وردة في كفك
مختارات من شعر سماح بني داود
أحلام عارية
طعنة واحدة في ظهر السماء
كافية..
كافية لطوفان يغسل دمي
يطهِّر شراييني من بقاياه
كافية لصمت المسافات
وفراغ الساعة
من جميع مواعيدنا المتأخِّرة
طعنة واحدة في ظهر السماء
كافية لأنام وحدي
بين شفاه الرَّحيل
مجرَّدة من ذكرياتي
عارية أحلامي
خاوية من ضجيج ذاك العشق
طعنة واحدة في ظهر السماء
كافية كي أمشي
وحدي بلا بوصلة
في صحراء أنايَ العظيمة
أراقب عمري المستعجل جدًّا
بين حنايا وقت لم يخلق لنا
طعنة واحدة في ظهرالسماء
كافية..
لكلِّ صوت
وصمت
لكلِّ موت
وموت
لكلِّ ضوء
شمسه نامت بوجنتيْ سراب!
وردٌ على شفاه طفل
كبحرٍ هجرته السفن،
وما عاد ظهره يغري النوارس؛
أنقرُ صدر السماء :
تمددي بزرقتك
حتى آخر المدى!
كعروس حافية ،
تركت حذاءها عند ممرّ ضياع؛
أقهقهُ في وجه الرّيح
وأغني للدجى.
كخشبةٍ وقعت بين مسمار ومطرقة،
أو كغيم جفّ من جوفه المطر؛
أصرخ بصوت مبلل
بضوء نجمة في العراء :
تنهدي يا عصافير روحي
تكبّري
فقلبي بالحنين ارتوى،
هكذا حال هذه الأنا!
أقف هنا بمفردي
أعدُّ ثُقب الغربال تحت قدميّ،
بحجم انكساري ثقبه،
بحجم فراغ الوقت منّي،
بحجم أنيني
حين تذبل أزهار ليلي!
كأرضٍ لا يشتاقها المطر
كشجرة كل فصولها خريف؛
أنادي حُلمي
الغائر فيَّ:
هلاّ قاسمتني رغيف الأمنية؟
فيردُّ من وراء ظلمتي:
سِيري بكِ حتى يكتمل القمر،
كوني وردا على شفاه طفل.
تخذلني العصافير
وأنا ألوّنُ أجنحتها ،
تغادر لوحتي وتترك البياض!
يخذلني الليل ؛
فكلّما عانقت سواده
يستعين بجلد الشمس
ليشرق!
ككلّ يوم وكلّ ليلةٍ؛
سأنام وأنتَ مستيقظ ٌ فيَّ!
سألته : أتُنْصتُ لنبضٍ يرددكَ
ينادي عصافير الجنة بإسمكَ؟
فهمس : أنصتُ لكِ بخشوع نبيّ ترك قومه
لأعود محمّلاً بصحف الحبِّ
أتلو عليهم روايتنا الخالدة ،
أخبريني حبيبتي :
كم ركعةً في العشق تكفيني لأستوي على عرش قلبك العالي؟
جئتَ إليّ
واسمها المحفور فيك
يُثقل خطاك
كمجنون كنت تبدو.
تائه بلا وطن
تردّدها
توشم ذكراها على صدرك
العاري إلاّ منها
جئت تحدثني عنها
عن سجود قلبك
تحت قدميّ غيابها
عن دموع تسقي
فناء غربتك دونها
عن تيه يُسكت صراخك
جئت تحدثني
عنها
لأكونكَ
لأسير معك الى منفاك الأخير!
أنا وبحري
أيّها البحرُ
لستَ وحدك هنا؛
الطّريقُ تغصُّ بالرّاحلين،
تنقطع أنفاسها
عند بائعِ
حلوى ودّعَ سكر العمر!
الطريق طويلة؛
تعجُّ بالتائهين
وحده التيه
يغمر قلوب الحالمين،
ينفلت الضوء منكسرا
من أصابع الوقت،
تجرفه حمرة الأفق،
موج شاحب بلا ماء!
لست وحدي هنا؛
السماء تزدحم
بغيمات تشبهني،
يكررني القدر لأكون،
وما كنتُ غيركَ في هذا المدى!
باخرةُ الصمتِ
لا تصفِّرُ الاّ باسمكَ
تتراقص النوارسُ
على أشرعةِالحلم،
فأجدُني فيكَ
طفلتكَ المدللةُ
وردة لا تنبت الاّ
بسماء خضرتك،
أنتَ البحر
وأنا موْجَتك الدافئة!
أيّها الربيعُ الساكن فيَّ
أيّها القمرُ الّذي
كلّما غاب
جرف نجومَ قلبي
الى طيّات ذِكراه!
بسنّارة الشوق اصطدتُ لُقياكَ أيّها الساكن قعر الغياب.
جلسَ بِجواري
يحكيني، ويحكيه..
يفرش جنونه على تضاريس
حلمي،
يكتبني قصيدته المفضَّلة؛
قصيدة بحطبها نشتعل
كل ما فيَّ إليه يسافر
وكل ما فيه إليَّ يعود.
ناداني بصوت خافت :
أيتها المرأة المرفرفة كفراشة ذبلت ألوانها
اقتربت أسأله : من أين جئت؟
_من ثقب إبرة يقولون عنه "وطن"
_وما وطنك؟
_أرض ما عدت أعرف منها غير شقوق تشبه رُقع ملابسنا،
كساها الزمن تجاعيداو قحلا!
_هل حلّت بها حرب؟
_لا
_هل مات أولادها؟
_لا،
غير أنّها عارية من كل ضحكة، التهمت النار جنانها،
أنظري عزيزتي الى هؤلاء، أترينهم رجالا؟!
لا رجال بوطني غير الذين كانت صدورهم دروع رصاص، او الذين أكل السجن من أعمارهم، أو تجدينهم خارج هذه الأرض، نصفهم يكتب رسائل حب وسلام تتمزق قبل أن تصل ، ونصفهم أخذ منه الجنون ما أخذ،
أما هؤلاء فهم لقطاء، يتسولون على عتبات القصور، لهم بطون محشوة برغائف خبز اليتمادى،
يبكون وراء جنائز من مات جراء قبحهم!
_ثم ماذا؟
_ثم أجدكِ أمامي وخلفي ومعي، وجهًا للحب، وطنًا آخر لا يغادرني ولا أغادره
_ماذا عن هذه الأرض؟
_لها بحر يلد الغيم، منه يأتي المطر، أما الشمس فمنها تُبعث الألوان.
على عتبة الأفول
حدثوني عن المطر
وما يفعله بورود الخريف،
عن ولادة شمس
من خصر الغياب،
وكيف ينفلت الضوء
من أصابع الهجر
ليقيم حفلته المشتهاة
بين حنايا الليل
و تنهيدة الحنين
فيطول الغناء!
وسأحدثكم
عن البحر حين ينضب،
عن النوارس التي تهجر موجه المتحجر
عن صخر يبكي
في حضرة الموت كلما
هلّ يومه الغائم.
سأحدثكم عن
صباح كئيب
و صباحات
تلد الانتظار
فيتضاعف
في ازدخام أرصفة الأمنية.
أحدثكم اليوم:
عن أغنية
ملّت كلماتها ذات اللحن،
ففرت تعزف للمغيب
صوت رحيلها العجوز!
عن وقت أعمى
مازلت أنام بين كفه
وعتبة الأفول!
على يمين السراب
ليس أصعب
من أن أمد يدي لغيم عقيم،
فأجدني كل صباح
بذات الركن المظلم
أراك معي؛ تسكن حفر قلبي العميقة،
وقلبك لايزال مسكن الريح!
قلمك العاري يفضح حنينك
لمساءٍ معها هجرك.
كيف لي أن أعانق
ضحكة بُتر ذراعها الأيمن
أو أن أتنفس
نسيم شرفة
أزهارها لا تتفتّحُ لي!
بلا... عنوان
تتربّعُ الشّمسُ
خلف ستائرِ الغيمِ
تكتبُ نصّها الأول بعد رحيل السّماء!
تنفلتُ السّحب من بين خطاها،
تُثقلُ سمعها ويلاتُ الرعودِ
تتغذّى من دمعها آهاتُ الأفولِ
تكتبُ نصّها الأول
للرّيحِ؛
نفسُ القدمِ تتعثرُ ثانيةٍ،
نفسُ القلب يُكررُ موته،
نفسُ السّماء تُوصدُ بوّاباتها،
قدر الفراشة أن لا ترى ألوانها!
لا مرآة لها
ولا نهر ماء.
تكتبُ نصّها الأول؛
في حضرة المغيب،
والبحرُ يأكل موجه
ظلمة تلتحم بظلمة!
تكتبُ نصّها الأول
لضحكة حبيبٍ
ضاعتْ بين
صوت
ها
وصدا
ه
بين الفصول ؛
تتدرج
كعروس خذلها المزاج!
على ظهر النور
أنا الشجرة
التي غادرتها أغصانها
وابتلعها الرماد!
أنا تلك السماء
التي هجرها الغيم،
تلك الأرض،
التي طعن ظهرها الماء،
كل ذلك ومازال الليل يشرب من دمعي
ليمتطي صهوة غصتي ويرحل!
ضحكتك حياة!
على رصيف ذابل؛
أمشي حافية ،
أرنو اليك غيمة مسكونة بالرحيل!
شمس أتعبها المغيب،
تتدرّج نحو حتفها كل مساء
تعانق الظلمة
بلا نوم
بلا حلم!
كغيمة مضمّخة بالعطش،
كأرض تشقق خصرها
تفتح فاها للبؤس
وتأبى الارتواء!
على صهوة الأفول
تنام
تتوسد عتبة الغياب
تروي للعصافير
حكاياتها المعطوبة
ترقص على أنين الرّيح
كما حبيبات الرّمل؛
دوّامة وسط الصحراء!
تدور كفراشة ملونة
بين الليل وسواده
لتعود كل صباح ؛
تمشط للشمس جدائلها،
تزرع البرتقال على وجنتيها
تخطف ألوان قوس قزح
لترسم ضحكتك
على صفحات السماء!
حلم من الياسمين
لم أكن معي،
بعضي فارق بعضي الآخر
دهاليز شوق
تنثر طريقي ظلمةً
لم أكن معي
نار تعانق ماءً على خدي
ريح تنفخ رماد الخيبة فيّ
لم أكن أعرفُني
غريبة عني هذه الضحكة
والكلمة والحرف واللون...
وأشياء كثيرة غابت أسماؤها عني
لم أكن أجدني
لا بطريقي المحفور أمنيات
ولا على جبين شمس عشقتها
هناك كنت منشطرة
بين آه وأخرى
ألملم أحلامي من بين غيمات هاربة
أبني لنفسي بيتا من الشوكولا البيضاء
و أربت على كتفيّ فرس ظل الطريق
كنت هناك بنصفين
نصف بقلب فيلسوف معطوب
وثانٍ يموت كما الشعراء!
على ضفاف الخوف كنت
أتوسد خُضرة
وأعانق شفرة سكين
ثم يأتي المساء؛
محمّلا بحلمي اللذيذ
بوطن أخضر مشتهى
مفروشة أرضه بالياسمين
ملونة جدرانه بزرابي من صنع أمي!
تعليقات
إرسال تعليق