سأحدثكم عن الغدر هذا المساء.
من بيده لقمة فليضعها،
من أمامه نافذة يغلقها،
من يطبخ عشاء لنفسه أو لكلبه ليطفىء النار،
أعطوني آذانكم، لن تحتاجوا بعدها
أن تأكلوا
أوتشربوا
***
يربي في القلب قسوة ويخلف في الصدر حشرجة
عن يد ساحرة، تسم وتعمي
بينما الجميع يتمسح بظهرها
***
ضعوا ما بأيديكم هذا المساء
أنصتوا جيدا:
تعرفون إني أحب الحياة،
تعريت أمامكم لتروا أقدامها على جلدي،
وأن قلبي طحنته الخسارات، ودمي احترق من فرط الاستخدام،
من بين أسناني المطبقة أسمعتكم أغنية طويلة
كما أن نهرا يجري بين يدي بلا توقف،
أنفخ فتقوم العواصف
أصمت فتموت الأسماك
في صدري صحراء تاه فيها شعراء وعشاق منذ أول الخلق،
وما زال في جراب هذا القلب ما يدهش،
حتى أنه مرّةً
أحب قارة متجمدة
في كوكب لم يطأه أحد..
***
ليست قصتي،
كتبتها وأنا نائمة:
هذا يعني أن في صوتي أرواحا كثيرة
من حلموا بالحب، ثم نهضوا فوجدوا قلوبهم تنزف.
الموت؟ قريب ومدهش
ربما وجدنا أخيراً من تركونا في منتصف الأشياء
فاعتذروا أو فتحوا لنا كوة لنرى
الآلة التي تصنع الشر داخلهم
وسمعنا طقطقة محركها
***
سأحدثكم عن الغدر، صديق الحب، صديق الحياة
يتوقف الغدر، فتتوقف الحياة،
الذئب حين يتربص بالنعجة، الأفعى التي تتسحب بين جسدين، الماء حين يتسرب إلى قاع المركب،
يصنع ما وُجد لأجله: الموت
أصل الكون وحقيقته الكبرى
***
لعشرين عاما وأنا أبكي بجانب جثتي
الجثة هرمت أمام عيني
نبت لها شعر
رأيت الحب الذي قتلها ينتشر كالدود بين فخذيها
مت وبقيت جثتي حية
تراقبني وتبكي،
تحملني على ظهرها
من شجرة إلى شجرة
تنتظر أن تسقط على وجهي ثمرة
أو يطأ قلبي ظل عصفور فانهض
عشرون عاما، الميت حي والحي ميت
بقوة الغدر
***
من بيده سيجارة
من بيده قلم
من بيده وردة
من بيده نهد
من بيده ورقة
فليضعها الآن على الطاولة، امنحوني أصابعكم
أحتاجها لأشرح
ما الذي يحدث حين يغدر بِنَا الحب وتؤلمنا الذكريات.
تخيلوا أصابعكم مقطوعة من النصف
مرمية في التراب،
تخيلوا غرابا انقض من السماء، حملها وطار،
أنتم تجرون وراءه ودماؤكم تنزف،
ليس لأنكم تتألمون، أو لأن موضعها بشع،
بل لتستعيدوا وجوه من أحببتم، جلد من نام في أحضانكم،
شفاه من ضحكوا،
شعر أو نهد من لامس قلبكم
لتستعيدوا الكلمات التي قالت كل ذلك
للوقت
***
يقتلنا الغدر
لنذهب إلى تلك المنطقة المخيفة التي كنا نهرب منها
نؤجلها وهي برفقتنا وداخلنا منذ أول الخلق
في نهاية الأمر نكتشف
أننا متنا منذ ولدنا، وأن ما مشيناه لم يكن إلا
طريقنا في المرآة
***
غدر بي الذين أحببتهم، وما زلت أحبهم.
غدرت بي الحياة، وأحبها.
غدرت بنفسي، ودائما أشكرها.
يبقينا الغدر كالغربان بجانب جثتنا،
نتأملها وتتأملنا، ننتظر موتها لننقض،
وتنتظر موتنا لتتحلل.
***
إذا لم تجد قبرك تذكر الذي أحببت،
ماذا يحب ويكره؟ كيف يتكلم؟ وأين يستريح ؟
تذكر أي الفواكه أحب إليه لتجد الشجرة،
أي البشر أقرب إلى قلبه لتجد الظل،
ماذا يقرأ، وفي أي اتجاه يحرك يديه عندما يتكلم
ستجد قبرك حين تعرف قاتلك جيدا
وتألفه،
***
امنحوني الآن أعينكم للحظة، كلكم أعمى عن حقيقته،
كلكم يدور حول نفسه ظانّا أنه كوكب يدور حول الشمس،
الشمس هي ما وضعتم في قلوب أحبتكم،
ستدورون وتبحثون،
حتى يحترق أحدكم ويسقط رماده
في العيون فيعيد لها الرؤيا
***
تأخر الليل وأنا أحدثكم عن الغدر: صديق الحب، صديق الحياة.
القلب الذي لا يغدر به قلب ميت،
تماما كالبومة التي يخلفها الصياد،
افتحوا قلوبكم للغدر،
صدوركم للسكين،
دماءكم للروائح المغشوشة،
افتحوا أفواهكم للهواء الملوث،
وأرجلكم لضياع الطريق،
دعوا أقدامكم تغشكم فتأخذكم إلى الحافة،
أعينكم تخدعكم فترون العدو حبيبا،
القبر شجرة
تخيلوا البحر امرأة وانتحروا.
تخيلوا الماء صديقا واشبكوا أصابعكم بأصابعه
وعندما تجركم قلوبكم إلى النهاية،
اتركوا لها أنفسكم
شيء ما يجب أن يقودنا إلى هناك، على أية حال
تعليقات
إرسال تعليق