القائمة الرئيسية

الصفحات

فعل الصمت هذا كله ! / مختارات من شعر عباس بيضون

 

فعلَ الصمتُ هذا كلَّه !

مختارات من شعر عباس بيضون





الصًفر

 
من يفكًر الآن أن الصًفر
هو من فوقنا الظل
هومن فوقنا الشمس المكسورة
التي تنشر نهارا متراجعا
هكذا نحيا بالعكس
وعلينا أن نكون
،بقدر من القبول،
أضداد أنفسنا
هذه ليست معركة ولم نغد اثنين
كان هذا وجه الساعة الرابعة
المستمرة منذ الفحر
لم يغادر أحد، لم يحضر أحد
نظرنا فقط إلى ما خلَّفناه على الوسادة
وفي صحون العشاء
إلى أحذيتنا على الشرفة
وأعقاب سجائرنا
وإلى هراء البارحة
ماذا كنَّا بدونها
ماذا بقي منَّا لما بعد السهرة
فقط صعد العصر
واستدار في الأعالي
فقط سقط الصفر علينا
نحن فقط ما يمكن جمعه من أمسيات العزلة
ما يمكن أن يكون بقي على المائدة
ما أهملته الذاكرة
وما قد يكون عراه النسيان
قد يكون أيضا نصبا من دقائق
أو مجرُد وقت مركوم
من أعمار متباينة تسوًلت الحياة
وحصلت منها على وقت إضافي
وربمًا على وحل طريّ وعناوين
لم نكن بالصدفة تحت هذا القمر الأجوف
جمعتنا تلك الشقوق
التي كانت تحت مقاعدنا
والتي تكلمنا فيها
وأودعناها عهودنا
كان ذلك الصفر كرويًّا
ولم ينطفئ إلا بعد جهود
أحضرناه من الحديقة حيث كان يضيء
بالطبع كنَّا فخورين لأننا أوجدناه
لكن لم نعرف متى يعود سيدا
ومتى يستولي على الظهر
لم نعرف أن جائزتنا كانت هناك
وصلت إلى رأس النصب
حيث صعدنا أيضا
ولم يتكرَّر الأمر
كان ثمُة حقيقة وحيدة ولم نبال
حقيقة مكوَّرة لم يجازف أحد
برفعها عن الأرض
لقد عاد هذا الصفر إلى الوجود
وكان بالطبع هائلا حين قابل الشمس
وحين جثم فوق الحديقة
كان هائلا أيضا
حين أخلى الضوء
وأخلى الوقت
من الدوران
لم ننتظر عبثا أن يبرد
وأن يسقف المكان
لم ننتظر عبثا أن يستدير إلينا
أن يكون هكذا قفا الحياة
التي صارت فوقنا ووراءنا
ثمَّة كلام يعاد تسييله
وقت يعاد تسييله
وبالطبع دوائر تتبع دوائر
وهذا الهراء القمريّ
لن يكون سوى ما بدَّدناه من الوقت
سوى ما يعود الى الدوران
عند كل تظاهر بالحياة
عند كل مرُة
تسقط في الحضيض
أو تستدير كصفر علويّ
من يفهم كيف تخرج لنا حياتنا
من تحت المقاعد
ومن الحقائب التي لم نسكنها بعد
من يفكِّر أن الصفر من فوق
هو الظلُ
وأن ما تعيده لنا الثقوب
هو الحياة تحت الصفر



المحاكمة

 
لم يحدث شيء
لكن ما الذي ترك لي هذا الفراغ
هل هي خسارة جاءت من المجهول
أم أنه لقاء بقدر عائد
هل هو سماء أطبقت عليّ
أم الأثير الذي امتلأ خوفا
وهذا الصباح الضرير الذي استقبلني
هل هو ساعة، أم باب فحسب
كنت وحدي حيث استمرت المحاكمة ليلا كاملا
حيث بقي لي هذا الأسم الثاني
حيث من لا مكان استمرّ هذا الخلاء
الذي في أوقات أخرى
كان تعذيبا


وراء عينين


عيناي مفتوحتان
الأشياء التي تخطر من أمامي
لا تدري بذلك
ولا تمر من أجله
أنا أيضا أتركهما مفتوحتين بدون هدف
الباب مشرع أيضا لكنه لا يراني
الكتب ليست مفتوحة لأجلي
لندع هذه الأسرار تنتقل في الضوء
الذي وحده يحيلنا صورا
لندعها تختفي بالآلاف تحته
إطباقة جفن واحدة
تطرد كل هذه الولادات
التي سرعان ما تغور
أذ لا وقت ولا فرصة
لعودة الأرواح الميتة
التي انفقدت تحت كل نظرة
والصور التي انسرقت
من على الوجوه والأماكن
لا وقت لنرسلها الى بيت الذكريات
حيث لا نزال نعد كلماتنا المفضلة
وحيث أيامنا الكبيرة
التي تتفرغ كل عام
تستمر تستدعي من وراء البحر
أشباحا جديدة
عناوين تزداد يأسا
وحطاما من بلدة أخرى
ليس هناك ما يستمر في الصراخ
فوق العاصفة التي أطبقت
فوق الخلائق التي تنهض في الحشر
ليس هناك سوى ما يسقط من الأبصار
ما يكفي لندفن هذه القصة
ما يجعلنا نوالي طرح النفوس المكسورة
فوق أحمال الصور
التي ردمت هذه الأنا الماجنة
وألقمتها للريح
كانت من قبل أفكارا
قبل أن تغدو جثثا
كانت بدون أن تجد ساكنيها
وبدون أن يكون الأمر وصل
والعبرة انفجرت في كلمتين
كانت ضيوفا صاروا أشباها
ونقلهم اسم واحد
وقافلة من الأعداد
إلى هذا المأوى
وكان يمكن أن يصلوا بأقل من لحظة
إلى حيث تأخذهم غفوة واحدة
ولمحة بصر
إلى الباب
لم يكونوا كذلك عند الظهر
وسيكونون كذلك حين تزول الشمس
عن كتف المكان
وحين لا يبقى أثر
من عين لعبت في الظل
لا يبقى من الأعقاب التي حملت تواريخ دامية
سوى الأثر الذي حمل الخاتمة
الى أول الطريق
والبقية
الى عظم الدار



أعثرعليً في احتدام الشارع
إنني سرُّه الصغير لا صرخته
همسه لا غضبه
وأنا أضفي معنى
على الشجرة المقابلة
أحاول أن أنظم سطرا من دبيب أقدام
ومن طرطقة في الأعلى
لا بد أن أصبح على هذا المدى
الذي أطعمته روحي
لا بأس أن أصل النهاية بالنهاية
وأكون وحيدا
فوق النهايات
نتبادل الأسرار ونتبادل الشوارع
لكن الذاكرة تلد أسماء ومدنا
، وأكثر من ذلك،
حياة للجميع
حياة في الخلف ولا مكان فيها
سوى لما ينبت تحت الأطلال
ويحمل الموج إلى جزر
صعد حجرها من الهواء
أعثر على نفسي في احتدام الشارع
أعرف أنني لم أخرج جريحا
من هذه الضجة
لم أنجُ عبثا
ولا عبثا وجدني المهتدون
مطروحا على الشباك
سلَّمت حيوانات البر وطيور اليابسة
أسماء باضتها على الشاطئ
سلَّمت المجهولين
وجوها تعارفوا بها



وإذ آن أن أذهب إلى الفراش
هكذا تقول ساعة الجيب
هكذا يقول الجيب
شاشة التلفزيون لا تنظر إليّ
إنها تبتعد
هذا الضخم ليس صندوقا بعد
إنه ينسحب امامي
ثمة اشياء عليه
لكنه يهديها لليل
جسدي ليس ساعتي
لكني احمله في الثانية إلى السرير
حيث لا أجد الوقت
عليّ فقط أن أهرب في غرفتي
هذا النهار لم يكن لاذعا
لم يفاجئني سعال
لم أعطس في كمي
مع ذلك لا أعرف كيف أنهيه
ابقى فقط جسدا مطروحا هنا
لا أؤلف مع الشرشف شيئا
ما زلنا إثنين
ما زلنا جسدا مجلوبا من أمام التليفيزيون
وسطحا تحته
افكر أن هذا لم يحتج إلى قفزة
او وثبة إلى فوق
لقد فعل الصمت هذا كله
فعله انتهاء النهار بدون صوت
والانتقال بجسد شاغر
برأس مغسول
بين إنتهاء الكلام وانتهاء الوقت
فعله أيضا
أن لا كلمة لتسليم ذلك
لا باب ينتهي عنده
أن لا طيران فوقه
بل آلة بقدمين وصدر ممدود
جاثمة بدون أن تسمع
الكلام الذي يحدث في الهواء
بعيدا عن الفكرة الميتة
التي حملتني إلى السطح
عن التلفيزيون
الذي صار وراء السمع
وبعد العين
أفهم أن ما تركته هذه المرأة
خمس دقائق
ينبغي ان تقطعها في الظلام
مجرد لعبة للنهار التالي
وخمس دقائق أخرى
لمرور الميكروب
وإذ آن أن إذهب إلى الفراش
أتقابل مع الوجه الجامد
المفروش على الأريكة
والذي يتكون من خمس وسائد
توقفت عن الحياة
لمجرد وصولي
أغلق الباب بمفتاحين
أغلق الشاشة
وأحاول أن أغلق السترة
على صدري
العالم في غرفتي
لقد أغلقوه عليّ
الوباء سري الصغير
يصفر
يمكن له أن ينام الآن
أن يحلم في رأسي
أن يمضي بقية اليوم على الشاشة
وأن تكون هنا كلمة السر الصغيرة
شيء لليل
على وسادتي



كلمة


أكان علي أن أقولها
هذا الباب سيكون مفتوحا لمجرد ذلك
سيكون بابا فحسب
وسيختفي ككلمة
لن أكون حاضرا لأعرف أني سمحت للعالم
بأن يختفي في الدخان
الذي خرج من كلمة
أنها فقط ما يستحق لحظة
أن يوجد كزمن محلوق
حين كل شيء ينتهي في ربع ثانية
حين النهار أيضا باب
لا ندري ما خلفه
حين نبقى على السطيحة
بين سطورها
نتمسك بهذا الأثر الذي كان ايضا كلمة
او إسما
وربما كان بيتا
وكانت لنا حياة هناك
ماذا نسمي إذن تلك المسافة الصلعاء
التي لا تسلمنا للنهاية
ماذا نسمي الأبد
إذا كان حقا حائطا
وإذا كان يمكن ان نجتاز الكوكب
بـ لا صغيرة
بإذن لمدة ساعة
بولادة في صنبور
ماذا نفعل حين لا كلمة
يمكنها أن تنقذنا
حين لا نعرف كيف نبتعد مسافة عام
عن قدرنا
وحبن لا تكفي لربع الساعة الأخير
حياة كاملة
وربع مليون بطاقة
وتمشايات وقبرات
عائدة إلى الطفولة
ماذا يمكننا أن نبيع للحائط
ليس بالطبع هذه العصرية
التي انقضت في التظاهرة
ليس أيضا بثمن خيانات أكبر
نصلي لهذا المساء
الذي لم ينقلب بعد إلى الناحبة الأخرى
من الشطر الذي بدأ يختفي
بذلك الدخان
الذي كان أيضا حياة
متروكة بدون زفرة ولا مقاساة
تحت السماء المحلوقة هي الأخرى
والباقية كعراء علوي
لا ينبغي أن يكون لذلك وقت
يمكنه أن يصادف ريحا صغيرة
أو يتعلق بأنشودة
ويسقط من ربع دينار ذهبيّ
ومن بين العبارات البائرة
يجد شمعة لحياته
يرميها إلى الأمام
يجد بابا إلى العلاء مهجورا بين السبل
وعليه قصفه بأكثر من تحية
وبقروش صباحات نيئة
عليه ان يلتف على أوَّله
وان يقتل غرابا يحرسه
ولا يمكن مع ذلك أن يبقى شيء
لبائعة القبعات
وبخلاء الحكايا
لن يكون هناك سوى إنجاز وحيد
ليوم مكتمل
مع ذلك ليس هناك بعد
اي حساب
لشمس مقطوعة الرأس
ولا لمسيرات عند الظهر
تحت البرلمانات والشمس والطوابق
لن يتوقف الغناء عند العصر
ولن تعود المنتصفات بارزة
في الأواسط العارية
ستبقى هناك قطعة تحت الباب
أو جثة على الطريق
ومن بعيد
يقرعون الباب
من بعيد غراب يصعد الى الغروب
وبحنان
حنان كبير
يختفي



غيم

غيم
تراه خرج من عينيّ
أم أنه خوف انتشر في الهواء
بعد أن كان جليدا
ربما هو فكرة ملأت المكان
ولم تعد حجرا أو عدوى
أو جارا مريضا
وصل هذا التهديد منذ ساعة
إنه يسقف السماء
التي في صمتها الكبير
تستمر في تنقية.الفراغ
في تصفية الغضب
بالرقة التي تصقل بها الخطر
بالنظرة التي تنتقل الى الأبدية
في لحظة واحدة
المطارق غير المسموعة تعمل في الوقت
ما ليس سوى البداية
كان مجرد اسم
يبقى وحده ممددا في السرير
كان نقطة دم
توزعت بين المزارع
جريمة هربت من أربعين عاما
وفكرة صغيرة هربت معها
الآن يمكن نقل ذلك في كتاب
يمكن لوسواس نام مع الجميع
أن يغدر قبل أن يختفي
لقد حمل تلك السنة كقبر مفتوح
وباعها على طول الطريق
الآن تطلب فريسة
الآن توشك أن تثب
لا يمكن لذكرى ان تكون مضللة أكثر
إذ يكذب القلق
قبل أن يقفز إلى المجهول
إذ يكون في المرة الثانية
أشد مضاء
يعود أثقل
وأقل عبرة
وبالطبع سيفتك في هذه الفوضى
سيقع مجددا على البداية المتنقلة
بالطبع سيضرب كفراغ صافق
أو فجوة مسنَّنة
لقد كان جارا كل هذه السنين
ولم يكن وداعا واحدا
أو ماضيا فحسب
ولم نعلم أننا نربي سيفا
وأن امامنا ما سيعود من الخلف
إذ كان يمكن أن نرتطم بخيالنا
بالحماقة التي تركها للعبنا
منذ أعوام
قدر طفل وأعمى
وهذا أوانه
إننا نبدأ من الغيم



الخطأ


وأنا أقرأ أبحث عن الخطأ
الذي كان سبب الكتاب
لقد اختفى تحت الكلمات
التي، مع ذلك، لا تزال تحميه
ربما ليس سوى تاريخ
اسم فحسب
أو مجرد عدد
قد يكون فقط غلطة إملائية
أثمرت كل هذه الأعالي
هذه المربعات
التي ترصد بدقة علمية
الكسور التي قامت عليها
مختبرات عملاقة ومراصد وبانورامات
مع خطط للإبادة وانقراضات دورية
نصف كلمة، نصف اسم
لم نتحقق منه
مع ذلك لا يحتاج الى تتمة
ليغدو مقدسا
لا بأس أن كان تلا عبا
او حتى احتيال
سيختفي ولن نلحقه
أو نعرف أين ينتهي
سيكون الخفاء شاسعا
او لا يكون شيئا
فد يكون اللاشيء المتوقف في الهواء
كسيف
كثانية قاطعة
كشعرة من الهواء تضرم غابة
اللاشيء المتوسع إلى الأمام
قبالة شيئه المتراجع
أقرأ وأعرف أنني لن أبقى
إلى نهاية الصفحة
لن أستطيع عبور هذا الكلام
وبالطبع
لن أعثر على الكلمة الوالدة
طالما أن هذا الصباح
الذي ليس له مقلب أو مقابل
فقد دمه قبل أن يبدأ
وبالطبع لن يعثر على بدايته
مع ذلك كان الخطأ
تحت كلمة ما
متظاهرا بأنه المعنى
متظاهرا بأنه جبل في الطريق
كبر من أنا صغيرة
ويختفي من نظرة
اوحركة يد
قلبت كلمة شيطان
ولم أجد تحتها شيئا
قلبت جبلا ولم أعثر على شيء
كان المعنى هناك
متظاهرا بأنه ميت
كان الكتاب مقلوبا
على ثقب
رأيت فيه وجهي
خرجت تلك الشعرة مني
وهنا سقط واحد من أسناني
هنا خسرت نفسي تحت كتاب
هنا رميت اسمي
الذي وصمني كل هذا القرن
إنني أعيده بثمن أقل
إلى من رموه علي



خطوة

من ترك هذه البقعة؟
لن تكون من أثر يديك،
لن تكون بصمة
طبعتها بفمك،
إنها تختفي لتظهر ثانية
لكن من يعرف أنك مررت،
إنها قد تكون خطوة بلا صوت
قد تكون جملة توقفت
على الجدار الذي لم يفهمها
مع أن معانيها من حجارته
لقد تركها نابية فوقه
ظل يصارعها
مع أن لا شيء يدل على ذلك
لا أحد يعرف كيف يطرد جدار
أصواتا لم يستطع ابتلاعها
وما زالت تزعجه في وقفته
لا يعرف أحد كيف ينزع
من تحت الأصابع
تلك الذكرى التي طبعتها
أو إنها لم تكن سوى قفاز
يتكلم من الجوف
إنها فقط خطوة إلى الرحيل
وقفة على الباب
إذ لم تعودي سوى تلك الخطوة
التي خرجت من حياتي
من الذي تكلم من صدري؟
من ترك تلك الصورة
لغيابي؟




أقسم على صحف اليوم
وعلى الأدوية
الباقية لي كورود من ماضيّ
أعرف أن تحت هذه الحبة الصغيرة
ليلا سيداهم دمي
أعرف أن هذه الحبة
قد تكون
هي التي قتلت أختي
ثلاث حبات
أصلي عليها وهي تحت لساني
أصلي لتحرسني
في ذلك العمق الذي سقطت اليه
كاسم آخر لي
سيكون الصباح خمولا وباردا
حين يتسلل ذلك اللص
الذي ليس سوى حبة أخرى
تقع في السكون
قبل ان تقطع الوقت نصفين
في ساعة افتراضية
وفي وسط النهار أيضا
لا بأس أن أعد ثانية عند المساء
ست حبات
إحداها ملاك للنوم
يختفي عني
ولا أعود أراه
وانا أتقلب في فراشي
بينما يستمر الليل
كدواء ثقيل
تهجم من كل مكان
حبات تركها لي الوقت
الذي وقف مرات في حلقي
ليست تلك التي طردتها من فمي
ولا تحمل كنيتي
لكنها ترقد إلى جانبي
كأنها عائلتي
سأعطيها لقبي وأتركها في الصباح
تعود إلى حيث وجدتني
سيكون الزمان أجرد قبل أن يلفظني
وألتقي باسمي
كدمية صغيرة
كحبة دواء



ناجون

ناجون
يعودون من الحياة مساء
كل مساء
ناجون
يوما بيوم
لم يحدث شيء
ما لم يحدث كان هناك
ما لم ينفجر لا يزال
ولا يحتاج إلى وقت ليفعل
هذا المساء ليس بين يومين
ولا بين سريرين
إنه كتابة من هواء
يمكن لأشخاص أن يمروا عبره
كتواريخ فحسب
يمكن لهم أن يكونوا هناك
كساعات فقط
لكن أحدا لن يبقى حتى العشاء
إذا لم يجمع ما يكفي ليتأهل للفراش
إذا لم يصل مكفيّا إلى السهرة
بعد أن يشتري الوقت
بانتظارات طويلة
بتخليات أطول
يموت فيها حب
وتحيا عهود
ويكتفي أبطال من مأساتهم
ناجون
يعودون من الحياة مساء
أين تضع قلبا
وأين تخسر إرادة
أين تكون جسدا من هواء
أين تكون بصمة
وتاريخا
الحب هبتك
قكيف تخلصه من الذكريات
كيف تصنع منها جسدا
أو نهارا
لا يلبث ان يسقط في السرير
إنه يوم على الباب
وستخرج منه حيا
لقد تركوه كصدقة
يوم حب احترق
وأخطاء مرقومة في صناديق
مع عداد للثواني
والنوايا الخاسرة
ناجون
سيكون لنا غروب آخر
غلبنا الحياة
التي بقيت تنتظر في الغد
ما لم يحدث
من فرط وجوده
كان أيضا في السرير


إلى أبي

 
كان متمهلا
لطالما أحصى الخطوات
لكن العالم الذي انتظره بأربع عجلات
الخطوة التي رمته أيضا
ظلا معه وقتا نائما في الحجرة
جامدين على عينيه
لم يكن عجولا
لكن الشيخوخة سبقته إلى الخمسين
كان هناك فقط ما تركه في إفريقيا
شباب بقي هناك كالنعاس
قبل أن هاجمته الوساوس
جسد بركبة واحدة
فودان للذكرى
مع الزرقة التي شابت عينيه
والتي طالما أثارت كل هذي الضجة
في خزانة الكتب
كان يتكلم مع الشارع
دقة دقة
بعصاه التي لم تسمع هدير السيارة
التي صدمته
لقد تمددت جنبه
في حين أن قبرا واحدا
تشكل منهما
إنه يعود مع ذلك اليّ
وهذه السنوات التي بيننا
لن تكون سوى زيادة
ولن تصلح لأن تكون عمرا
أو أن تنضم إلى الماضي
ستكون فقط هذه المنامات الصعبة
التي أقلبها دون نجاح في سريري
والتي لا تحتاج إلى وقت
أو إلى أحلام
لتكون لها صورة أو حكاية
كان صوتا يسقف المكان
إنه فقط ظلام سائل
كلام قديم يلفظ ثانية
جملة طويلة تحدث دون أن تقال
شيخوخة بدأت في الخمسين
مع حكمة حدثت كبرد في الرأس
بقيت كصدع في الركبة
او مرض في الشرايين
هناك شبه ليل على الطريق
هناك أيضا نصف شباب
لكن العمر استمر في مكان آخر
الشيخوخة باتت إرثا
من هناك حمل معه هلوسات لم يفهمها
ولم ينتظر حتى تصبح حقيقية
الكتب ظلت تكبر أكثر منه
حين أراد ان يكون له
عمر الكلمات


من ثقب إلى ثقب

 
منتصف الشهر ثقب
أصل إليه من ثقب آخر
أنظر إلى حيث كنت
فلا أرى إلا العشب
أمضغ بدون قابلية
صباحات ناشفة
وأياماً متساوية متثائبة في الظلّ
أتناول الحياة كسرة كسرة
وما يبقى أتركه للذكرى
المبعثرة خلفي
والّتي تتحوّل إلى آثار
وإلى عملات ممسوحة
أدخّن الوقت مخلوطاً بالهواء
وأزفره مع الكلمات
الّتي تنزل أعقاباً على الأرض
لو كان لي أن أدّخر أيامي
أو أحفظها في مصرف
أن ابني هيكلا من يوميّاتي
شخصاً من شمع أو خرق
أن أربّي منها شجرة
او قرداً
... أو حتّى فزّاعة
لكنّ الغربان الّتي تنقضّ من علٍ
تحمل الى المجهول
القشّ الذي نسجتها منه
وتخلّص الخيوط والبراغي منها
يبقى زرّ واحد على صدر المانيكان
نصيبه من الحياة التي أمضاها
تحت الأضواء
أنّه وسام خدمة طويلة
لم يدرك إلى الآن
أنّها انتهت
فليس له جثّة نرميها في خندق
أو نغطّيها بمعطف عسكريّ
رآه الجميع وهو يبتسم لحذائه
حذاؤه يبتسم له أيضا، يتبادلان اللاشيء
الّذي هو سعادة
من يوم إلى يوم
وتحتاج إلى جلد لمّاع وفكّ قويّ
يحدث أنّني أخبط قدمي في ثقب جديد
انتصف شيء ما
ونحن تماماً في وسطه
كمن يقطع شعرة بسيف
مرّ الشهر تحت آباطنا
ولم نره
ولم نفكّر في أن نؤخّره
قد أكون مانيكان شجره
قد أكون مجرّد يوم إضافيّ
لا أعرف ماذا أضيف للشروق أو الغروب
ماذا أمنح للفجر
لا شيء أقطعه بقدمي
كمن يقطع شعرة بسيف
لا أتصدّق على المانيكان
إنّه يعرف من أين سرقت قبّعتي
كم خسرت في شهر
ولماذا أفشل في تقليده
إنّه يختارني من بين المجتمعين خلف الزجاج ويناديني
جنبي المرأة المقامرة
وقد جاءت تشتري حظا
جنبي النمر الطاعن
وقد جاء يطلب أسنانا
جنبي الجنيّة الهوجاء
توزّع بطاقات لكلّ الأماسي
الجميع ينظرون إليه
خجلين من أن يبتسموا لأحذيتهم
الّتي اندعكت منذ لبسوها
ما زال الحذاء المثالي
سؤالهم الميتافيزيقي
مع أسئلة أخرى عن أشياء السقف
وعن المصابيح
أتنفّس الوقت وأزفره
بدون أن أنتبه
إلى أنّ في أصابعي
وفمي
وأذنيّ
القدرة ذاتها
على تبديده في الهواء
ثمّة حطام يتحوّل طحينا
وطحين يغدو هباء
ثمّة نسيان يغيم فوق كلّ شيء
أيتّها السبعون تصلين وحدك
ليس خلفك عربات ولا أحمال
لا يحتاج النسيان الى حقائب
إنّه يسأل فقط عن الحلاّق
ومزيل الرائحة
لا يأبه لكل الشعر الّذي يتساقط
ولا لسلسلة المفاتيح الّتي تخرج من حلقه
ولا حتّى لتلك الرائحة المتخيّلة
الّتي يفترض أنّها تنسم فيه
أكبر الحروب تخمد بلا آهة
فقط صفحة بيضاء
نملؤها بضجيجنا الداخليّ
وخوفنا
لم أستطع ان أؤخّر الأعوام
ألوم نفسي لأنّي لم أحاول
لم أقدر على تجنّب الوقت
لا بدّ أنّ هناك طريقة ما
حتّى اللاشيء يمكن حفظه وتخزينه
حتّى السراب تمكن تعبئته
وبيعه في قنانٍ
حتّى النسيان يمكن تحويله الى طاقة
لا بدّ أنّ هناك طريقة ما
لم تكتشف بعد
سنقدر بمزيل الرائحة
أن نمتصّ الزمن
سنقدر بساعة بسيطة
أن نغيّر الوقت
السبعون
يمكن أن ادّعي أنّي لست حيّاً ولا موجودا
قد أجبرهم تماما
فيضطرون إلى إهمالي
ونسياني وسط الحياة



غرفتي


أجر أنا كسيحة
من أمام التليفزيون
أسحبها إلى السرير
حيث يبدأ عذابها مع الوقت
الذي يتقلب معها
لا يكفي أن أغلق الباب
لقد مر( ) غالبا
وترك على المقبض
نظرته الماحية
البارحة ترابط في الخلف
إنها عدد يكبر ببطء
نهار واحد يقفز من تحت النافذة
يرتمي على المنضدة
التي ماتت أمس
حيث هناك موتى آخرون
على المنصات، كانوا أمس كتبا
كانوا قناني انتحرت، حين
الحياة توقفت وسطها
كانوا أيضا قامتي التي منحتها للشتاء
وشبحي الذي لم ينهض من السرير
أتكلم معه
ليفسح لي جنبه
لأكون رسالته الى الحياة
التي هي الآن
باب البراد
وصمت التليفزيون
الأشياء تنام على منصاتها
لا نعرف متى تحجرت
ومتى أمرت بذلك
لا نعرف متى وجدنا القرن
يغط في الزاوية
نافثا عشرين عاما نافقا
نحن المحاطون بأشباه ذلك الأمس
الذي يتكرر عددا بعد عدد
هرير صامت يستعد لمواكبتنا
حين يأتينا نحن أيضا
الأمر نفسه
لقد جاء الوقت
علينا أن نستعد لمغادرة أشباحنا
التي لا نستطيع أن نخرج منها
بدون أن نقص مجالا لأنفسنا
في داخلها
إننا فقط في البعيد
حتى في أسرتنا
في البعيد، ودائما أشباح أنفسنا
الموت يلبسنا
لقد رمونا للآخرين
وتكوم علينا أشباهنا
المعتقلون في أجسادهم
إننا نتكرر على طول هذا اليوم
وأحيانا،أحيانا فقط
نحصل على عطلة
أمام التلفيزيون
أحيانا نحمل هذه الحياة المعارة
الى المطبخ حيث نقليها
ونرمي قشورها
ولا نعرف كيف تنقلب في الطبق
إلى كمامة تنظر إلينا
لا نعرف ما الذي وراءها
عقود سنين فقط
عجزت عن أن تكون ماضيا
عقود سنين سقطت منا
كوجبة أسنان بصقناها
أمام قرن لم يزل قاعدا
وإن انقصف في سنه العشرين
منفيا إلى غرفتي
أجر أنا كسيحة
من أمام التليفزيون
أنسحب إلى السرير
وأعد خمسة وسبعين عاما
قبل أن أنام



انتصارات صغيرة


ألمك الذي ينتقل إليّ
لا يحمل اسما
ولا عنوانا
لا أدري من أين أتى
ولا كيف عثر عليً
لم يكن هو العجوز
الذي مر تحت الشرفة
ولا الغيم الذي ركب السماء
لم يكن طعم الإكي دينيا
ولا كلمة عن شرق أوروبا
لم يكن أنت
كان فقط ألمك
الذي سمَّاك لي
أعدً خطواتي بخوف
لكن أتابع العدّ
لا أعرف متى يحصل الرقم المشؤوم
الُذي أفوته دائما
لكن أعرف أنه قد يوجد بالخطأ
في فسحة فارغة
قد يكون سقط
بدون أن أشعر
في ركبتي
قد يكون عثرة قادمة
قد يكون هذه القصيدة
التي ليس لها ما وراءها
ولا ما بعدها
فالشعر الآن هو هذا الجسد
الذي أربّيه للحظة
أعرف أنه فيها فقط
ينتصر على نفسه
لا شيء أسلِّمه للغد
ولا أعرف ماذا ينتظر هناك
هل سيكون حقًّا موبوءا
إنه زمني الخاص
أشتغله بمنتهى الزهق
وسأتركه في حجرتي
وعلى سريري
مع وجع اليد البمنى
ومكابدات النوم
مع الرسائل المتوعِّدة
التي تصل بنصف صورة
ونصف صوت
بثانيتين قبل اليقظة
مع ذلك أكمل تماريني
التي أجرّ نفسي إليها
مع دوام التفكير
بأني لا أستطيع أن أكملها
وأني في كل لحظة
أكاد أخرج منها
مع ذلك أفهم بسأم كامل
أنني هكذا أغلب نفسي
وأحقُق بدون أن أصدق
انتصاراتي الصغيرة
وهذه القصيدة التي لا أطمع
في أن تسمِّيني شاعرا
هي فقط معركتي
وسأكون وحيدا معها في الحجرة
وربًما تكون وداعا للشعر
او مجرَّد يأس منه
خيرلي أن أعرف نسبة الكولسترول
في طعامي
إنها عدد كبير من الأعداد
من الأرقام الهائلة التي تغطّي على عمري
والتي هي أثمان كل ما طلبته
ترتفع كل دقيقة
ووحدها تكبر كل صباح
تنمو وتتسلّق
لدرجة تغرقني
آخذ أدويتي الكثيرة
لأنتصر على قلبي
وأعود إلى سريري
الذي أعانيه
بدون أن أستطيع
اقتلاع نفسي منه
وحدي مع كتاب
وحدي على الشرفة
وحدي مع ألم القريب
وهذه كلها
انتصاراتي الصغيرة على نفسي


قد يعجبك ايضا

تعليقات