القائمة الرئيسية

الصفحات

 لا تتركي يدي

يحيى حسن جابر


لا تتركي يدي - يحيى حسن جابر - بيت النص


وأنتٍ في الطريق إلى الطبيب النسائي لفحوصات الكشف المبكر عن سرطان ثدي أو رحم تقولين لي في السيارة
" إذا تسلل المرض إلى بيتي هل ستبقى معي وتبقى بجواري ؟"
أبتسم لك برجفة
"سلامتك حبيبتي "
وأتابع المطر المنساب بين مساحات السيارة كأنها دموعي المخفية .إنه الخوف عليك يضربني هي صاعقة تصعقني بين الضلوع, هو قلبي ينبض بسرعة برق ."كم أحبك" أقول لك .
"لاتخافي ستعيشين كثيرا كثيرا . "
أشعر بخوف لايبدو ظاهرا على قسمات وجهي , خوف كامن كأنه يشبة المرض الصامت ,المرض الساكت نخاف أن يتكلم كلمته الأخيرة وإذا نطق هذا المرض الصامت سننفجر بالبكاء كل على حدة كل واحد في زاويته .أخفي ذعري عليك لإطمئنكٍ "مافي شي كل شيء سيكون على مايرام " أربت على كتفكٍ مشجعا ومستخفا بالمرض اللئيم وأبحبش عن طرفة لإضحككٍ كأن أقول" لن يدخل السرطان إلى بيتك وبيوتك سأطلق عليه النار بالضحك مثلا ,سأدرزه بوابل من القهقهات .
أراقبك كجاسوس وأنتٍ ترمقين الثياب بهلع في إنتظار نتيجة الفحص .أغض الطرف عنك , كأنكٍ تودعين الفساتين والكنزات والقمصان والبناطلين والتنانير هل سيلتهم المرض ثيابكٍ الحلوة ؟.وأراقبك حين تتحسسين جسدك أمام المرآة أنحدر بدمعة , كنقطة شتاء على زجاج ..للرجل قلق واحد من مرض,و للنساء حمولة ضخمة من قلق وأرق ..ياوجع البنات ياوجع النساء ياوجع الأوجاع ياإنتظار نتائج الفحوصات .
تنظرين من شباك المطبخ تلمحين عصفورا تلوحين له بفوطة الجلي كأنه صديق طفولة, ويرفرف مكانه على درابزين الحديد قرب منشر الغسيل يراقبك تغردين له , سيدخل ويلتقط شعرة واقعة على أرض المطبخ وينقلها بمنقوده ويطير بشعرة من شعراتك ليبني منها عشا في شجرة .عش عصفور من شعرك .عش مبطن ببطانية حريركٍ .
يا فزع العينين المحملقتين بك وأنت نائمة بعيون مفتوحة أحاول أن أرى ماتبصرين في الظلام .
لاتنامين لا أنام .
حين أراقب وجهك اللوحة ، خطوطك، لونك، أترصد الأحمر الذي لاعلاقة له بلون القرنفل والجوري والتفاح أبحث عن أحمر قد يطفح على بشرتك, أتلمسك لإعرف مصدر النار الناهشة .
وزنك بالخفاء أكيله بمكيال اليدين .هل تتناقصين ؟
يداي ميزان لإزن يديك الرشيقتين الخفيفيتين .لاتتركي يدي .لاتتركي يدي .لاتتركي يدي .
أتذكرنا يدا بيد في شارع الحمرا نمشي بين محلات الثياب ..
هناك في غرفة القياس حيث تقفين أمام المرآة، لقياس الفستان في محل الملابس، وتسألينني «شو رأيك»؟ أقف عاجزاً أمام الجَمال. لساني مربوط في سقف الحلق.عيناي جاحظتان من الفرح لخصرك الذي يرقص مع التعليقات .
تلفِّين وتدورين بالفستان كأنكِ كرة أرضية على كتف غزالة.
تلفين وتدورين وتقولين لي: «شو رأيك؟».
وأنا مذهول من هذا اللف والدوران.
يا دوخة من صعقة كتفين كحجري صوّان.
تدخلين وتخرجين من غرفة القياس، والثياب ترفرف، تغط كأسراب طيور مهاجرة وصلت الآن، ها هي في طريقها إلى الهبوط على شجرة هذا العالم، جسدك اليانع الناضج الوارف.
أراقب هبوط الكنزات كحَمَامات وجدت اليابسة بعد طوفان، وما الأرض سوى ساعدك، وهناك أنجو بك. ما أجمَل الحياة بعد طوفان. وغصن زيتون يلوح في غرفة الملابس.. هي أنت وسط صحراء.
فستان من ورد، أسمعه يقول: «ما أجمل الحديقة هناك». وتغادر الزهور من منفَى القماش إلى بلادها الأصلية. وما البلاد سوى خصرك.
تفلت الجاكيت من التعليقة، كمشنوقة نجت من الحبل. الجاكيت كتب لها العمر من جديد.
البلوزة الصغيرة، كطفلة من صوف، تغفو الآن، تسمع حكايات على وقع ثغاء الخراف.
هو الصوف يعود إلى أصله، إلى مراعٍ خضراء، وخرير أنهار تتدفق على مهل تحت الجلد.
جوخ أم كتان؟ حرير أم ساتان؟ كل أنواع القماش، وكل أدوات الحِيَاكة، كل ماكينات الخياطة، كل المقصّات.
أراها في جوقة تنشد.
«نحنُ نُجمِّل هذا العالم
ونحن نتجمَّل من جَمَالك، يا امرأة»
تخرجين من المحل بفستان أسود كليل أفريقي، وبقميص بحري يتماوج، وكنزة من أسماك، وبنطلون من أشجار.
تحملين في الأكياس جغرافيا من الألوان. تتمشين في الشارع حاملة محمَّلة، وأسمع بكاء الثياب في الواجهات المجاورة.
أسمع دمعاً يقول:
خدينا معك.. ضُمِّينا
ألبسينا، ارتدينا.
أطلقي سراحنا من الواجهات.. حرِّرينا.لاتغادرينا
لاتتركي يدي .لاتتركي يدي .لاتتركي يدي في خزانة الثياب .
لااااااااا

تعليقات