حذاء فالنتينو
مختارات من شعر صونيا خضر
1
اجلس في مكاني
وأفكر بجدوى الكتابة
والطابعة التي توشك أن تغمض عينيها
من التعب
تفكر بجدوى كل الحبر
وتقول
"اللعنة على كل هؤلاء
الذين جففوا حليبي
وتركوني هزيلة
مثل مرضعة مأجورة
مصابة بحمى النفاس"
......
عن وجودي في هذا الوقت
في هذه الغابة التي تبدو مكاناً آسراً
بين الأرانب التي تسمن سريعاً
والأسود التي لا تعرف الا انها ملوكاً
والأشجار المصابة بانفلونزا الغرور
أتحين العتمة لأخرج من وكري الصغير
وأعرف انني لست ثعلباً
......
أشتاق
إلى الابتسامات غير المتكلفة
إلى الوجوه الطيّبة النقيّة الخالية من المساحيق واعتبارات الزيف
إلى الأفراح البسيطة والدهشات البكر
إلى الحب الدافق والقلوب الطريّة التي لم ييبسّها ضيق الحال ولم تشوّهها أحقاد المرايا
إلى حضن البيوت الدافئة والشراشف البيضاء والهواء النظيف
أشتاق
إلى احتمالات الأخضر الفاتح لكل ألوان الجهات
إلى النسيان الكامل للنسيان وإلى نسيانه.
كم كانت مسرعة قاطرة الوقت حين مرت قرب التجاعيد العميقة للروح دون أي نيّة لتمليسها .. أو الطبطبة عليها
وكم كان شقيّاً خصري وهو يستسلم للرقص دون أي اعتبارات لخشخشة الموسيقا وهي تنهش آخر أوتار العمر..
3
النساء ذوات الأعناق الطويلة
والوجنات البارزة
أمثال "أنجيلينا جولي" و"نادين نجيم"
تتحرشن بسكان الطوابق العلوية
العازفين عن اللهو
وليالي الخميس
تتحدثن معهم كعاشقات
همساتهن تمدهّم بالدفء
وتذكرهم
بالبرد القارص ..
...
النساء ذوات الأعمار المتقدمة
لحظة يغمضن أعينهم
يرين رجالاً عائدين من الحرب
مترنحين تحت ثيابهم الثقيلة
يقفون أحياناً
ليحسبوا زاوية الشمس بدقة
حسبة تعرفها تلك النساء جيداً
الشمس خلفهم
بلغت أكثر من ألف عام
والنجمة التي أمامهم
بقية كأس من نبيذ..
...
النساء ذوات الشامات الكثيرة
يوصدن الأبواب عليهم
يدهنن أجسادهن بمرهم كثيف
يقيهن من أشعة الشمس
ومن الشاعر الشاب
الذي يتصيد الشامات
ليضعها في لائحة المقبلات على طاولة قصائده..
4
أسقطوا العداوات من بينهم
تصافحوا للمرة الأولى
وهم يسحقون وجودي
ويتفقون على مرثية لا تليق بي..
............
ليس بسبب الماء
تفجّرت ينابيعهم
من وضعوا الجبل أمامي
وتهافتوا للوقوف بوجهي
وأنا أصعده..
..............
الضوء الذي أتمضمض فيه
يزجر
الكلاب المربوطة في حبال صوتي
التي تنبح بلا توقف
والتي تزمجر حتى أختنق..
...............
يؤلمني الكلام البسيط
الذي ليس بوسعي أن أقوله
تجرحني العبارات
التي أنهيت صلاحيتي فيها
ويقتلني الصمت..
ما أصعب هذا الصعود
حين يعاديك سراً
من يتقشّر عنك
يوم ترفض أن تكون كبشاً
لمحرقة نرجسيته
ما أشدّ هذا الألم
يوم تصير حراً
تدخل الباب الذي تريد
وما أعمق الجرح
يوم تذبح الديكة
التي تصيح
لمجرد الصياح
وتستبدلها
باكتمال صوتك
أنا يوسف يا أبي
لا أفهم سبب هذا البرد
ولا أتذكر من رمى جلدي من النافذة
كل ما أتذكره
أن أمي
كانت تعدّ العشاء الأخير
وتبكي..
5
كما لو أن شيئاً لسعني
صحوت من نومي فجأة..
تلفتت
أبحث عنك
وبحزن أعترفت؛
ما كان بيننا ليس حباً
بل عقوبة ثقيلة
لغريبين اتفقا أن يبحثا معاً
عن وطن
كما لو أن شيئاً قرصني
حككت قلبي
وبذهول تابعت
وجهك وهو يتفتت عنه
كما لو أن شيئاً أخرسني
وقفت أمام تمثال الحب الكبير
كان نائماً
ولم يكن بمقدوري
أن أوقظه
كأي رفيقين
كان بوسعنا أن نستدل على الطريق
لكن ضوءاً مباغتاً
سرقك منك إلى النوم
وبدّد من أمامي
الأبد..
عزائي الوحيد
أنك أن استيقظت يوماً
ستطل على الحقيقة الوحيدة؛
أنت في منتصف الجسر
الغيمة تبكي من فوقك
وابتسامتي تمرح
في النهر
عزاؤك الوحيد
أنه
في أشدّ الليالي حلكة
ستتذكر ابتسامتي
التي كانت
دائماً
أوضح
من
الشمس
6
رغبة تائهة
تجر قدميّ الى الشارع
حيث الحياة تتلاطم مثل الموج
والأجساد تتحرك كما المراكب
غير أكيدة من وجهتها
حيث الاسفلت غارق في سواده
ونحيب الحيوانات المذبوحة
فوق النعال
مؤلم جداً
رغبة تائهة
تأخذني الى أبواب البنايات الشاهقة
التي تسيل من حيطانها
الأحلام المتشابكة
غير الأكيدة من إمكانية فكها
في ضوء النهار
رغبة تائهة
تقودني الى البيوت القديمة
التي تكزّ على أسنانها
من الخوف
بأن تلفظ ذاكرتها
ويندفع الخواء فيها
دون استئذان
رغبة أكيدة
تعود بي الى البيت
لأصنع كعكة البرتقال
وليتهيأ لي
أن فماً جائعاً
سيستسيغ نكهتها
ولو على سبيل التخيّل
بأن بحيرة صغيرة
من العصير في جوفه
تعوم فوقها جثث المستبدين
ثم اكتب كلاماً مضحكاً
كالذي يكتبه الشعراء
الغارقون بأحلامهم الرومانسية
قبل أن أقذف بنفسي
الى الجحيم..
7
أنت الجميل كحقل
أنت الرقيق كسحابة
نامت الغابات
ولم يبق سواك أخضر على وجهه تتلألأ عروس اللغات
أقايضك على بدائل الحب:
الجسد
الشهوة
النزوات
كلها ملك لك ولعبورك الخفيف في روائح الطريدة
فارسم لي أفقاً نظيفاً
وحررني من هذا القلب
حررني من فكرتي البلهاء (عن الحب)
من النوايا البيضاء
من النكوص من الصمت..
سيد اللغة أني انتهيت
و..
أريد (فقط)
أن
أكتب
قصيدة..
8
حذاء فالنتينو
حلوة تلك الريبة بكل شيء
حلوُ التماع البنفسج في التخيّل فقط
وممتع البكاء من شدّة الضجر
فنجان من القهوة وحديث سخيف
حول المرأة التي تجلس مقابلنا في المقهى
تجادل النادل بالحساب
وترتدي حذاء من ماركة فالنتينو
ولِدتُ على هذا النحو
شغوفة بالحياة وأوهامها
أدفع الضرائب الثقيلة لخداع الألم
أكسر اليقين بالشكّ
كيلا تكسرني الحقيقة.
أماطل بالمواعيد
أؤجلها غالباً
كعادة مضحكة
لا تفسّر ضجري
بانتظار ساعة الخروج من البيت
أقضي وقتاً طويلاً أمام المرآة
لكي أبدو على ما يرام
ما ينقصني
ليس هو الجمال
بل امتلاك حركاته
لو أستطيع إعادة بناء هذا الكون
بخيباتي الكبيرة
بمواعيدي المؤجلة
بالتماع البنفسج "بمخيلتي"
بحذاء فالنينو
بخداع الألم
بالمرآة الباهتة
بانتكاساتي
لو أستطيع أن اتجاهل بأن العالم على شفير اليأس
وأفتح الباب للأيام القديمة
الاعتيادية.
9
واتساب
الرسائل التي كنت أترقبها بلهفة في البريد الإلكتروني
تتدفق وتندفع في كل اتجاه
وليس لدي الوقت الوفير
لقراءتها وفكّ معانيها
فيما المجموعات التي تملأ التطبيق الأخضر الصغير
غابات
لا شجرة واحدة فيها..
خرائط جوجل
أكتب عنوان بيتك البعيد
في مربع البحث على خرائط جوجل
أرى السيارة الجاجوار السوداء
تجثم أمام الباب المغلق على الدوام
في الحي النائم على الدوام
وتحسب نفسها مركباً أزرق
أرى الشارع الذي يحسب نفسه نهرا
والكوابل التي تحسب نفسها عصافيرا
وعواميد الإنارة التي تحسب نفسها أشجاراً
والأوراق الصفراء التي تحسب نفسها فراشات
والهواء الذي يحسب نفسه هواء
وأجزم
أنك وفي كل هذا الخواء
ما زلت تحسب نفسك .. أنت
أونلاين
بمجرد كبسة زر
ولو أملك الكثير من المال
أستطيع الآن أن اشتري فستاناً ترتديه مانيكان
خلف فاترين مضيئة في Saks fifth avenue
وأن أضيف اليه حذاء ال Jimmy shoe
الأسود المقطوع بإسورة الكريستال الذي تحبه
ثم أغط بالنوم العميق
وأحلم أنا التقطنا صورة سيلفي معاً
ليلة رأس السنة.
هاتف النوكيا القديم
أملك هاتفاً ذكياً
بحجم قبضة الكف
أمشي فيه (لو أردت)
تحت الأرض
عبر المياه والحجارة والجمر
والمحيطات الخمس والقارات الست
يحدس بالرياح وبالمطر
أجمع فيه آلاف الأصدقاء والاسطوانات والملفات والأطباق والصور
أعرف من خلاله معلومات لا تهمني بشيء
وعناوين لا تعنيني بشيء
وأرقام كثيرة
ليس بينها رقمك
الذي فقدته
في هاتفي النوكيا القديم.
قد يعجبك ايضا
تعليقات
إرسال تعليق