القائمة الرئيسية

الصفحات

فوق مدرج القلب / مختارات من شعر هدى الهرمي

 

فوق مدرج القلب 

مختارات من شعر هدى الهرمي


فوق مدرج القلب - مختارات من شعر هدى الهرمي - بيت النص




طريق وديع

 
ونسابق الريح عنوة
عند توثب الظلال المتحسرة
دون تمهّل
علّ الخطوات السريعة تعرفنا
لاحقا
تٌطل من منحى السفر الطويل
حين تمرّ ضحكاتنا
فوق ارصفة القلب
وتبوح بخرائط المستكشفين
في غابة الشوق
ها هنا
حيث الطريق الوديع
يلعق اثارنا ويتبعنا
كصبح ذاهل
مختوم بفرقعة الحكايات
وأنفاس النوافذ
ليكشف عن أسمائنا المهربة
تحت ضلع الشمس
حيث جزر الامنيات القريبة
واعشاش طائر الحناء
فلا ينحرف البصر
عن الماء الراعش
تحت الصخور العصيّة
كبرت الأحلام
وترنحت ارض القنص
برنّة الريش المتدحرج
في كفّ ناعم
يقرع الأجراس العظيمة
ويحطّ على كتف الاخيلة
كالنوارس العابرة
اذ تسري مع تيار الهواء
قبل ان يسقط الأمل في ومضه
فأتشبث بنوايا الدرب
على الشاطئ الذي يرقبني
مثل ظل لا ينطفئ


سيرة الغياب

 
وانا أراقبك
في مزار السهو
كنت تقتفي أثر التنحّي
لكن الظاهر والخفيّ واحد..
سألتك يوما
هل رأيتني ؟
وكنت مبتسمة
قلتَ :
لا احد يقيم في ضواحي سقيمة
أنا لا افتح نافذتي
لكي احبّ الشمس
قلتُ :
ان أبصرتَ
اصغِ الى القلب
لا ادري الآن
اذا رأيت !
فكرتَ وما أدركت..
وحيدين كنّا
وهراء طويل
لم يثمر شواهد نابتة
غير ذاك العابر
في سيرة الغياب
وخَطوهِ المُتعثّر في الجوار
كيف تراءى
قبل أن يشيّعه الضوء
حتى صار سائحا غريبا ..
كان يتحدث عنّا
كمثَلِ المُقيم
في حكاية وجلة
وصيت نعلين مبتعدين
بينهما خطّ فاصل
ونظرة حانية
فوق شباك قديم


الخبر اليقين

 
كل العقائدِ الموبوءةِ ترصدُ نواياكَ المشفّرةَ
و أنت مُكلّلٌ بجسدٍ مُواربْ يحتفي بالطينِ
واقفٌ قبالةَ ظلّكَ المخاتلِ
حين يهبك صولجانُ المُلكِ فقاعة من فراغٍ
فتضجّ أنفاسك بوهمِ الانتصارِ
لا شيء يردعكَ عن الخطيئةِ
إنّما تكتحلُ بعربدةِ اللّيلِ الماجنْ المثخن بالبطولةِ
هكذا تقايضُ شراسةَ الظنّ بيقينك المولودِ من رحمِ النفاقِ
لينطفىء الضوءُ في جمرِ الفحولةِ
لا شيء إطلاقاً
يحتمل تحسّسك الفاحش للظلام
و أنت ترمي بأصابعك في الجبّ كي تنجو بلا قلبٍ بصيرْ
لا شيء يعكّر مزاجك البوهيميّ
ألم تدركْ أنّها مِقصلةٌ متروكةٌ عمداً
في مضاجعِ المنذورينَ بهشَاشةِ المصيرْ
لن تخرج من شرنقة النرجسية
لن تشفى من هذيانٍ يلتهب في الشرايين
خوفك الأبدي نزف الحكايا العذراء
و من شغف الظلال بالذاكرة
فمن تحملهمْ فوقَ ظهركَ الطّاعنِ بالثّقلِ
سيرتابُ النّهار في ملامحهم الضالّةِ و تنتظرُ اللّيلَ
كي تعوي فرحاً بموتِ الضّوءِ
كي ترى الأعيُنُ الماكرة و تركب حطامك
أبداً لم تُنصفكَ البشريّةُ
كلُّ ما في الأمرِ أنّكَ إنسانٌ تتوغّلُ في الخير و الشرّ
و تلتحم بنطفة الكيان الغابر
ثمّة جروفٌ عاهرةٌ في القعرِ تُفرزُ لوثةً اللحظ
تلتقطها مساربُ متفرقةٌ لتسقيهم أجاجها
فتأتيَكَ بالخبرِ اليقينِ


جزيرة الفلامنغو

 
كم من الوقت
يمكن أن تستمر هذه الذكريات
هذه الرياح التي تناديني
من يدري أين يأخذني النسيم
قلبي الآن في سباق مجنون !
لابأس من طريق صخري
كل الدروب تؤدي إلى... روما
اأحدث تلك الفوضى
بلا مواربة ولا تبالي
حاول العبور إلى الجانب الاخر
و لا تكترث لذخيرة صدئة
أو تمائم تخونك
كنت أكثر اضطرابا منك
و أنا قبالة حشد نافر
لكن لا لوم ينهشني الساعة
فقط سخرية القدر
لكني أحترس من الأمال الكبيرة
انها تنحرف فجأة
ثم تلوذ إلى ضباب الشمس
لتقف فوق رقعة شطرنج
هل بات صوتي جاهزا !
فلتعم الحماسة في الكنائس
و تندلع الموسيقى
في الدهاليز الصامتة
انتهت أيام العزلة
و العالم انقلب رأسا على عقب
هذا احتمال وارد جداّ
حين ألغي الاقامة الجبريّة هنا
لقد حجزت الى جزيرة الفلامنغو


كلس على طين القلب

 
بلا ملامح
يمرّ العابرون
على متون النوايا الفاترة
يتهافتون على انقاض الوهم
ثم يسلكون رصيفا باهتا ...
يمتصّهم غبار ثائر
و تمسكهم السماء بطرف خيط
صاروا يتأرجحون
في الوجوم الخدر
و يزرعون مخالبهم في الصدى
الا من نحت جبلا
في ملحمة هذيانه
و نزع كلسا في طين القلب ...
بخفة تسربت من فتحة الافق
رأيتهم يهرعون
الى جهة فارغة
كلّ يبحث عن اثاره
في عمق ضياعه الضالّ
في قبلة الكون...
لم اجاهر بصوتي
و جرّدت ملامحي من وجهي
كنت اقتفي أثر الخيط
و انحاز جهة الضمائر
بلا حركة بعدما توسدت الضباب
و انقشعت تقاسيمها قسرا
صوت هادر يركض
عين تشهق
فؤاد يطلق زفرات الريح
جسد موارب يلهث
بيداء مصلوبة على الافواه
درءا لكشف هويتي
فصلت المسافة المضمّخة بالعلل
بين سويداء الروح
و النشاز المتسلل في الشفق
فتساقطت الملامح
على عروش النشأة الاولى
تلوك سيرة الطين
و نبع وعيها المسكوب
في تضاريس مائجة
تخاتل برك المشرّدين
المطرودين من الارض...


جهة فارغة

 
تنزلق الأماكن
وانا لا اتحرّك قيد شعرة..
لم تتخذ نظراتي مستقرّها
في عالم مرتعد
تغطيه الويلات المُفتعلة
أشيح بوجهي عن النزق القديم
عن ضواحي بيضاء
بعين لا يغشاها الحب ولا القسوة
اغزل خرائطي المزعومة
بين اوتاد يعلوها القلق
بينما أصابعي تشير الى جهة فارغة
موشاة برنين الملاجئ
في ذهني
تتأرجح العناوين
مرارا وتكرارا
هل تنسحب الغشاوة
لأقلّب عيني في تلال الفؤاد
وأشجاري الغريبة
المائلة في النهر
كم بقي في حوزتي
من سماد اخضر
يرمّم أوراق اللوتس
ويشذب الاغصان القرمزية
حتى ان لاحت باكية
اندسّ في غبش لامع
مٌضمخّة بروائح العارفين
لأهشّ هياجا عالقا بفروة الرأس
وأرخي عضلات الأرق
ثمّ اعدو مع الريح
واخبئ ظلالي في خوذة الشعر
هكذا تومض القصائد
مثل حقول الذرة
فوق عمودي الفقري
تتبعها وشوشات العالقين
في الحواس المترحلة
ولسعة كائن خرافي


بهلوانات فوق مدرج القلب

 
هذا الفناء مُغمض العينين
يتصدّر شوارعا خافتة الحركة
ينكمش كأزهار الليلك
في رواق اكثر شحوبًا من نواة المشمش..
كنت امكث عند أسفل المدرج
أراقب الجولة الاخيرة من العرض
لم يعد الكثير منهم يجرؤ على الصعود
و لم أكن اشد قلقا
و البهلوانات يصُدّون هجمة البؤس
بكسر القفل الكبير لمسرح المدينة..
عندما استيقظت ذات صباح
كنت أتعاطى ذعري من أشياء غريبة
انهم يدقّون بقبضات أيديهم على صدري
لم اكترث لصراخ المتظاهرين
في رواق محاط بقواعد الحرية
و شعارات التعبئة لكرنفال عشوائيّ..
حتى لوني صار يرزخ بأثر المُنضمّين
إلى مواعيد لم تلتئم شقوقها
عند حواف الكؤوس الغانية
كذكرى على نخب الجولة الاخيرة
كانت ثقيلة على ثغر البهجة
مُشوش اتجاهها مثل الكراسي المُنتصبة
على قاب قوسين او أكثر من الانطفاء
كصباحات الصيف القائظة
لوحت بحجر الصوان على زحاج شهواتهم
ثم رواغت صدمتهم بأطواق الشغف
و هم مغمورون بابتسامة بلهاء
ساكتفي بالوثب على أنقاض هشّة
شبيهة بصلوات ضائعة
فوق تعرُجات الطريق ..
انتهت العروض البهلوانية
و بقسمات الازدراء
تلاشت صبغة مصفوفة فوق الوجوه
يليها عرض ساخر ...


أخاديد الهيام

 
معربد ذاك الصباح
في خلايا يانعة
ومخاض بهيج
يخاتل المسافات..
صِرتَ على بعد ذراع منّي
تزور قديم الرغبة
في السرّ والعلن
تقبض على قبس الدهشة
كمن يُطلّ على أعشاش الطيور الصغيرة
لترفّ أجنحتها وتلتقط قمح البهجة
في البعد ألمح ثقوب الأبراج العالية
ولا ارى غير غربان هائمة
لكنني ألمسك الآن بزند ناهد متوثّب
كالبحر محتضنًا قرى السواحل
أستغرق أكثر في تأملك و أتماهى ..
ليس في الجوار أحد سِوانا
غير عطر النسوة
يختطف لغة البحر
أنذرتني بإشارات فصيحة للحبّ
بحكايا الصبايا المنحوتة في الصخر
وأنت تُسيّج ناظري بتعويذة الصمت
فكيف بمن كانت تسبقك اليك
كتحفزّ المحار لحرقة الرمل..
كنا نقفز بين شعاب الشوق
نسامر النخل المُسترخي بين الأطواد
بعنفوان الموج المعربد
على منحدرات الجسد الصخري
وسط أعين الغجريات السافرات
كأعناق مستطيلة تزداد زوغانا
في خَفَرِ الوجوه
اليوم..استيقظنا باكرًا
طوينا شطآنًا من طين العناق
كذلك البطريق في أصقاع البعاد
يظلّ في متاهة حتى يلحق بقرينه
أما النوارس فهي تعلو في هبّة استيقاظاتنا
وحمولة قصائدنا المبثوثة
فوق حمم العناق
ورعدة أطرافنا على جزيرة الجمر
نمضي في هدوء ونتوغّل
نتحرّش بالطريق الملتوي
بنظرات عشوائيّة الى قبعات الصيادين
نكتم مساءات القرى الثرثارة
لاهثين نُسرع في اقتناص الجوارح المتلاطمة
نبدو امام أعينهم المُتطفلة
كأجرام تقدح صخبًا في كوكب الأسلاف
لكننا نعبر من هنا
من أرض الخلائق المشحونة بالقيظ
إلى رمال فنتازيّة تحركها أمواج السهد
ومفازات العبور الى تخوم الانجم
وأخاديد الهيام..
على هذا النحو كنّا نشقّ الخيالات
عند حافّة الأثير
نتحدّ مع قبائل الماء
ونستأثر بظلالنا المتدافعة
في أعماق النجود والمحيطات


مطاردة في زاوية العين

 
لم تساورني شكوك قطّ
و انت تغمس عنوانك السريّ
في مٌقلة تغشاها الإثارة
تختفي لتأتي بكل ما يتعلق بمشاجرات
انسربت من اطياف جاثمة بجوار الصور
و انا لا اتوانى عن السير في داخلك اتعقّب سرب رؤاك المنطفئة
و رائحة أزهار قديمة
التحديق لبس في النظر
لكنني أقرأ العناوين المتفرقة
دون وقفة في خانة التأمل
لنقوش دقيقة تغطي مبنى الغياب
اجد علامات ساطعة
تضيء الحنايا المتخفية
في زاوية العين
ربما اضطلع في كشف طريق عودتك
و انت تراهن على وقت مٌترهّل
موشوم بذاكرة لا طائل منها
مغزى الرؤية حين تروم لحافي الوردي
و تناور خلجات تتزامن في البال
كلما دغدغت اصابعي ندبة في وجهك الضالّ
لكن عسر المشاهدة عن بعد
مكابدة لبصر حادّ
في منفى متلبد الحسّ و أروقة ساكنة
فقط هذه الأشعّة المتبقيّة تلتفّ بكنبة في حجرتك تضيء زوايا شاغرة
لا تستيقظ فيها رغبات و هواجس
ما يشبه وحدتك الطافحة
و عاشقة تراوغ ما فاق من الأشياء الساطعة في مرمى النار المتعفّفة
من رائحة الاحتراق


كنايات الحضور

 
لا شيء يستقيم له الظلّ العابر
بين صورة و اخرى
فمادّة الإبصار مؤقتة
و أنت تتّبع حركة الجسم
ما يفوق توقك لإمالة العين
و طقطقة الأصابع
حضوري المتقشّف
دائما ما يترجّل عن قواميس الابهار
هكذا تحاورني في كنايات متعدّدة
حين أبلغ حاجتك الموغلة في الوصف
الى اثبات لمشهد مرئيّ
يختلط بمسامات الوقت
و أنواع الاثارة الممّلة لامرأة خفيّة
إذا اضمارك معرّض لطرفة عين
لوجه لا يتبدّى سرّه
لغرابة تتأبط الأحداق
استجابة لابتسامة مسرّجة
و ضحكة اصطفقت وراء الشمس
على غرار اللمس تلوك حضوري
بصيغة التأويل
لموعد لا شقاق فيه
بل أمارة تغوي لاختراق الغياب
و شبق ينتزع علامات الحيرة
و هجاسك المتلألئ
على اطراف أثري
أي حضور ذاك يصطفيك
يصدح في نبرة حميمة
و ينزوي فوق ربطة عنقك
لاجئا الى كنايات مزدحمة تلتف حول وجهك
و انت تتأمّل المقعد الخالي
و نافذة صامتة ...



تعليقات