شوق يشارف المطلق
قصائد من هولدرلين*
(1770 ـ 1843)
ترجمة : عبد الوهاب الشيخ
منتصف العمر
بكُمِّثرى صفراء ،
تتدلَّى في البحيرة
ضفَّتُها المليئةُ بزهورٍ بريَّة،
أيتها البجعاتٌ اللطيفات،
والثملاتٌ بالقُبَل
اغْمِسن رؤوسَكن
في المياه المقدَّسةِ النقيَّة.
يا لأساي، أين إذَنْ سأجدُ الزهور،
عندما يحلُّ الشتاء،
وبريقَ الشمس
وظلَّ الأرض؟
الحوائط تقفُ
بكماءَ وباردة، في الريح
تصلصل دوًّاراتُ الرياح.
غروب الشمس
أين
أنتِ؟ إن روحي تلوحُ ثملةً
بكافةِ
مباهجك؛ لأن تلك فحسب هي اللحظةُ،
التي أُنصِتُ فيها، إلى الشمس الشابةِ
الساحرة، المُفْعَمةِ بالأنغام
تعزفُ
أغنيتَها المسائية على قيثارةٍ سماوية؛
الغاباتُ
والتلال ترجِّعُ الصدى،
بيد أن الشمس تمضي بعيداً غير مُبالية،
نحو تلك الشعوبِ
التقيَّة، التي لا تزالُ تبجِّلُها.
فانتازيا المساء
في الظلِّ أمام كوخِه
يجلسُ الفلاح
هادئاً ، يدخِّن
موقدُه بما فيه الكفاية .
بنغمةٍ مضيافة تقرع أجراسُ المساء
في القرى الآمنة داعيةً المسافرين .
الآن أيضاً فيما أظن
يرجعُ الملاحون إلى الموانئ ،
وفي المدن البعيدة
بمرح تخفُت الضجَّةُ
النشِطةُ للمتاجر ؛ تسطعُ الوجبة التي تشيعُ
الأُنسَ
بين الأصدقاء في التعاريشِ الهادئة .
إلى أين إذن أمضي ؟
يعيش البشرُ الفانون
على الأَجْر والعمل ؛
وبتقلُّبِهم بين التَعَب والراحة
يثير كلُّ شيء فيهم الرضا ؛ لماذا إذن
لا تهدأ أبداً تلك الشوكة التي في صدري ؟
في سماءِ المساء
يزدهرُ ربيع ؛
تُزهر الورود بلا عدد
, وهادئاً يلوح
العالمُ الذهبي ؛ آه فلتأخذيني إلى هناك ،
أيتها السحبُ الأرجوانية ! وربما بأعلى
في النورِ والهواء
يتبدَّدُ حبي وأساي ! ـ
لكن سرعان ما يهربُ
السِحْر ، وكأنما يتطايرُ
بفِعْل توسلاتي
الخرقاء ؛ يهبطُ الظلام , وأبقى وحيداً
تحت السماء ، مثلما هي الحال دائماً . ـــــ
لتُقْبلْ الآن ، أيها
النعاسُ العَذْب ، كثيراً ما اشتعل
القلبُ بالشهوة ؛
لكنك في النهاية تخبو ،
أيها الشبابُ الحالم ، الذي لا يعرف الراحة !
وعندئذٍ تصبح الشيخوخة آمنةً وبهيجة .
أغنية القدر الخاصة بهيبريون
تتمشون بأعلى في
النور
على أرضيةٍ ناعمة ، أيها العباقرةُ المباركون !
نسائمُ إلهية متلألئة
تلمس في خِفَّةٍ قلوبَكم ،
مثلما تلمسُ أصابعُ الفنانة
الأوتارَ المقدَّسة .
بلا قدرٍ كالرضيع
النائم , يتنفس أولئك السماويون ؛
تُزهر روحُهم
إلى الأبد
وقد صانتْ عفَّتَها
في برعمٍ متواضع ،
والأعينُ المباركة
ترنو في صفاءٍ
أبديٍّ ساكن .
أما نحن فقد قُدِّر
علينا
ألا نرتاح في أي مكان ,
يخورُ البشر
الأشقياء ويسقطون
دون بصيرةٍ
من ساعةٍ إلى أخرى ،
مندفعين كالماء
من جُرْفٍ إلى جُرف ،
عبر السنين نحو المجهول
إلى أسفل .
إلى ربات الأقدار
جدن عليّ
بصيفٍ واحد فحسب ، أيتها المتجبِّرات !
وخريفٍ
واحد لكي ينضجَ غنائي ،
عندئذ يقضي قلبي في سلاسةٍ
وقد أُشْبِع بالعزف الحلو .
إن
الأرواحَ التي لم تتحصَّل على حقِّها الإلهي
أثناء
الحياة ، لن ترتاحَ أيضاً في العالم السفلي ؛
لكن إذا ما فزتُ مرةً بذاك الشيء المُقدَّس
الذي يقبعُ في قلبي ، الشعر :
فمرحباً
إذن ، يا سكونَ عالم الظلال !
راض ٍ
أنا ، إذا لم ينحدرْ عزفي
معي إلى أسفل ؛ فذات مرةٍ
عشتُ كالآلهة ، ولا حاجةَ بي إلى ما هو أكثر .
تعليقات
إرسال تعليق