رؤية، فكتفى الليلُ برؤاه.
السطرُ الأوّل فُقد في
حادثِ سيرٍ لم يُدوّن، ولم يتابع إصاباته مشفى ولم يرَ الشاهدُ الوحيد دمًا على
الإسفلت، ولم تنحنِ الشجرة التي كُسرت ساقها والغيمات مررنَ بعاديّةٍ، الرصيف ظلّ
على برودته والبنايات تنفّست حيادها كعادتها وإشارة المرور تتلوّن كحرباء
إلكترونية بقيت. لأن العالم مُجازٌ في رحلةِ نقاهةِ مع ذاته تاركًا لنا المَجاز...
دربًا وحيدًا مع كثير من الحزن والأمل.
عنه قيل
:
لا يستثني اسمه من
قائمةِ الغرقى في ولهِ التيهِ، ينتشي حين يقرأ عيونًا يسكنُها التنقّل الهشّ بين
جمالٍ وآخر، يُغنّي كذلك للفراشاتِ اليحترقنَ في نبع ضوءٍ ساخنٍ يستحمُّ في وهجه
الانتحارُ الأنيق، أيحزنُهُ السؤال مُطأطئًا ودمعتين على خده؟
وكانَ يمسِّدُ المللَ
الضّال، ينفخُ بالوناتِ المعنى مُعلّقهنّ بمشجبِ الانتظار على نافذةِ البهاء،
ملوّناتٍ بالدهشةِ، لائذاتٍ بالأزرق الواعدْ، الأشياءُ مستورةٌ بمحضِ الصدفةِ دائمًا..
هكذا رأى الغناء. لذا الريحُ كانت تُصفّر بقسوةٍ وعَلِقَ الرقصُ في الشِباك فكانتْ
الراقصةُ والمدى عمى، ففكرت الأرضُ أن تُنظّف ماءها الراكد فكانت بيضاء والنبضُ
يرتفع في أشجارها وتنضج الثمار سريعاً وتتساقط.
العصفور بدأ يزقزقُ
أرقَهُ والقبعةُ تزفُّ الخدعةَ في ممرِّ الحالمة، أما هو ففي سكينته يسكنُ..
يفلترُ النارَ من معانيها لتكن بردًا وسلامًا من حيادْ.
حَلُمَ بالباب المفتوح
على شجرة ملونة في الجدار. الشجرة المحاطة برقصات ورود حمراء. الظلال الكثيفة في
غياب الكهرباء وحضور النافذة. الهواء المتسلل إلى عرق جبيني. الموناليزا المعلقة
في صمتها. السقف المائل للزرقة. النار المتقدة في اشتباكات الروح. الروح المغادرة
إلى التزلج في صيامها. السنونوة التي تركها طليقة في سماء الأحراش. والسيجارة،
لماذا لم يعد لها وتركها تحترق وحدها في المنفضة؟
(يوسف القدرة)
ضجرٌ
ضَجِرًا
كأنَّ فراغًا مهيبًا
يفتحُ لي ذراعيه
على مقاسيَ تمامًا
تُحيكُ ليَ العزلةُ معطفًا من أقمشتِها
وتعدُّ لي كرسيًا منْ
طينِها في زاوية الحديقة
لعلَّ وردةً على مقاسِ
شجرة الكرز في حديقةِ جارتي العجوز ستتأهبُ الآن
وتعلنُ ألوانها كآخر
صرعةٍ في الموضة
المعطفُ الخريفيُّ يزهو
الآن بألوانِها
ويشدُّ قماشتَه فلا
يضيقُ ولا يتهلهل
وبهدوءٍ صوفيٍّ
وبسكينةٍ نبويّةٍ
ينسدلُ المعطفُ على
كتفيَّ
وأسألُ البردَ أنْ يتقي
اللهَ فيَّ
فأنا الآن منشغلٌ في
رتقِ داليةٍ تعاندني منذ سنواتٍ سبع
فلا ترابيَ ترابُها
ولا ملحيَ ملحُها
ولا دودةُ الأرضِ دودتها
ولا خضرةٌ منها ستعبرُ
كفيَّ
ولا كرزةٌ حمراءُ من
جارتِها ستعبرُ فمي
وليسَ ليَ الآن غير أن
أعترفَ
بأنَّ حكواتيًا لم
يَنْمُ بين شفتي
ولا شاعرًا تململَ في
صدري
ولا عازف قانونٍ شققَ
أصابعي
وعليَّ أنْ أعترفَ
أيضًا بأنّني لستُ مزارعًا مُثْقَلَ اليدينِ بالترابِ كي أتقيأَ ضوءَ الصبحِ على
غفلةٍ منْ أرضهِ ولستُ جنديًا حديثَ العهدِ بصيدِ الجنونِ
كأنَّما الضجرَ لعنةٌ
في الحديقةِ تحيلُ دودةَ الأرضِ إلى حائكة تخيطُ جرحَ أرضِهِا بخيطِ الوحدة
وكأنما الضجرُ صارَ
وسيلتَها الوحيدةَ لاحتمال كلِّ تلك العزلةِ ومداعبةِ كلِّ هذا الجنوح في الوردِ
وحينها، فقط حينها،
أدَعُ معطف الصوفِ على كتفيَّ، وأدخلُ في الفراغ.
(وسيم الكردي)
(1) مَدْخَل
أسيرُ
حول أسوار اللغة
ثلاث عشرة مرّة
فتسقط أسوار الكلمة
وأبتدئ رحلتي
عبر فيض النّور
.
(2) اغتراب
رماد سيجارة
يعانق حضن منفضة
وأنا ..
خلف النافذة
وحيدة
اتلّهى بجريدة
ذَوَتْ على شفتيها
كلُّ الكلمات
وشارع
يحتلّهُ
عويل ثرثرة
وصدى خطوات
.
(3) سندريلا
تمنيتُ
مرارًا مرارًا
تمنيت
لو أنّ حذائي
يرتدّ عن قدمي
سهوًا
ليتوهَ أميرٌ ما
في رحلةٍ بحثٍ مُضنٍ
عنّي
(ريتا عودة)
(1) الإنسانيه تموت خلف الباب
1
الأصابع السوداء
والبيضاء
الممدودة عبر العالم
الرديء السافل بالدعاء
هي أصابع إخوتي
2
تلك الأيدي مقصوصة
الأطراف
وتزحف نحو الفراغ
في هذا العالم الساقط
ومتروكة للخراب
تلك الأيدي لأصدقائي
3
كلُّ هذه الوجوه المشوهة
من حروب خسرناها
تلك وجوه الاطفال
المترامية
بين الأسلاك الشائكة
هي وجوه أبنائي
4
كل الأمهات الثكلى
اللواتي نسيهن العالم
أمام دور العبادة
يشحذن خبز يومهن
كلهن كلهن
أمي
.
(2) السماء ملأى بالأعشاب
أي صديقي
هل الارض ستدوم بالعواء
؟
أم سيسرق البحر أحلامنا
؟
لتبدو السماء ملأى
بالأعشاب
صديقي
أين أنت ؟
إنِّي أخاف الاشياء
المألوفة
حين يتعالى صوت الموت
في الطرقات
صديقي
عن أي مشنقةٍ سقطت
وأي موت أوصلك لهذه
الارض الخراب ؟
.
(3) غباء شكسبيري
أن تبقى إلى الأزل
او تموت أيَّ لحظة
أن تتمنى على الارض
أن تتوقف عن الدوران
أن تبعثر الوجود كشجرة
الأسئلة
أن تعشق حركة المرور
الصاخبة والدنيئه
أن تعشق الجسد اكثر من
الوطن
أن تمارس العادة السرية
وانت تكتب القصيدة
أن تبتسم لمن يصلح
إطارات السيارات المسروقة
أن تبكي ،أن تضحك ،أن
تكفر، أن تؤمن، أن تنام ان تبول ، أن تطير أن تزحف
أن تعمل كقرد مجذوب
أن تصرخ بالشمس
أن تحتضن القمر أو
تمارس الجنس مع النجوم
كل ذلك الغباء
الشكسبيري
في الصباح سأفتح عليه
النار وأنام
)مهيب البرغوثي(
عدت من المدينة
عدت من المدينة في مشوار قصير إلى قلبها
عدت لأكتب عن قلبها الضجر
الذي يحاول أن يسعنا كلنا فلا يستطيع
نتساقط عن أطرافه
كما يتساقط مسافرون
عن أطراف سفينة مبحرة ضربها الموج
خافت على نفسها وخاف من فيها على أنفسهم
ولم ينج أحد
ــــ من ينج من الخوف! ــــ
عدت من المدينة ببقايا الماء على أطرافي
ببعض ما نجوت به
ببعض ما سرقته
ببعض ما مُنحته
ببعض ما أردته
لا أحد يعود سالما من المدينة
لا أحد يعود سالما من البحر الذي تضرب أمواجه السفن المبحرة
لا أحد يعود سالما من الخوف
عدت من الخوف في مشوار طويل إلى قلبه
عدت لأكتب عن قلب الخوف
لكنني لم أنجُ منه
إنه هنا، أيضا، في انتظاري، في البيت
(أحلام بشارات)
شهيد
"لن أفرح " ، قالت لهم
ابنها الشهيد
لم يجدوا كلّ أشلائه..
كيف تحضن جسده
المشتّت في كلّ مكان؟
"لن أفرح "، قالت لهم:
الجنّة
حين يكون ابني
بين يديّ
(سمر عبد الجابر)
نقلا عن مجلة أدب ونقد
العدد التذكاري رقم 400
تعليقات
إرسال تعليق