نصوص
دعاء سويلم
1
اسمي دعاء سويلم،
أكتبُ يومياً على صفحتي "الفيسبوك"
أفتقدني إذا لم أكتب ليومٍ واحد
والدي يعيشُ على كرسيٍ متحرك
وأمي تعمل في خدمة البيوت
وهناك عدد لا بأس به يقرأ كلماتي
وخاصة النّساء.
لا أمتلكُ حبيباً؛
لأنني بائسة على الدّوام
ولا أمتلكُ صديقة تزورني وأزورها؛
لأنّ الأصدقاء لا يرغبون بامرأة ثرثارة
تتحدث عن الحرية
وأتبعُ هواي في أمور حياتي
بعضهم يقولون عني زنديقة
لكنني أجدني روحانية.
أنا ربّة بيتٍ جيدة،
أضعُ في فمي سيجارة وأطهو في يدي
لا أحبّ الحياة،
أبحث على الدّوام عن أسهل طريقة للموت على الإنترنت
عشتُ في وحدةٍ وشقاء،
حتّى انشق ظهري من التّعب
أكتبُ بألفاظٍ سهلة
كلّها من القلب الحزين
لا أعرفُ البلاغة، أو كتابة الشّعر
أحبّ وشم الأجساد
ثمّة أحزان تخرجُ على شكل طائر صغير
أو فراشة
أو حتى أفعى
إنّها صورتنا المختبئة تحت الجلد.
أبكي،
حينما أشعر بالوحدة
حتى لو كنتُ بالشّارع
اسمي "دعاء سويلم"،
امرأة فلسطينية متمردة
تحبّ الله
والصّعاليك
والموسيقى
والعائلة
أكثر من الموت.
2
لا أستيقظُ على صوت فيروز، ولا أخرجُ للعالم بفيديو على "الإنستغرام" أخبرهم ماذا أفعلُ بيومي، ولا أتحدث عن الفطور الصحيّ مع العائلة والأصدقاء وشريك الحياة، ولا ألعن منبه الصّباح الذي يوقظني للعمل..
أفزع فجراً على صوت صراخ أبي، حتّى جسدي أصبح يهتزّ في هذا الوقت من تلقاء نفسه..
أجرّه بكرسيه المتحرك في شارع حينا، ربّما يرتاح قليلاً وينام، يقول لي ويده ترتجف: هل صليتُ الفجر؟
ثمّ يقول لي بعدها (في بكاء): لا أعرف كيف صليت، ولا ماذا قرأت؟
أراقبه، أعرفُ بأنّه قد نسي كيفية الصّلاة من التّعب، أو ينام لثانيتين ثمّ يعود لتكملة الصّلاة..
أخفي دمعتي، يا رب، انظر إلى حال هذا المسكين، إنّه يحبك، انظر إلى جسده الهزيل، لا شيء عليه غير الجلد، يا له من بائس!
أرى يده في منطقة، وقدمه في أخرى، إنّه مبعثر في كل مكان، نفسه بطيء يشبه جندي في المعركة يطلب النّجدة، إنّه أشبه بهيكل، بل بجثة لا حول لها ولا قوة، كنتُ أتعجب: كيف لهذا الرّجل أن يتحمّل كل هذه المعاناة؟ كيف لرب السّماء أن يشاهد معاناة هؤلاء الناس ولا يفعل أي شيء؟
يقول لي: ابقي بجانبي على السّرير، لا تتركيني. ويميل برأسه على كتفي، وأحياناً مثل طفلٍ صغير في حضني.
كيف أقول لصديقتي المزعوجة مني: لماذا أنا باردة ولا أتحدث مع أحد؟ كيف أخبرها عن مدى معاناتي يومياً، ولا أجدُ كتفاً أنام عليه، وبأنني متعبة من كل شيء، وخوفي من الفقدان، وحاجتي الملّحة لأي شخصٍ بجانبي؟
لكن من سيفهمني؟ مهما صرختُ من الألم، لا أحد يمكن أن يتخيّل تلك المعاناة. الكل يتعاطف معك، لكن لا أحد أنت، لا أحد يمكنه أن يستوعبك.
وفي آخر النّهار، كل ما أحتاجُ إليه: أن أنسى اليوم كلّه، أن ينتهي قهر أبي، أن يعانقني أي أحد ولا أبقى وحيدة مع أفكاري التي ستقضي يوماً على روحي، أن أكتب؛ لأتمكن من مواصلة العيش، أو الموت.
3
أنا امرأة فاشلة،
لا يمكنني فعل أي شيء
النّساء في عمري
مستقلات، موظفات، عاشقات، موهوبات، أمّا أنا؛
فلستُ إلا نكرة.
لا أحد يهتم بمثلي
الكلّ يرغب بمصاحبة شخصٍ ناجح
ربّما الخلل بي،
كوني لم أحصل إلى الآن على صديقة لا مسافات بيننا
ولا حبيب يفتخر بي
ولا حتى وظيفة محترمة.
قالوا بأنني رديئة في الكتابة
إنني لا أصلح لفتح زجاجة ماءٍ حتّى
فكيف سأكتبُ قصيدة؟
أنا فاشلة
عديمة النّفع
حزينة طوال الوقت
الكل يستبدلني
بامرأة
بصديقة أخرى
وأستحقّ ذلك.
4
إلى فاطمة رحيم..
التّفكير بالانتحار الآن يا امرأة فكرة مبتذلة، كلانا لا نثق بالأمل والحياة، كلانا نعاني من الاكتئاب والوحدة الشنيعة والملل من أنفسنا والفراغ، ولكننا نحبّ المغامرات. اعتدنا على هجرة الأشخاص لنا، أو أن نهجرهم بكل برود، فهذه هي العلاقات بالنّهاية، لا شيء يبقى للأبد.
أعرفُ جيداً معاناتك مع حظك التّعيس، وأقدّر رغبتك الملحة في إنهاء حياتك، فأنتِ تعلمين بأنني من أشدّ المدافعين عن قتل النّفس، أو اللجوء لطرقٍ سامة لإيذاء الرّوح مثل الحشيش، أو العلاقات الجنسية العابرة، أو أن يقال عنكِ سكيرة، لا بأس بكل هذه الأشياء التي تجلب الموت بالنّهاية مقابل المتعة في تلك اللحظات، أو محاولة تناسي الألم. المعضلة بأنه لا يمكننا حشر رأسنا في الفرن؛ لأننا حينما نموت نرغبُ بموتٍ عصري لم يسبقنا إليه أي أحد. ألا تجدين معي بأنّ علينا تأجيل الفكرة إلى أن نجد شيئاً أكثر جمالاً في الموت؟
هناك أشياء لم نعشها في هذا العالم، ربّما أمثالنا لا يمكن لهم أن يعيشوها، في المقابل الحياة واحدة، تستحق أن نرى ماذا سيحصل معنا، فنحنُ المتفرج على هذه المهزلة.
يا امرأة، أنا حقاً أحبك، وأشعرُ بأنّك بنت صغيرة، مخذولة من الجميع وحتى من نفسك، وأعرفُ بأن حزنكِ سيقتلك يوماً ما، ولكن أتمنى لكِ الموت في الحب، إنّه الشيء الوحيد الذي يجلبُ لك الرّاحة، الحزن لا يجلب لكِ إلا التّعاسة، أرجو ألا تفتقدي متعة القيام بالأشياء التي تحبينها مع شخصٍ تحبينه ويحبك، كما افتقد "طوني" بطل مسلسل "After life" شريكته بالحياة "ليزا".
على الهامش:
أحبّ عيونك الحادّة.
5
لا أحد يقول عني وقت الفجر: هذه امرأة مجنونة، تخرجُ إلى الشّوارع، وتضعُ طلاء الأظافر وتحاول اللعب مع الدّجاج هي تلحق بهم، وهم يهربون منها!
الوقت: الرّابعة فجراً.
المكان: حي من أحياء فلسطين، المكان الوحيد، أقصد الجثة الوحيدة التي تعني أنا، لا يمكن للأرض أن تتحملني، وأفتقدُ لزيارة الإله إلى حينا البائس، أقصد قلبي.
من سيحاسب مجنونة بلا وعي تهيم في الشّوارع، تلعن الشّيوعية وتحمّل رب السماوات السبب في كل ما يحصل لها؟
أجرّ عربة والدي؛ لأنه مثل الطفل ينامُ عند الهز به، ويستيقظ بسرعة إذا توقفتُ قليلاً، بسبب هذا التّعب الشديد خسرت الكثير من الوزن، وأحبّ أن يتقلّص خصري أكثر، فهذا يظهرني بمظهر الراقصة الجميلة. طبعاً، إذا نظرتُ إلى الجانب الإيجابي من حياتي، كما يقولون لنا أولئك المعاتيه.
أنبذهم، كما أنبذ الكون كلّه وكل حجر على هذه الأرض. لا تهمني البلاد، لتتعفنوا فيها هي لكم، ولو أعطتني أمريكا حق الإقامة فيها؛ لعبدتها، ووجدتُ شيئاً حياً يعطيني الحياة، الحشيش مثلاً.
ماذا قال "بافيزي" قبل أن يهجر الحياة؟
"لن أكتب بعد الآن".
أنا معجبة بهذا الرّجل البائس، الكتابة لا تنقذ الحزانى من موتهم، وليست مورفين، ولا حبة بنادول، إنّها مجرد عملية يجريها الشّخص بنفسه، يفتح قلبه دون مخدر. أريدُ جملة عميقة، حساسة، قابلة للحزن أكثر مثل قصيدة يوم الأحد، أكتبها قبل أن أموت.
أرغبُ بالسّخرية، وخاصة من الأشخاص، هل أبدأ بالرجال وخاصة كارهي النساء؟
أحبّ التمثيل ولعب الأدوار، حسناً، سأمثل مسرحية "صاحبة النزل" وسأكون البطلة "ميراندولينا" وأوقع الفارس في حبي، كاره للمرأة، وأقنعه بأنّ عقلي يشبه عقله، فالمرأة لا تبحث إلا عن اصطياد الرجال الأغنياء، حتى توقعهم في شباكها وتتمكن من الزواج بهم، وخيانتهم على المدى البعيد أو القريب. وبعد أن أضحك عليه، أجعله سخرية للعالم كله، سيكون رمزاً للكراهية التي أحملها في قلبي. أكره الأوغاد، وأحسدُ من كانت حياتهم ممتلئة بالمال دون عناء أو مجهود، ولكنني أحبّ البسطاء، المهمشين، المجانين، من يعانون من الفصام، الذين لا مأوى لهم ولا أصدقاء ولا حب ولا وطن ولا إيمان ولا شيء يعودون إليه.
6
أنا من ذلك النّوع من النّساء
صديقة كل الرجال
ولكن لا حبيبة لأحد
من يرغب أن يهدي لحبيبته هدية؛
يسألني إن كانت مناسبة
من يريد أن يتقرب من امرأة؛
يضعني واسطة
من يريد صديقة يحدّثها عن خلافه مع والده؛
أقوم بهذه الخدمة
ولكن لا أحد يرغب أن أكون حبيبته.
أنا من ذلك النّوع من النّساء
عشيقة للكثير من الرّجال
ولكن لا أحد حبيبي
لا أعطف عليهم
ولكنني لا أحبّ مغادرتهم
فأقول كلمة لطيفة
ثمّ أنسحبُ بسرعة
وأعودُ مرّة أخرى؛
لأجدد تلك اللهفة إلي.
أنا من ذلك النّوع من النّساء
وحيدة على الدّوام
خُدعت من الرّجل الذي أحببته
وهجرتُ صديقاتي الواحدة تلو الأخرى
دون أن يعرفن
ولكنهن يعرفن عن جرحي
لقد خدعوني واتفقوا على أذيتي
وأنا أشاهدهم من بعيد
دون أن أعاتبهم
وأحذفهم من حياتي.
7
إخوتي؛
استيقظت هذا الصّباح دون يد
فتشتُ عنها
تحت السّرير
في حوض المرحاض
في علبة السّجائر
في زجاجة الكحول الفارغة
على الفيسبوك
تحت جلدي
قلت ربما أمي احتاجت إليها
لتطوي الغسيل
أو والدي أخذها لتنهشها
الصراصير في المطبخ
ورشَّ فوقها الكثير من السّم
ليقبض عليها
أو ذلك الرّجل الأرمل
سرقها ليمارس الحب معها
كل تلك الاحتمالات كانت غير صحيحة
هل يدي لشجرة ميتة؟
أين يدي يا إخوتي؟
أنا الآن مثل لوركا:
" أنا لا أتمنى غير يد،
يد جريحة، لو أمكن ذلك.
أنا لا أريد غير يد،
حتى لو قضيتُ ألف ليلة بلا مضجع".
أرجوكم، إن رأيتم يدي
علّقوها على الشّجرة
هذه كانت مهمتها طوال السنين:
التّلويح.
8
يومياً
كنت أقابل الله وجهاً لوجه
في الحانات
في القصائد
في القبور
في وجوه الأبرياء
والآن..
أسأل عنه في كل مكان
آخر مرّة سمعتُ بأنّه يحبّ أبناء الأثرياء
والشّيوخ
ويكره النّساء المتحررات
وخاصة الكاتبات المكتئبات
يا إلهي؛
فقدتُ قدرتي على الكتابة
وسأصبح يتيمة
الطبيب أخبرني بأنّ الآباء لا يعيشون كثيراً
أقصد من هم بجسد أبي
وأمي تسرق الدّجاج من بيت جارنا
تقول هؤلاء أولادي
حينما يموت زوجي؛
لن أبقى بمفردي
المسكينة، لم تعد تميز بين أولادها والدّجاج
كلنا كنا في نومٍ عميق
يوم دخلت غرفتنا
تحمل سكيناً
تريد تقطيع الفخذة والرأس والصّدر واللسان
قلنا بخوفٍ: أماه، ماذا تفعلين؟
قالت: أولادي الدّجاج ناموا بالجوع، أريد أن أطعمهم.
أصبحنا ننام الآن بعيونٍ مفتوحة
هل يمكن يا الله أن تزور حينا هذا المساء؟
9
حلمتُ الليلة بأنّ أبي يمشي
_مثل العادة_
هذه الأحلام تراودني منذُ أن تعطّلت أقدام أبي عن الحركة
أحبّ والدي حينما يعطيني ورق النعناع، التقطه بنفسه من القارورة، أتخيّل بأنّه عاد من السّوق يحملُ لنا أكياساً من الخضار الطّازجة
في الأعياد لا أحد يغسل كليته، فماذا لو كان هناك كل يومٍ عيد؟
حينما استيقظتُ من النّوم، راح أبي ليغسل كليته؛ فعرفتُ بأنّ العيد انتهى.
أمي ستغسل الأطباق، وتنظّف الحمامات، بعد أن ينتهي الناس من أكل اللحوم والتّصوير وقضاء الحاجة،
لم تكن أمي لهم فقط في الأيام العادية، حتّى في الأعياد سرقوها منّا وجعلوها تمثالاً.
بعد أن أجريت عمليتين، تمنيتُ أن تكون لي صديقة واحدة تأتي لزيارتي وتحملُ لي وردة
ما زلتُ أتألم..
تخيّلتُ بأنّ لي صديقة، تطرقُ بابي في العيد، ففتحتُ الباب وحضّرت كوبين من القهوة والكعك، وجلستُ أنتظرها وأنا أضع يدي على وجهي؛
ولم تأتِ!
وصلتني رسالة في يوم العيد
يجب ألا أتحدث عن ضعفي، أنا امرأة مقاومة وقوية، ولكن أنا حقيقة العالم، أنا من يتحدث عن كل بشاعته وقذارته
أنا لا أعرفُ غير الصّمت والكتابة بصدقٍ من الأعماق.
10
أبوايّ يتحدثان دومًا عن الرّحيل بخوف، يقولان لي: عند موتنا من سيعتني بكِ أيتها الصّغيرة؟ قال أبي بأنّه سيسجل باسمي بيتنا، وعمتي تريدُ أن تعطيني قلادتها الذّهبية، وأمي تقول بأنني صالحة، وهي تشعر بالأسف على وجودي في هذا العالم المظلم. أسمعهم يتهامسون: هذه البنت بلا حظ، خلافًا لإخوتها. ليس لديها صحة جيدة، ولا تأكل كثيرًا، ولا عمل لها على الرّغم من أنها مجتهدة، بل أكثر فتيات العائلة كانت متحمسة على الدّراسة، وتقرأ الكتب طوال الوقت حتّى في النّزهة. مرّة كنتُ أجلسُ على قاعدة المرحاض، وأبكي دون توقف، حتّى سمعوا صوتي، ظنوا بأنني حزينة، قلت لهم: لقد انتحر! فعرفوا بأنني أقرأ رواية، فقالت أمي: هذه الفتاة حساسة، ستموتُ يومًا بسكتة قلبية على أتفه الأسباب. ومرّة أضربتُ عن الطّعام؛ حتّى أشعر بالمساجين والفقراء البائسين، ومن وقتها حرّمت على نفسي اللحوم.
كل من أحبّه يرحل، كل من أحبّه يهجرني، لماذا يفعلون ذلك معي؟ لماذا يستمرون في تذكيري بأنّ هذه سنة الحياة؟
تعاطفتُ مع اليساريين، قرأتُ القليل من كتبهم، فعرفتُ وقتها بأنّ الجميع يبتعد عني، لا أحد يحبّ الاختلاف، لا أحد يحللّ ما في النّفس، يريدون أن نكون على نفس الهيئة جميعًا. ما تهمتي حتّى يرحلوا؟ إن أرادوا أن أصبح متدينة مقابل أن يبقوا؛ سأمثّل ذلك. لن ألعن شيئًا، فأنا بنت صالحة بالنهاية. هل أقبّل أقدامهم لو اضطر الأمر؟ سأفعل دون شك. سأمسك أقدامهم بيدي بكامل ضعفي.
لا شيء بقيّ معي غير الذّكريات.
الأشخاص إما يسافرون، أو يموتون، أو يهجرون، وكل ذلك لا يعني إلا رحيلهم. ولا يبقى لدينا غير الذّكريات نعيشُ عليها الليل بطوله، ونحاول أن نتجاهل هذا الشّعور المرهق بأعمال النّهار، مثل مشاهدة التلفزيون، أو التّحدث مع شابٍ وسيم، أو الخروج إلى المقاهي، أو حرق الرّوح بالسجائر الرّخيصة، مهما كان العمل بلا فائدة، يكفي بأننا نحاول أن نسلّي أنفسنا بالسّخرية من أحزاننا.
اليوم الذي نمسحه من الروزنامة، يؤكد على حقيقة واحد: هناك من سيرحل غدًا، فلماذا لا يرحلون كلهم دفعة واحدة؟ ونبقى في وحدتنا نعيشُ على أملٍ أن يحين الوقت الذي ندفنُ فيه جثتنا، أن نصنع قبرنا بأنفسنا. وكأنّ الإله خلقنا لمهمة واحدة: أن نبكي على من سنفقده، ولا أحد سيبكي على جنازتنا.
11
هل ما زلتُ جذابة وأنا امرأة الكهف والأدغال؟
طالما عشتُ مثل الأرقش، أراقب الجميع بصمت. أتحدثُ حينما يتعلق الأمر بالأدب والمرأة، أو الطّعام النباتي. شاهدتُ صورًا لنساءٍ ورجال يتحركون على الواقع، يختلفون عن تلك الموجودة على أرض "الفيسبوك". سمعتُ رئيس العمل يقول للعامل: شكرًا حبيبي! أوه، رغبتُ أن أسجل ذلك لماركس، السيّد الآن مثل العامل، لنحذف الأفكار الاشتراكية من الكتب. قالت امرأة: أنا آخذ أقل من الرجل أجرة، وأستحقّ أن أكون مسؤولة عن الطابق (س)، عدتُ ألعن (اللعن كما قال ديستويفسكي) ما يميزنا عن الحيوانات. ثمّ رأيتُ أولادًا لا يسمعون، وآخرين يتمتعون بكل وسائل الرّفاهية، عدتُ إلى جملة قالها كونديرا، لا أذكرها بالضبط، وماذا يعني أن يكون الإنسان شيوعيًا ومؤمنًا في الوقت ذاته؟
حان دوري الآن، أنا امرأة الكهف، امرأة الوحدة. رحتُ أتحسس خصري الصّغير، ما زلتُ أنثى، أمتلكُ أظافر طويلة، ورقيقة الوجه كما يصفني الأصدقاء. نظر الشاب إليّ قائلاً: هذا رقمي، هل يمكنني محادثتك، لو رغبتِ بذلك طبعاً؟ أوه، لا أعرف كم مضى من الوقت على المكوث في كهفي؟ قلتُ بخوفٍ وبصوتٍ لا أسمعه حتى أنا: لا!
هل ضيعتُ الفرصة؟ وماذا يمكنني أن أتحدث معه؟ كيف تكون المحادثة بين امرأةٍ وشابٍ وسيم؟ ثمّ تركتُ التّفكير به، وقلت: الهواء لطيف، أحتاجُ إلى كتاب، أريدُ أن أتحدث مع الشّخصيات الرّوائية، أن أخبرهم ماذا حصل في هذا اليوم؟
لا دخيل، لا خيبات جديدة، لنعد إلى الكهف يا امرأة، لا تشعري بأنوثتك، هناك من ينتظرنا يا فتاة الكهف.
تعليقات
إرسال تعليق