السَّفَّاحُ المسكين
كريم عبد السلام
(1)
السَّفَّاحُ المسكينُ ذهب للمحكمة:
سيدى القاضى
أنصفنى منهم
هؤلاء الموتى
مهما قتلتُ منهم، يعودون للحياة
لقد تعبتُ
أنا على حافة الانهيار
تصور سيدى
قصفتهم بطائرات الشبح
بالإف 15 إيجل
بالطائرات المسيرة
بدبابات الميركافا
بمدافع الميدان الثقيلة
بالقذائف الفراغية
بالقنابل الخارقة للتحصينات
بالفسفور الأبيض
هدمت البيوت على رءوسهم
نعم حرفياً، سويتُهم بالأرض
وأجدهم بعد ساعات يطلون من تحت الأنقاض
بعضهم يبكون
لأنهم لم يلحقوا بالشهداء!
تعبتُ من القتل سيدى القاضى
تعبتُ من القصف
من إطلاق المدافع والدبابات
هذا ليس من الإنسانية
عندما نقتل أحدًا لابد أن يموت،
عليه أن يموت
ليس من المنطقى أن نطلق النار ثم نموت نحن أيضا من الغيظ
هذا ليس عدلاً
أرجوك تدخل سيدى القاضى
قل لهم أن يظلوا فى موتهم ولا يعودون
(2)
السَّفَّاحُ المسكين
عاد فى اليوم الثانى للمحكمة:
سيدى القاضى
هل يرضيكَ ما ترى
يداى ملطختان بالدماء
وقدماى أيضا
مهما غسلتُ يدىَّ وقدمىَّ بالماء والصابون
بالمطهرات
بالبارفان، أغلى الأنواع سيدى
-لا استخدم البارفانات المقلَّدةَ أبداً-
تعودان كما ترى
ملطخةً، والدماءُ تقطر منها
عندما أسير وأستند على الحائط
ألوثُه بكفى
عندما أصافح أحداً ينظر فى يده ويصرخ مبتعداً
لا أستطيع التوقيع على الأوراق
لا أستطيع تناولَ كوب الماء
أو التهامَ دجاجة
المصيبة طالت أنيابى
كيف استطالت هكذا مثل دراكيولا
هل هذا عدل؟
لم أكن يوما من مصاصى الدماء
ولم أتناول بفمى أىَّ لحم بشرى
أنا لا آكل إلا الكوشير
فلماذا أصبح هكذا
أنا مجرد سفاح مسكين وسط مئات السفاحين الذين يستمتعون
بالحياة وهم يقتلون
يقتلون وهم فى مكاتبهم
يقتلون وهم على البلاج
أو على متن طائرة
يقتلون وهم فى الحمّام
فلماذا أنا من دون جميع السفاحين أُعَامل هكذا
أهذه لعنةٌ أم اضطهاد ؟
أخبرنى سيدى القاضى ، كيف أتناول غدائى
(3)
فى اليوم الثالث
جاء السَّفَّاحُ المسكين للمحكمة أيضا،
سيدى القاضى:
لن تصدق حتى ترى بعينيك
أنا نفسى لم أصدق حتى حملونى فى هليكوبتر إلى الشاطئ
يتوالدون من حبات الرمل سيدى
نعم،
الأطفالُ الذين قتلناهم
لأنهم سيأذوننا فى المستقبل،
رأيتُهم يختبئون فى حبات الرمال
ينمون على الصخور مع الطحالب
ويُلقى بهم البحرُ مع الموج
ثم يكبرون فى الليل تحت ضوء القمر
تصور سيدى..
قصفنا الشاطئ والبحرَ والأمواج والصخور
لكنهم ما زالوا يختبئون، ثم يتسللون عند الفجر
لا يُعقل سيدى القاضى أن نحارب البحر ورمال الشاطئ والصخور
هذه الحرب غير عادلة
وتستنزفنا كل يوم ..كل يوم
(4)
فى اليوم الرابع أيضاً
وقف السَّفَّاحُ المسكين أمام المحكمة:
سيدى القاضى
أنقذنى
أنقذنى أنا وجنودى المساكين
لا نستطيع النوم
الأشباح الصغار ، أقصد أشباح الأطفال القتلى
يتسللون إلى أحلامى
أحلامنا
تباعاً
يتراكمون بأشلائهم فى غرفتى وعلى سريرى
يتراكمون مثل كومة لحم ضخمة فوق جسدى
حتى يخنقونى
لا أستطيع التنفس
كأنى غريق
وأبذل جهدا كبيرا لأطرحهم من فوقى وأصعد مرة أخرى إلى السطح
وأجذب نفساً عميقاً، وأنا أتصبب من العرق
سيدى القاضى
أخاف أن أنام
أنام جالساً على مكتبى
أنام على مقعد جوار السرير
أنام جالساً على الأرض وإلى جوارى حراس يبدأون بهزّى فور
شعورهم باختناقى
أريد حكماً يمنع الأشباح من التسلل إلى أحلامى
أريد حكماً يحمينى من الأطفال المقتولين
(5)
السَّفَّاحُ المسكين
وصل المحكمة فى اليوم الخامس
يستند على عصا سوداء أبنوسية:
سيدى القاضى
أىُّ جحودٍ أتعرضُ له
أىُّ نكران
أىُّ عقوق
أريدُ حقى
لا أحد يقول لى شكراً
لا أحد يشدُّ على يدى
هذه الكائنات النمرودة أرسلتُها للموت،هكذا..
مثل رفّةِ جفن
مثل التفاتةٍ
مثل نحنحةٍ بسطية وسط الكلام
مثلما تلوح لأحدهم، وتواصل التحدث فى الموبايل
دون ألم
دون معاناة
دون حاجة للعلاج
دون نفقات.
دون فخرٍ، أنا من جعلَ الموت سهلاً
فى متناول الجميع
-أقصد جميعهم سيدى-
ألستُ إذن المخلّص بالنسبةِ لهم
ألم يكونوا طوال حياتهم يشتهون الموت
ألم يقولوا : "الدنيا معبرٌ والآخرةُ مَقَر،
و "اللهم بلِّغنا الشهادة".. "اللهم بلِّغنا
الشهادة"
التى صدعونا بها
أعندما أحقق أمنياتهم
يضعوننى فى مربع الشرير
فى خانة المجرم
مع الشيطان فى نفس الصورة
أكانوا يكذبون علينا طوال هذه السنوات
أم يكذبون على أنفسهم
هل تشعر بى سيدى القاضى
هل تشعر بى
من يعوضنى عن هذا التشويه
عن المرارة فى الحلق
عن الألم فى القلب
مؤلمٌ جداً هذا النكران سيدى القاضى
مؤلمٌ بحق
أخشى أن أقولها
هذا الجحود، سيدى القاضى
هذا النكران – لا فرق
يزحزحنى ناحية اليأس
وأفكر
سأتركهم يتعفنون فى حياتهم
ولن أسمع لهم
سأكون أصماً تماماً
عندما يرجوننى
أن أخلّصهم
(6)
السَّفَّاحُ المسكين
لم يتأخر فى اليوم السادس :
سيدى القاضى
لابد من حل
هذه الكائنات تضر البيئة ضرراً بالغاً
أكبر من الاحتباس الحرارى
أسوأ من كورونا
يحفرون فى الأرض ويلقون الجثث فى أكفان بيضاء
دون حرق
دون جير حى
دون أسيد
دون أية جمرةٍ لطهى الجثث
الأرضُ تتعفن سيدى القاضى
تحت السطح ملايين الأوبئة تنتظر الفرصة لتنفجر فى وجوهنا
لماذا لا يفعلون مثل الأمم المتحضرة؟
أعرف منظمات تستطيع تحويل الأجساد المحروقة إلى قطع من الألماس
تخيل سيدى القاضى
كل أسرة قُتل منها خمسة أو ستة أفراد يمكن أن تمتلك فجأة
خواتم من الألماس بعدد قتلاها
ثروة كبيرة
لكن هذه الكائنات لا تفكر
لا تعرف كيف تستثمر الحياة أو تكسب من الموت
عالةٌ على الإنسانية
لو سألونى
كنا أنشأنا محرقةً صديقةً للبيئة وبدأنا حملة تسويق فى أوروبا
ومن رماد كل جثة نصنع حجراً من الألماس
وننظم مهرجان الألماس من الجثث المحروقة
كلنا فائزون
كلنا فائزون سيدى القاضى
لكن هذه الكائنات
هذه الكائنات ميئوس منها.
(7)
في اليوم السابع
اختفى السَّفَّاحُ المسكين
لكنه لم يسترح من جميع عمله الذي عمل
تعليقات
إرسال تعليق