لا وزن لغيابك
نصر جميل شعث
لا وزنَ لغيابكِ
هو بخفّة الكأسِ التي انْقلبت على أريكةٍ من إسفنج.
هو ثقيلٌ كدعابةٍ امْتلأت بنيّاتِ السماء في عينيكِ.
على الطاولةِ ليومين،
بجانبِ كِسرةِ خبزٍ وزجاجةٍ طحلبيّة.
لا وزنَ لغيابكِ
هو قطارٌ سريعٌ تقودُه عواطفُ الراكبين.
ومن قلقي أسمّي كومةَ الماءِ تحت القصيدة رئةً تتنفّسُ هواءَ ستارةٍ تُحرّكها الرموشُ،
وأُبرّرُ سقوطَ الثلج بغزارةٍ على جناح الغابة القريب.
لا وزنَ لغيابكِ
هو ليس قاموسًا في حقيبةٍ، ولا خارطةً أو رأسًا في خيال.
هو ظلّ كلمةٍ عند البحيرة صارت بيتـًا كالمثلّث من خشبٍ، سطحُه انْقلابُ قاربٍ
(هكذا مازحني صديقيَ العراقيُّ)،
وصحّحتُ، رغم غيابكِ هذه الليلةَ أيضًا:
(البيتُ قاربٌ إذا أتى الطوفان)
أشياء لامعة
سأُخبرُ ذهابَكِ الاضطراريَّ، هذا اللّيلَ،
أنّ صوتَكِ الذي أعادَ نظرتي إلى السَّاعة؛ دليلُ عيني التي قابلتِ المرآةَ عرَضًا وهي تبحثُ عن أشياءَ أوّلها:
مِفتاحُ الزُّجاجة اللَّامعُ
كجناح طائرةٍ في نافلة السَّحاب.
سأُخبرُ ذهابَك الاضطراريَّ
أنّ يدي الصافنة فوق ركبتي مركبٌ على جبل.
وسأخبرُ ذهابَك الاضطراريَّ
عن ريحٍ عَمّرَتِ المسافةَ بين وجهي ووجهكِ،
برُسومٍ جلَبتْها من كراريس الصِّغار:
جرس ببُحّةِ اللَّون الشَّفيف،
وحصان مَمسوس من رقبته بما يُشبهُ طريقًا من ظلٍّ تمشي عليه الحياةُ مُحمّلةً بنهرٍ رياضيٍّ؛
على أسماءِ روافدِه تقعُ هدايا يُغلّفُها
حدسٌ يُعمّدُ كلَّ أشيائي في يديك، وأوَّلُها:
مِفتاحُ الزُّجاجة اللَّامعُ
كجناح طائرةٍ في نافلةِ السَّحاب.
لا ندمَ في القصيدة
اللَّيلةَ، أيضًا، سأُخبرُ
طريقَ القدْس التي تقصدينها غدًا أن لا ندمَ في القصيدة،
لأنّ النَّارَ التي حَرّقتْ أصابعي أبعدَتْ فمي، وطهّرته من دم الأخطاء.
وأحتاجُ أن أقولَ لهبوبٍ في رجوعكِ الاضْطراريِّ،
قَسَمَ بخصلةِ شَعرِك الحُرّ سطوعَ جبهتك الجميلة؛
أنّ ثمّة تاريخًا للأمل، في لسان امرأةٍ تُشبهُك، استراحَ
على سطح لساني، قبل أصباغ الشَّراب.
حتَّى بعد القهوة هو لوحٌ لكتابةِ أسماء الشُّهداء
بأسنانٍ بيضاءَ تَجرُفُ اللَّيلَ،
وتَقضُمُ التُّفّاحةَ،
وتَقدحُ وهي تَطأُ حافّةَ الفنجان.
لأقابل الشهداء في يدك
الأحرى أن يُعدّوا القصيدةَ للعقاب،
لأنّ مدينةً دفعَتْ في عيدها الوطنيّ أرواحَ موتاها لأكشاك الورود،
وتثاءبت أثناءَ إيقاد الشُّموع.
أمّا أنا، من غير شرٍّ هذه الأيام، فأنامُ مُبكّرًا؛
لأقابلَ الشُّهداءَ في يدكِ التي زَرَعَتْ
وردًا مشاعًا ليتامى ذلك البلد الصَّغير.
أو لأصحو على عجَل الحياة،
أكتبَ عن صغيرتكِ الواقفةِ كَحَلٍّ إلى جانبكِ،
ووردةُ شَعرِها تطلعُ من ركبتِك.
ولكي تكسبي ضحكَ الحياة بجانبي،
انْتقي لي صوتًا غريبًا من لسانِها؛
وهو يَحملُ بلّورة الحلوى أثناءَ تجريب اللّغة.
ثم قولي واضحكي:
هذا هُو اسْمُك في مَذاق ابْنتي.
غائبون لشراء بطاقات هواتف
وهذه اللَّيلة عندي لعينيك خبرٌ جديد:
ربحتُ الجولةَ في لُعبة الورق.
عشرةُ قلوبٍ حمراءَ منحتني حبّ التَّمغّطِ في وجه الصَّديق.
اثنانِ يَطحنان الحنينَ في الهواء:
شاعرٌ من غزة، ورجلٌ واقعيٌّ طيّبٌ من دارفور.
لكلّ واحدٍ منّا لكْنَته التي تَتَصرّفُ بلغة المُدرّسة المَرِحة.
هو يَضربُ كعْبَ يده بركبته التي لا تُصلّي،
وينفخُ بخارَ الشَّاي عن لحظة التَّخمين.
وأنا أُحدّقُ إلى كومة القلوبِ على الخشبةِ،
وفي منافض الغائبين لشراء بطاقاتِ هواتفَ من وراء الجبل.
حين ألقيتُ بيدي تحتَ الطَّاولة،
ونَقرتُ بظفر الشَّاهد على مفصل رِجْلها؛
خمّنَ الرَّجلُ الواقعيّ الطَّيّبُ
أنّني أُخبّىءُ القلوبَ العشرةَ، قبل بداية الجولة.
تعليقات
إرسال تعليق