القائمة الرئيسية

الصفحات

لا مِقوَدَ للشعر لا رَسَنَ للقصيدة / مختارات من شعر نهيد درجاني

لا مِقوَدَ للشعر
لا رَسَنَ للقصيدة    

مختارات من شعر نهيد درجاني


مختارات من شعر نهيد درجاني - بيت النص


1

أرغب بالرحيل منتصراً على الممحونةٍ التي كانت تميد تحت عقلي وغرائزي بميوعة وتحلم بغدٍ أفضل ،
كان اسمُها سماوياً أرضياً كونياً طناناً رناناً ،
ما جاء نبيٌ وما فبرك لها أسساً ،
وما جاء عالم وما دحش أنفَه في مسامّ جلدها وجلدتها ،
وما حلّ وباءٌ وما بلّ يدَه فيها ،
أنتم ترغبون بالانتصار على الموت ،
لو مِتُّ
ضعوا مخدّة سميكة تحت عنقي ،
أرغب بالموت مرفوع الرأس منتصراً على تلك الكرتونة المهلهلة التي كُتب عليها : حياة .

2

دعْ قلبَك يقشط حين يشاء ،
المتساقطاتُ من العواطف عادة ما تتجمّع في الجهة المخرشمة
مِنْ أولاد حارتك ،
مِنْ لم يشبعوا سذاجةً ،
مِنْ داهمتِ الحياةُ بيوتَهم عنوةً .
في السهول ، لا تشتدُّ عيدانُ لغتِك ، ولا رُكَبُ رجولتك
تلزمكَ حزمةُ ضرائبٍ
على لم تزلْ تحيا ،
على لا تكشَّ الذبابةَ عن أنفك ، دعْها تقوم بما جاءت لاجله ،
هي الوجه الآخر للفراشة ، وانت الوجه الاخر للوردة ،
أنتما شريكان في اللّذة ،
في امتصاص الوقت ،
في النكزة الآتية ،
تلزمك توصياتٌ لو كان لديك أهلٌ ،
اللواتي مررْنَ بحياتك بالكاد يذكرْنَ اسمك جيداً ،
مدبّراتُ المنازل لا يهمّهنّ من سريرك ، الا ما تركه الليل ،
لا تظنَّنَّ أنَّ الله قد خلقكَ وكسر القالب ،
القالب بالاساس ، موقدةٌ من فخّار وطينٍ وكستناء ،
فرفكْ يديك ،
هذا البرد عشاء شهيّ ،
فيما قلبك يقشط في أمعائك كلقمة أخيرة .

3

لا تحتاج أثينا لكثيرٍ من الحكمة كيما تمطرَ فوق البحر ،
يكفي أن يكون في الحيّ القديم : مقهى زجاجيٌّ ، وبضعُ نظراتٍ مُختَلَسةٍ ، لتعبر الارصفة كالحلم في قزحية الغيم ،
لم نكن معاً حين راجت الكتابة الساخنة على وجه الكابوتشينو ،
لم نكن معاً لتعلقَ على شفاهنا كقشوةِ (لا تمسحي اسمي عن فمك) ،
لم نكن معاً حين زرزب المطر من رئة الأكورديون واستمرّ العجوز بلفظ انفاسه حتى نهاية الاغنية ،
لم نكن معاً حين (خلافاً للمنطق) كنا معاً نفلسفُ الزقاق والاعمدة والشرفات فعدنا الى مخدعنا بلسانين مشقَّقين ،
غدا في المدينة القادمة
لن أحتاج لجدال عقيم لأقول لك
أنا مثارٌ وبي رغبةٌ قاتلة لابتلاعك تماما .

4
العنبر رقم ١٢
 
لكلّ رأس طربوشُه ، ولكلّ طربوش شرابتُه ، ولكلّ شرّابةٍ دولتُها ، ولكل دولة بحرُها ، ولكلّ بحرٍ ميناؤه ، ولكلّ ميناء مراكبُها ، ولكلّ مركب مانيفستُه ، ولكلّ مانيفست طربوشُه ...
وهكذا دواليك ،
كانت بيروت تردّ باب عينيها ، لا كان مفتوحا ولا مغمضاً ،
وكانت ُتدخل انبوباً بلاستيكياً في أنفها بحثاً عن بلغم ملكيّ ومخاطٍ سياسيّ ، تنغل فيه جراثيمُ حكّامها ،
كانت بيروت متنكّرةً بالأسمال فوق زينتها وعطورها
كانت رثّة وجميلةً ،
أميرةً متسوّلة بيدها حقيبةُ "هرمز" تتّسع لشفقة البحر
وكان البحرُ يخلع آخر طرابيشه ويعلقها في العنبر رقم ١٢
عند السادسة من الخامس من الشهر الثامن ،
بمْ
من يزيل الركام عن طرابيش بيروت القذرة العفنة بعد اليوم ؟

5

ايها الكرباج
صدقني
الماكينات أحسن حالا منّا ،
نحن المدعوّون أبناء الله بشحطة مزمور ، لا مؤشّر لدينا لمعرفة كمية الوقود المتبقية في محركاتنا في الطريق الى العدم ،
الكومبيوتر أحسن حالا منّا ،
نحن الذين صنعناه لا على صورتنا ولا على مثالنا ، لو فاضت فيه الذاكرة ، بنقرة من فارته الصغيرة يعيد تنظيم محتوياته وتتسع خزّاناته مجددا لاجل غير مسمى .
الاهراءات في المرفأ أنبل منّا ،
لو انفجرت من شدة القرف ، نتأ القمح من بين الركام وصاح : بقاياكم هنا أيها الغرباء .
ايها الكرباج الذي يخاف على وجع الهواء ، هل خاف هواء النترات عليك حين دار فوق سرير غيابك وغاب ؟
انطوان
اكرهك
انتم المبدعون من شتى صنوف الفنون المسماة زورا : الجميلة
اكرهكم جميعا
راحت اعماركم وانتم تربتّون على ظهر هذا البلد كيلا يتشردق بنقطة حليب ، وتهدهدون تضاريسه لينام ملء عين الزمن ، وتتشتشون قفاه ليتبوّلَ زيتا ويتبرّزَ بخوراً ،
أيها الكرباج
لماذا لم تجلدْ هذا الوطن البلا تهذيب؟
لماذا لم تركعه في الزاوية الى ان يشخّ تحته ؟
تفضّلْ
انبسطْ
الان انت تنام بذاكرة مشوشة في وطن مسطول لم يبق فيه الا
البؤساء.

6

…لا مِقوَدَ للشعر
لا رَسَنَ للقصيدة ولا دفَّة،
دعوها تقع لا من يدها ولا من رجلها
ثم تلملم حالَها وتقوم على مهل
دعوها تطير كما لو طلع بخارُ الخمر من شَعرها
دعوها ترتطم بالجدران بالتراب بالحصى
دعوها ترمي بنفسها في البحر
في النهر
في السواقي
ويطفو ثوبُها
فيما تسترقون النظر الى انوثتها الغارقة في الماء
فتبدو
ساقاها مقوّستين
ونهداها بيضاوين
ثم تعيدون حياكة أعضائها كغيم في مرآة،
أنا النهيد الرابع عشر من سلالة المحكومين بالسّطوِ على أنف الحياة
بالقوّة أخذتُ حصّتي من الهواء والقمح واللّغة والنساء
علّقتُ مشانقَ الكلمات على السطور
كيلا تهتزّ همزةٌ من مفرقي اذا أدرتُها
جعلتُ على ايوان الحريم حاميةً تفلّي الذكور من إناث النمل بطرفة عين
كيلا يحنَّ نهدٌ الاّ لسلطان فمي
بتُّ أحتاج لمعجزة لألفَّ ساقي حول ساق العالم
بتُّ لا أحسن الكتابة
بحوافر الدّابة
بأحليلِ الدوريّ
أكتب
لو قالت حبيبتي لبنَ العصفور
جئتُها
لو قالت العصافيرُ سِكْ سكْ ثلاثاً
راقصْتُها
لو احترقت الغاباتُ
تبوّلتُ بحراً
وأطفأتها،
المتحرّكُ أن أرهزَ اللغةَ الى فاء الحرف
الساكن أن تقولَ القصيدةُ
رغبتي ما زالت جامحة
الوزن أن أصيرَ ريشةَ نعامةٍ
القافية أن نكون عراةً دافئيْن في فراش واحد
الرويّ ألا أرتوي من هذيان العالم
القصائد لو عرفت من أتى بها لرمت نفسها بالنار…

7

الضرائرُ غادرْن جسدي بعد الأبالسة بقليل ،
مُنْذُها
بالكاد تتّسع هشاشتي لإمرأة مفردة في قصيدة واحدة ،
أنا صنيع الارتباك ، لم أنافس يوما على السّعفة الذهبية عن فئة المتدارَكِ من الكلمات ،
هذه المتأرجحةُ المتدليةُ من عنقي قلادةُ العين الفارغة من طُرّتها ، وعلى نقشتها نُضْوَةُ الحصان ،
لم تبق لي آيةٌ لم يلِجْها الشعراء من كل الجهات
فاتخذت صخرةً أسميتها حبيبتي
وشجرةً دعوتها حبيبتي
وبلاداً كنت سأقول إنها حبيبتي لو لم تكن حاملا بالاف السلاطين ،
كنت أريد قضاءَ عطلة العيد خارج نظامي الشّعريّ ، لكنّ نومي كان ثقيلاً على هذه المسافة بين نهدين ،
وكان المسبار عجولا على الخروج من جسد بهذه الفوضى ،
الكتابةُ مؤذيةٌ في الحَرِّ ، قاتلةٌ تحت الصفر المئويّ ، والإمساكُ يودي الى الجنون ،
ايها الكافر الاوّل الذي اهتدى الى الشعر
منك لله .

8
حمار منذ اكثر من عشر سنوات .

أنا حمارُ العمرِ ، جحشُه ، أحمله من مكان الى مكان مقابلَ سطلِ هواءٍ ،
لم تهبْني الحياةُ بردعةً ، كان الشغل مكدّساً فوق رأسها ، قالت دبّرْ ظهرَك ومضتْ ،
أعادوا تدويرَ أكياسِ الشعيرِ ، جعلوها قميصاً بكشكشٍ وشراريبَ رفقاً بأقفيتهم ، وخططوا الممرات وقالوا امشِ على القانون نأتيك بحمارة ،
أذكر المُخْلَ كيف شجّ رأسي يوم أصبتُ بأكزيما الشمس وتقرّح بدني
أذكر كيف كنت واقفا والوادي تصعد اليّ والنياشين تفرفر من حولي
اذكرُ رثاء صاحب السمو
يا لَضَيْعته كان حمارا من ذهب .

9

خوانيتا تتحلّلُ ، وتُعِدُّ أقراصَ الهواء لما سيأتي ،
خوانيتا تكبرني ببضع سنوات ، وبضعة رجال ، وبكثير من القبلات ،
خوانيتا تلمع ، جسدها يلمع ، عيناها تلمعان
أنبأتها الحكايات أنّ جملا بثوب فحل يأتيها ، فارتدت خط الاستواء كيلا ينتصف ليل ولا يبلغَ نهار .
خوانيتا تُقفلُ محطات المترو تُقفلُ المدينة .
خوانيتا تسكب من نسغيْنا كأسين وتتمدّدُ كالصّلْبِ في حَرَّيْنا ، تتشقّقُ ، كوجه الصحراء وجملي يعبر بعطشٍ عتيق .
خوانيتا ، تفور كقلم الحبر ، وتترك بقعاً في كل الأمكنة ،
يلزمني كثير من الحوّاس الإضافيّة ، لأجل خوانيتا ،
تلزمني الاسبانية بأفعال الحاضر والحروف المشبّهة بالافعال والضمائر المستترة ومترجمة متخصصة بالآهات .
خوانيتا تُشعل حربا ، تترك خلفها فيالجاكوزي فقاقيع جسدها ، ونمْلاً يغِلّ في شعر جثتي .
السيراميك يرسم اصابع قدميها وكعبيها من الأسفل ،
من هنا مرّت خوانيتا .
القدم اليمنى ثم اليسرى ثم اليمنى ... ثم مسند الصوفا العريضة ،
رطبان نحن ، ملتصقان كغراء صيفيّ ، قطرةٌ تحت شحمة أذُنِها تُنبتُ غابةً ،
خوانيتا تتفاعل كندى وحشيّ .
حمالة صدرها الاولى كانت سوداء ولم تزل ،
بانت حلمتاها ولم تزل
والخيط الذي يملك الحلّ والربطَ في ابعادها لم يزل ،
خوانيتا تعشق آلات النفخ ، تعشق كلَّ ما هو راقصٍ ومهتزٍ ومرتجفٍ ومرتعدٍ ،
خوانيتا تنفث الدخان وتقول : افتح ( الترومبون ) يا أميري ، أسمعني عزفك ، خوانيتا تملك كلَّ المفاتيح ، والمقامات ، والجهات .
حدّثْتُها عن الجنة ،
فقالت أنا
وعن النار
فقالت أنا
أدرْت صوبها الكرة وأهجْتُ سبابتي :
هنا لبنان .
خوانيتا تقهقه تختنقُ :
أصغرُ من فتحة ساقيَّ لبنان .
إنها الرابعةُ قرابة الرابعةِ .
النافذة لا تُطِلّ على الهواء
خوانيتا أنفاسها تتراكمُ ، تتهجأُ ،
تَعلَّمْ :
المدُّ في الألف يا ،
يا (كغداً) كبعدَ غدٍ .
تعلّمي :
المدّ في بيروت ، آه كألف آه .
خوانيتا تمتصّ الكلمات ، تفترس اللغتين:
مرّة أخرى (هبيبي)
عسلٌ كثيرٌ في أقراص خوانيتا
وأنا أمتطي الهواء وأعلو،
ركبْتُ السنام ، والسنامين وفاحتْ من جثتي رائحةُ الفحل ،
خوانيتا تهبط وتعلو
وأنا أعلو
عبرنا فوّهات البراكين وقمم الجليد
رسمنا بالآهات كروية الارض
كم يصغر هذا المدار
كم يكبر القمر
كم تلمع عينا خوانيتا .
إنها الاولى بعد الفطور
الغرانيت كان باردا في مطبخ خوانيتا ثم طبخناه على فحمنا على لحمنا
طبخناه حتى الانزلاق
حتى طاولة الطعام
حتى كرسيّ الطاولة
وكرسيّ الحمام
والستارة اللامقاومة للماء بعد الآن
والدوش الذي أضاع بوصلته فجأة .
إنها الرابعةُ بعد الرابعة الأخرى
خوانيتا تستردُّ أنفاسنا
تعدّلُ فنجان قهوة القديس (خوسيه غريغوريو)
تخبرني كيف صدمته السيارة الوحيدة في كاراكاس وكيف حماها من شرّ العيون وكيف وقاها وسامرها
وغازلها حين نامت وحيدة تلك الليلة .
خوانيتا كاثوليكية المنشأ
تصلّي قبل الجنس وبعده
تطلب من الله عاشقا فيأتها
ومن التلفاز أغنية فتأتها
خوانيتا رومنسية حين تستكين .
خوانيتا حين تستكين ترقص (السالسا)
ترسم على استدارة بطنها قيثارة تضرب الى الاعلىالى الاسفل
وتغني (المارياتشي) :
(( حين تستعر الشمس على الشاطىء
أشعر بجسدك يهتزُّ بقربي))
خوانيتا حين تستكين تمزج النبيذ بالفاكهة
وتضاعف الكحول في كأسها
والكحلة فوق حاجبيها
خوانيتا تغني ببوُبؤي عينيها:
(( افعله يا حبيبي ، مرّة أخرى ))
خوانتيا تطربني
تسحرني
تسترجعني
تستردني
تمسكني من خيوط شغفي
لا وقت للوصف
لا وقت للرقص
لا وقت للطرب
الأغنيات تنتهي في شفتي خوانيتا
بمجَّةٍ فريدة
بقبلة فريدة
القبلات لا تتشابه في شفتي خوانيتا
لكل قبلةٍ مقام
أين تنبت أزاهير الكوكا فيكَ أيها الملك ؟
إنها الرابعة بعد الرابعة الأخيرة
أفلتَتْ خوانيتا رسن المترو .
محطتان على ما اذكر
درج طويل وحديقة ثم بيتي ربما ما زلت أذكر .
ربما دائما سأتذكرُ
خوانيتا .

تعليقات